زينب سلمان ( 24 سنة ) - العراق
منذ سنة

لماذا لم يتم ذكر قصة النبي موسى (ع) مع فرعون في سورة واحدة

السلام عليكم... في القرآن الكريم ذكرت قصص الانبياء مثل قصة النبي يوسف(ع) وكانت في سورة واحدة وكذلك النبي عيسى(ع) ذكرت قصة ولادة في سورة واحدة لكن قصة نبي الله موسى (ع) ذكرت في عدة من السورة يعني بالكل سورة يذكر القصة من البداية ويضيف عليها وكهذا في عدة سور ذكرت قصة موسى (ع) مع فرعون


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سوف نتناول هنا مثالاً واحداً للقصة وهو (قصة موسى) (عليه السلام)، حيث تعتبر قصة موسى (عليه السلام) من أكثر قصص الأنبياء ورودا في القرآن الكريم وتفصيلا. ونعني هنا بالموارد القرآنية لهذه القصة: الموارد التي تحدث القرآن الكريم فيها عن علاقة موسى مع فرعون أو علاقته مع قومه أو لحالة اجتماعية قارنت عصره. وسوف ندرس قصة موسى في القرآن الكريم لنأخذها نموذجا لدراسة تفصيلية يمكن أن تستوعب قصص جميع الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم، كما اننا سوف ندرسها من خلال بعض الابعاد المهمة ذات العلاقة بالمضمون، وبالقدر الذي يتناسب مع هذه الدراسة من حيث الاختصار والمنهج. 1 - دراسة القصة بحسب مواضعها في القرآن الكريم: ونأخذ النقاط التالية بعين الاعتبار في دراستنا للقصة هذه: أ - التنبيه إلى أسرار تكرار القصة الواحدة في القرآن. ب - التنبيه إلى الغرض الذي سيقت له في كل مقام. ج - التنبيه إلى أسرار تغاير الأسلوب في القصة بحسب المواضع. ٢ - قصة موسى بحسب تسلسلها التأريخي. ٣ - دراسة عامة للقصة من خلال المراحل التي مر بها موسى والموضوعات العامة التي تناولها. ونكتفي هنا بالتنبيه بشكل اجمالي إلى هذه النقاط، لنترك معالجة جميع التفصيلات وكذلك الابعاد الأخرى إلى دراسة مستوعبة في ظرف آخر. وعلى هذا الأساس سوف نتناول القصة من زاوية نحو تسعة عشر موضعا من القرآن الكريم ونترك المواضع الأخرى التي جاءت فيها القصة بشكل إشارات أو تلميحات. ١ - قصة موسى (عليه السلام) بحسب مواضعها من القرآن الكريم: الموضع الأول: الآيات التي جاءت في سورة البقرة والتي تبدأ بقوله تعالى: ﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم * وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون * وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون﴾ (١) إلى أن يختم بقوله تعالى: ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون﴾ (2). والملاحظ في هذا المقطع: اولا: جاء في سياق قوله تعالى ﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون﴾ (٣). ثانيا: انه يتناول احداثا معينة أنعم الله بها على بني إسرائيل مرة بعد الأخرى، مع الإشارة إلى ما كان يعقب هذه النعم من انحراف في الايمان بالله تعالى أو في الموقف العبادي الذي تفرضه طبيعة هذا الايمان. ثالثا: ان القرآن الكريم بعد أن يختم هذا المقطع يأتي ليعالج المواقف الفعلية العدائية لبني إسرائيل من الدعوة ويربط هذه المواقف بالمواقف السابقة لهم بقوله تعالى: ﴿أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون ... المزید وأني فضلتكم على العالمين﴾ (٤). وعلى أساس هذه الملاحظة يمكننا أن نقول: إن هذا المقطع جاء يستهدف غرضا مزدوجا وهو تذكير بني إسرائيل بنعم الله المتعددة عليهم، وذلك موعظة وعبرة لهم تجاه موقفهم الفعلي من ناحية، ومن ناحية أخرى كشف الخصائص الاجتماعية والنفسية العامة التي يتصف بها الشعب الإسرائيلي للمسلمين، لئلا يقع المسلمون في حالة الشك والريب في هذه المواقف، فيتصور بعضهم أنها تنجم عن رؤية موضوعية تجاه الرسالة، الامر الذي جعل اليهود يتوقفون عن الايمان بها، خصوصا وأن اليهود هم أهل الكتاب في نظر عامة المسلمين فأراد القرآن هنا أن يبين أن هذا الموقف انما هو موقف نفسي وذاتي ومتأثر بهذه الخصائص الروحية والاجتماعية. وهذا الغرض فرض أسلوبا معينا على استعراض الاحداث إذ اقتصر المقطع على ذكر الوقائع التي تلتقي مع هذا الغرض وتتناسب مع هذا الهدف، دون أن يعرض التفصيلات الأخرى للاحداث التي وقعت لموسى (عليه السلام) مع فرعون أو الإسرائيليين. الموضع الثاني: الآيات التي جاءت في سورة النساء، والتي تبدأ بقوله تعالى: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا) إلى قوله تعالى: ﴿وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما﴾ (٥). والملاحظ في هذا المقطع: أولا: إنه جاء ضمن سياق عرض عام لمواقف فئات ثلاث من أعداء الدعوة الاسلامية تجاهها وهو موقف المنافقين وموقف اليهود من أهل الكتاب وموقف النصارى من أهل الكتاب، وعرض الموقف الأول يبدأ بقوله تعالى: ﴿بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما﴾ (٦).وعرض الموقف الثاني يبدأ بقوله تعالى: ﴿ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا﴾ (٧). وعرض الموقف الثالث يبدأ بقوله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة...﴾ (1). ثانيا: إن المقطع يتناول بعض الاحداث ذات الدلالة على نبوة موسى، والمواثيق الغليظة المأخوذة على اليهود بصدد الامتثال والطاعة، وموقف اليهود من ذلك والمخالفات التي ارتكبوها، سواء فيما يتعلق بالجانب العقيدي من الفكرة أو بالجانب العملي التطبيقي منها. وعلى أساس هاتين الملاحظتين يمكن أن نستنتج: أن هذا المقطع من القصة جاء ليوضح أن موقف اليهود من الدعوة بطلبهم المزيد من الآيات والبينات ليس نابعا من الشك بالرسالة، وانما هو موقف شكلي ذرائعي يستبطن الجحود والطغيان، ولذا نجد المقطع يكتفي بعرض هذا الطلب العجيب الذي تقدم به اليهود إلى موسى، ويضيف إلى ذلك المواثيق التي اخذت منهم في الطاعة ونكولهم عنها بمخالفاتهم العديدة، الامر الذي يكشف عن اصرارهم على الجحود والطغيان وأنهم يتذرعون بمثل هذه المطالب. وقد فرض السياق العام للسورة الكريمة تكرار القصة على أساس ايضاح ومعالجة موقف اليهود من الدعوة إلى جانب ايضاح ومعالجة موقف المنافقين والنصارى من أهل الكتاب، لان هذه المواقف هي المواقف الرئيسة التي كانت تواجهها الدعوة الاسلامية حينذاك. الموضع الثالث: الآيات التي جاءت في سورة المائدة وهي قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت (٨). أحدا من العالمين * يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) إلى قوله تعالى: ﴿قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين﴾ (٩). ويلاحظ في هذا المقطع: اولا: انه جاء في سياق دعوة عامة لأهل الكتاب إلى الايمان بالرسول الجديد، مع إيضاح حقيقة رسالته، ومناقشة ما يقوله اليهود والنصارى وإقامة الحجة عليهم بذلك، إذ يختم هذا السياق بقوله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير﴾ (١٠). ثانيا: إن المقطع يكتفي بأن يذكر دعوة موسى لقومه إلى دخول الأرض المقدسة حيث كان دخولها منتهى آمالهم، ولكنهم يأبون ذلك فيكون مصيرهم التيه أربعين سنة. وعلى أساس هاتين الملاحظتين يمكن أن نستنتج: أن القرآن الكريم يبدو وكأنه يريد أن يذكر أهل الكتاب ويفتح الطريق أمامهم ليحققوا أهدافهم الصحيحة من وراء الدين والشريعة بدخولهم دعوة الاسلام، ولا يكون موقفهم كموقف قوم موسى حين دعاهم إلى دخول الأرض المقدسة، مع أنها أمنيتهم وهدفهم، فتفوتهم الفرصة السانحة ويصيبهم التيه الفكري والعقائدي والاجتماعي في عصر نزول الرسالة، كما أصابهم التيه السياسي والاجتماعي من قبل. ومن هنا نعرف السر الذي كان وراء اكتفاء القرآن الكريم بذكر هذا الموقف الخاص لبني إسرائيل دون غيره لأنه هو الذي يحقق هذا الغرض، خصوصا إذا عرفنا أن هذه القصة مما يؤمن به اليهود والنصارى.كما أن هذا الجانب من القصة لم يذكر في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع. الموضع الرابع: الآيات التي جاءت في سورة الأعراف والتي تبدأ بقوله تعالى: (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) والتي تختم بقوله تعالى: ﴿وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون﴾ (١١). ونلاحظ في هذا الموضع من القصة عدة أمور: الأول: أن القصة جاءت في عرض قصصي مشترك مع قصة نوح، وهود، ولوط، وشعيب، تكاد تتحدد فيه صيغة الدعوة والتكذيب والعقاب الذي ينزل بالمكذبين. الثاني: أن هذا العرض القصصي العام يأتي في سياق بيان القرآن الكريم لحقيقة حشر المخلوقات وصورته وأنهم يحشرون أمما بكاملهم من الجن والإنس، وعلى صعيد واحد يتلاعبون بينهم، أو يتحابون: ﴿قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار، كلما دخلت أمة لعنت أختها، حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال: لكل ضعف ولكن لا تعلمون﴾ (١٢). (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا ان تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) (١٣).ثم يعرض القرآن الكريم مشاهد متعددة من هذا الحشر وبعض العلاقات التي تسود الناس فيه، وانه تصديق لدعوة الرسل وما بشروا وأنذروا منه. الثالث: أن القصة على ما جاء فيها من التفصيل واستعراض للحوادث تبدأ في سرد الوقائع من حين بدء البعثة والدعوة، كما انها تذكر الوقائع في حدود المجابهة - التي كان يواجهها الرسول - الخارجية مع فرعون وملئه، والداخلية مع بني إسرائيل وفي اطار بيان ما ينزل بالمكذبين والمنحرفين من عذاب وعقاب واضرار. الرابع: أن القصة تتناول في معرض حديثها عن الحوادث جوانب من المفاهيم الاسلامية العامة والسنن التأريخية كتأكيد أهمية (الصبر)، و (وراثة المتقين للأرض)، وأن الرحمة لا تنال إلا الذين اتقوا وآتوا الزكاة وآمنوا بآيات الله واتبعوا الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم. وعلى أساس هذه الملاحظة يمكن أن نستنتج: أن القصة جاءت منسجمة مع السياق العام للعرض القصصي ومحققة لأغراضه على ما أشرنا إليه في حديثنا عن أغراض القصة، ومع ذلك فإنه لا تغفل عن الفرصة المناسبة لتأكيد المفاهيم الاسلامية العامة منسجمة مع الهدف القرآني العام في التربية. كما أنها تؤكد بصورة خاصة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وكأنها سيقت بتفاصيلها لتحقيق ربط هذه الدعوات والرسالات بهذه النهاية الخاتمة لها، وان هذه المفاهيم والسنن والأهداف التي عاشتها هذه الرسالات سوف تتحقق في نهاية المطاف في اتباع رسالة الاسلام: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم...) ولمعرفة المزيد راجع علوم القرأن السيد محمد باقر الحكيم كتاب علوم القرأن صفحة ٣٨٣ ومابعدها ---------------------- (١) البقرة: ٤٩ - ٥١. (٢) البقرة: ٧٤. (٣)البقرة: ٤٠. (٤)البقرة: ٧٥ - 122. (٥)النساء: ١٥٣ - ١٦١. (٦)النساء: ١٣٨. (٧)النساء: ١٥٠. (٨)النساء: ١٧١ (٩)المائدة: ٢٠ - ٢٦. (١٠)المائدة: ١٩. (١١)الأعراف: ١٠٣ - ١٧١. (١٢)الأعراف: ٣٨. (١٣)الأعراف: ٤٢ - 43