حبيب - الدانمارك
منذ 4 سنوات

 عدم إمكان وقوع السهو من النبي (صلى الله عليه وآله)

يقول الإمام علي (عليه السلام): (والامام المستحق للإمامة له علامات منها: أن يعلم أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزال في الفتيا ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو بشيءف من أمر الدنيا...) الخامس العصمة من جميع الذنوب وبذلك يتميز عن المأمومين الذين هم غير المعصومين لأنه لو لم يكن معصوماً لم يؤمن عليه أن يدخل فيما دخل الناس فيه من موبقات الذنوب المهلكات والشهوات واللذات... وعقلياً نتساءل كيف نضمن الاستقامة في المسيرة لو لم يكن إمامنا وقائدنا معصوماً عن الخطأـ أي إن لم يحصل الاطمئنان بالإمام في تبليغة وتنفيذه للأحكام الإسلامية ـ؟ ولو جوزنا عليه الانحراف والمعاصي ـ لا سمح الله ـ كيف نظمئن لقيادته لنطيعه؟. ولو جوزنا الخطأ والنسيان والمعصية على الإمام لنفينا غرضه ولجاز مخالفتهم في القرارات وهذا يخالف أمر الله والرسول بإطاعتهم وأنهم مع الحق دوماً فلا يمكن أن يوصفوا بالخطأ والنسيان. وفي موضع آخر: وقد علل عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقاً أي عدم جواز السهو والخطأ عليه بقوله قدس سره: (إنه لو جاز عليه السهو والخطأ, لجاز ذلك في جميع أقواله وأفعاله, فلم يبق وثوق باخباراته عن الله تعالى, ولا بالشرائع والاديان, لجواز ان يزيد فيها وينقص سهواً, فتنتفي فائدة البعثة....), ومن المعلوم بالضرورة: ان وصف النبي بالعصمة, أكمل وأحسن من وصفه بضدها, فيجب المصير إليه, لما فيه من دفع الضرر المظنون؛ بل المعلوم) الرسالة السعدية العلامة الحلي: 76. كل ما سبق من كلام يرده كتاب الله الذي أشار إلى وقوع بعض الانبياء في المعاصي والتوبة منها ومن ذلك: تأمل قوله تعالى: ((...وَاستَغفر لذَنبك...)) تأمل: استغفار وذنب, وبعد ذلك يقولون لا تصدر منهم صغائر أصلاً, سبحان الله!! قال تعالى: ((ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي)), وقوله: ((...وَعَصَى آدَم رَبَّه فغَوَى)) عصى فغوى ما معنى هذا؟؟ ولماذا خرج آدم عليه السلام من الجنة؟ وقوله عن موسى ((...لَا تؤَاخذني بمَا نَسيت وَلَا ترهقني من أَمري عسرًا)), لماذا يعتذر موسى عليه السلام كلما سأل الخضر عن أفعاله, وبماذا اعتذر هنا؟ لقد اعتذر بأنه نسى, ولا يمكن حملها هنا على الترك.. وقوله عن محمد عليه الصلاة والسلام ((...وَاذكر رَّبَّكَ إذَا نَسيتَ ...)). وقوله عن ذي النون (( ...وَلَا تَكن كَصَاحب الحوت إذ نَادَى وَهوَ مَكظومٌ)), لم لا يكون مثله؟ أليس معصوماً يقتدى به في كل شئون حياته؟ وما الذي جعله في بطن الحوت؟ وقول موسى عليه السلام ((رب أرني أنظر إليك...)), فإن الرؤية عند الشيعة من أعظم المحال, لأنها تستلزم التحديد وغير ذلك, فدعاء موسى هذا دائر بين الجهل بالرب سبحانه وبين التجاوز في الدعاء والاعتداء فيه بل وإساءة الأدب مع الله عز وجل! وقوله تعالى: (( يَا أَيّهَا النَّبيّ لمَ تحَرّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَكَ تَبتَغي مَرضَاتَ أَزوَاجكَ وَاللَّه غَفورٌ رَّحيمٌ )), فلماذا ورد هذا السؤال من الله عز وجل؟ إنه عتاب للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه حرم على نفسه سريرته (مارية) أو شرب العسل, وأيضاً هل يصح أن يحرم أحد الشيعة على نفسه شيئاً مما أحله الله ويكون محموداً؟ أليس هذا هو مقتضى العصمة والطف الذي أوجبتموه على الله؟ وقوله: (( إنَّا فتَحنَا لَكَ فتحًا مّبينًا * ليَغفرَ لَكَ اللَّه مَا تَقَدَّمَ من ذَنبكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيتمَّ نعمَتَه عَلَيكَ وَيَهديَكَ صرَاطًا مّستَقيمًا )), ما المقصود بقوله تعالى ذنبك؟ الله جل جلاله الملك يقول في كتابه العزيز ((ليَغفرَ لَكَ اللَّه مَا تَقَدَّمَ من ذَنبكَ وَمَا تَأَخَّرَ )) فأثبت ذنبا متقدما وذنباً متأخراً وأثبت له مغفرة ذلك كله!!


الاخ حبيب المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما ما ذكرت من الآيات المتعلقة بقضية آدم (عليه السلام)، فراجع (موضوع العصمة (مسألة خروج آدم من الجنة) و (عصمة الانبياء (عليهم السلام). أما قوله تعالى عن موسى: (( لَا تؤَاخذني بمَا نَسيت ...))[الكهف:73] فيمكن ان تحمل انه اراد لا تأخذني بما تركت. وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((وقال موسى لَا تؤَاخذني بمَا نَسيت )) يقول بما تركت من عهدك. والوجه الآخر الذي يمكن ان تحمل عليه الآية انه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسماه نسياناً للمشابهه كما قال المؤذن لاخوة يوسف (عليه السلام) انكم لسارقون أي تشبهون السراق, وكما يتأول الخبر الذي يرويه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: (كذب ابراهيم (عليه السلام) ثلاث كذبات في قوله سارة اختي وفي قوله بل فعله كبيرهم, هذا. وقوله اني سقيم) والمراد بذلك ان كان هذا الخبر صحيحاً انه فعل ما ظاهره الكذب)). (تنزيه الأنبياء (عليهم السلام) ـ الشريف المرتضى). أما قوله تعالى: (( ...وَلَا تَكن كَصَاحب الحوت...)) [ راجع ما كتب في الموقع تحت عنوان العصمة: في عصمة الانبياء (عليهم السلام). وأما قول موسى (عليه السلام): ((رَبّ أَرني أَنظر إلَيك...)). ان موسى (عليه السلام) لم يسأل الرؤية لنفسه، وانما سألها لقومه. فقد روي ان قومه طلبوا ذلك منه. فأجابهم بأن الرؤية لا تجوز عليه تعالى. فلجوا به والحوا عليه في أن يسأل الله تعالى أن يريهم نفسه، وغلب في ظنه ان الجواب اذا ورد من جهته جلت عظمته كان أحسم للشبهة وانفى لها، فاختار السبعين الذين حضروا للميقات لتكون المسألة بمحضر منهم فيعرفوا ما يرد من الجواب، فسئل (عليه السلام) على ما نطق به القرآن، واجيب بما يدل على ان الرؤية لا تجوز عليه عزوجل. ويقوي هذا الجواب امور منها قوله تعالى: (( يَسأَلكَ أَهل الكتَاب أَن تنَزّلَ عَلَيهم كتَابًا مّنَ السَّمَاء فقَد سَأَلوا موسَى أَكبَرَ من ذَلكَ فقَالوا أَرنَا اللّه جَهرَةً فأَخَذَتهم الصَّاعقَة بظلمهم ))[النساء:153]، ومنها قوله تعالى: ((واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة وانتم تنظرون))[البقرةك55]، ومنها قوله تعالى: ((...فلَمَّا أَخَذَتهم الرَّجَفة قَالَ رَبّ لَو شئتَ أَهلَكتَهم مّن قَبل وَإيَّايَ أَتهلكنَا بمَا فعَلَ السَّفهَاء منَّا إن هيَ إلاَّ فتنَتكَ ))[الاعراف:155] فاضاف ذلك الى السفهاء وهذا يدل انه كان بسببهم من حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى. وليس لأحد أن يقول: لو كان موسى (عليه السلام) انما سأل الرؤية لقومه لم يضف السؤال الى نفسه فيقول ارني انظر اليك، ولا كان الجواب ايضاً مختصاً به في قوله: ((لن تراني))، وذلك انه غير ممتنع وقوع الاضافة على هذا الوجه، مع ان المسألة كانت من أجل غيره إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس، فلهذا يقول احدنا اذا شفع في حاجة غيره للمشفوع اليه: اسألك ان تفعل بي كذا وكذا وتجيبني الى كذا وكذا، ويحسن أن يقول المشفوع إليه: قد اجبتك وشفعتك وما جرى مجرى هذه الألفاظ. وانما حسن هذا لان للسائل في المسألة غرضاً وان رجعت الى آخر لتحققه بها وتكلفه كتكلفه اذا اختصه. (تنزيه الانبياء (عليهم السلام) الشريف المرتضى ص99 ـ 114). وأما قوله تعالى: (( يَا أَيّهَا النَّبيّ ...)) يظهر من كلامك انك تريد ان تقول ان فعل النبي هذا وهو التحريم يقدح ايضاً في عصمته لان العتاب الموجه له من الله ما هو الا ذم للنبي على فعله هذا، والذم لابد ان يكون على شيء قبيح وهو يقدح بالعصمة هذا ما فهمناه من كلامك. وما يقال في تفسير هذه الآية: ((انها تومي الى عمل من الاعمال المحللة التي يقترفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ترتضيه ازواجه فضيقن عليه وآذينه حتى ارضاهن بالحلف على ان يتركه ولا يأتي به بعد... وقوله تحرم ما احل الله لك، المراد بالتحريم التسبيب الى الحرمه بالحلف على ما تدل عليه الآية التالية فان ظاهر قوله: (( قَد فرَضَ اللَّه لَكم تَحلَّةَ أَيمَانكم ...)) الخ انه (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف على ذلك ومن شان اليمين ان يوجب عروض الوجوب ان كان الحلف على الفعل والحرمة ان كان الحلف على الترك وإذا كان (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف على ترك ما أحل الله له فقد حرم ما أحل الله بالحلف وليس المراد بالتحريم تشريعه (صلى الله عليه وآله وسلم) على نفسه الحرمة فيما شرع الله له في الحلية فليس له ذلك. وقوله: ((...تَبتَغي مَرضَاتَ أَزوَاجكَ )) أي تطلب بالتحريم رضاهن بدل من تحرم... الخ وحال من فاعله والجملة قرينة على ان العتاب بالحقيقة متوجه اليهن ويؤيده قوله خطاباً لهما: ((إن تَتوبَا إلَى اللَّه فقَد صَغَت قلوبكمَا...)) الخ مع قوله فيه (غفور رحيم) (تفسير الميزان). اما قوله تعالى ((... وَاذكر رَّبَّكَ إذَا نَسيتَ ...)) فان الخطاب وان كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الا ان المقصود منه الامة وهذا موجود في القرآن في آيات اخر ايضاً. وأما قوله تعالى ((...وَاستغفر لذَنبك...)). للتعرف على تلك الآية ونظائرها لابد من الوقوف على الاصل المسلم بين العقلاء وهو ان عظمة الشخصية وخطر المسؤولية متحالفان ورب عمل يعد صدوره من شخص جرماً وخلافاً وفي الوقت نفسه لا يعد صدوره من انسان آخر كذلك فالعارف بعظمة الرب يتحمل من المسؤولية ما لا يتحمله غيره فيكون المترقب منه غير ما يترقب من الآخر ولو صدر منه ما لا يليق وتساهل في هذا الطريق يتأكد منه الاستغفار وطلب المغفرة لا لصدور الذنب منه بل من باب قياس عمله الى علو معرفته وعظمة مسؤوليته. ولأجل ذلك تعد بعض الغفلات او اقتراف المكروهات من الاولياء ذنباً اذا قيس الى ما أعطوا من الايمان والمعرفة ولو قاموا بطلب المغفرة والعفو فانما هو لاجل هذه الجهات. يقول العلامة المحقق علي بن عيسى الاربلي: الانبياء والأئمة (عليهم السلام) تكون اوقاتهم مشغوله بالله تعالى وقلوبهم مملوءة به وخواطرهم متعلقة بالمبدأ وهم ابداً في المراقبة كما قال (عليه السلام) ((اعبد الله كأنك تراه، فان لم تره، فانه يراك)) فهم ابداً متوجهون إليه ومقبلون بكلهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة الى الاشتغال بالأكل والشرب والتفرغ الى النكاح وغيره من المباحات عدّوه ذنباً واعتقدوه خطيئة واستغفروا منه... (كتاب عصمة الانبياء في القرآن الكريم) الشيخ جعفر السبحاني ص216 ـ 218. واما قوله تعالى: (( إنَّا فتَحنَا لَكَ فتحًا مّبينًا * ليَغفرَ لَكَ اللَّه مَا تَقَدَّمَ من ذَنبكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيتمَّ نعمَتَه عَلَيكَ وَيَهديَكَ صرَاطًا مّستَقيمًا)). ان الذنب في اللغة يأتي بثلاثة اصول: احدها الجرم، والآخر مؤخر الشي والثالث: كالحظ والنصيب. مجمع مقايس اللغة ج2 ص361. وكون الذنب في الآية بمعنى الجرم مما لا ريب فيه غير ان الذي يجب التنبيه عليه، هو ان اللفظ لا يدل على ازيد من كون صاحبه عاصياً وطاغياً وناقضاً للقانون، وأما الذي عصى وطغى عليه ونقض قانونه فهو يختلف حسب اختلاف البيئات والظروف, وليست خصوصية العصيان لله سبحانه مأخوذة في صميم اللفظ بحيث لو اطلق ذلك اللفظ يتبادر منه كونه سبحانه هو المعصي امره، وانما تستفاد الخصوصية من القرائن الخارجية وهذا هو الأساس لتحليل الآية وفهم المقصود منها, والغفران باللغة هو الستر. والآية تدل على ان الغاية المتوخاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقدم منها وما تأخر غير ان في ترتب تلك الغاية على ذيها غموضاً في بادئ النظر والانسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع والبلدان أو المهادنة والمصالحة في ارض الحديبية مع قريش سبباً لمغفرة ذنوبه مع انه يجب ان تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو عادية، بحيث تعد احدهما علة لتحقق الاخرى او ملازمة لها وهذه الرابطة خفية في المقام جداً، فان تمكن النبي من الاعداء والسيطرة عليهم يكون سبباً لانتشار كلمة الحق ورفض الباطل واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة، فلو قال: انا فتحنا لك فتحاً مبيناً، لتتمكن من اظهار الحق ونشر التوحيد ودحض الباطل، كان الترتب امراً طبيعياً، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين. وأما جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الاصقاع، فالرابطة غير واضحة. وهذه هي النقطة الحساسة في فهم مفاد الآية، وبالتالي دحض زعم المخطئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم، ولو تبينت صلة الجملتين لاتضح عدم دلالتها على ما تتبناه تلك الطائفة. ان الحوادث الدامية بين قريش والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما هي الا حوادث مرة في واقعهم بما انها جرت الى ذهاب كيانهم، وحدوث التفرقة في صفوفهم والفتك بصناديدهم على يد النبي الاكرم، صوّرته في مخيلتهم وخزانة اذهانهم صورة انسان مجرم مذنب قام في وجه سادات قومه فسب الهتهم وعاب طريقتهم بطريقة تراها قريش ما هي الا كذب وافتراء وكهانة وسحر ولم يكتف بذلك حتى شن عليهم الغارة والعدوان فصارت ارض يثرب وما حولها مجازر لقريش ومذابح لاسيادهم فأي جرم اعظم من هذا وأي ذنب أكبر منه عند هؤلاء الجهلة الغفلة الذين لا يعرفون الخيّر من الشرير والصديق من العدو والمنجي من المهلك. وان واقعة الفتح التي حصلت لمس منها الكفار خلق النبي العظيم فرفع الستار الحديدي الذي وضعه بعض اعدائه الالداء بينه وبين قومه فعرفوا ان ما يرمى به نبي العظمة ويوصف به بين اعدائه، كانت دعايات كاذبة وكان منزهاً عنها بل عن الاقل منها. فاصبحت هذه الذنوب التي كانت تدعيها قريش على النبي بعد وقعة الحديبية أو فتح مكة اسطورة خيالية قضت عليها سيرته في كل من الواقعتين من غير فرق بين ما الصقوا به قبل الهجرة او بعدها، وعند ذلك يتضح مفاد الآيات كما يتضح ارتباط الجملتين: الجزائية والشرطية. وعلى ذلك فالمقصود من الذنب ما كانت قريش تصفه به كما ان المراد من المغفرة اذهاب آثار تلك النسب في المجتمع. ودمتم سالمين