حبيب - الدانمارك
منذ 4 سنوات

 القول بسهو النبي(صلى الله عليه و آله)رأي شاذ

قال الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي: (ذكر السهو في هذا الحديث وأمثاله ـ يقصد حديث السهو ـ محمول على التقية في الرواية, كما أشار إليه الشيخ وغيره, لكثرة الادلة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً). كيف يحمل على التقية؟ وكيف نعرف إيهما قال الإمام تقية؟ أن التقية تستلزم إظهار خلاف المعتقد والوقوع في الاخطاء والذنوب ومن ثم يقلد الأتباع الأئمة. لقد جمع الشيعة في هذا المعتقد بين المتناقضات, فإما أن يقولوا بالعصمة وإما أن يقولوا بالتقية, أما الجمع بين الاثنين فهو تناقض واضح وبين. وإن كان العاملي ينقل كثرة الادلة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً. فالمجلسي نفسه ينقل كثرة الأدلة على صدور السهو عن الأئمة أقرأ قوله في (بحار الأنوار ج25 ص351), حيث يقول (المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم) وكان ابن بابوية وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الرد لهذه الروايات (روايات سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته) يفضي إلى إبطال الدين والشريعة. يقول ابن بابوية: ولو جاز ان ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار, وفي ردها إبطال الدين والشريعة, وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكرية إن شاء الله تعالى (بحار الأنوار: 17/111). ويؤيد هذا القول وهو الاعتقاد بأن الأئمة يسهون وهو مذهب جميع الشيعة (محمد جواد مغنية/ الشيعة في الميزان: ص272ـ 0273), ونرى في كتابات شيعية معاصرة أخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم (محمد آصف الحسيني/ صراط الحق: 3/ 0121).. وأن ذلك من ضرورات مذهب التشيع. فمن نصدق, ومن هو الذي يعبر عن مذهب الشيعة؟ واخيراً أقول: اعتقادنا (أهل السنة) في مسألة العصمة هو الموافق لنصوص الكتاب: فكل هذه الآيات التي تفيد وجود (ذنوب) و (التوبة) و (معصية) و (نسيان) كلها تؤيد عقيدة أهل السنة والحمد لله. أضف إلى ذلك النصوص كثيرة من كتب الشيعة: قيل للإمام الرضا ( إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته, فقال: كذبوا ـ لعنهم الله ـ إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو). في بحار الأنوار ج25 ص350, وهناك نصوص كثيرة في كتبكم تفيد أن الأئمة يستغفرون الله ويعترفون بالمعصية.. بل إن علمائكم المتقدمين كانوا يلعنون من نفى السهو عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت ترى أنه بذلك يلعن المظفر ومن وافقه!! يقول ابن بابوية: (إن الغلاة والمفوضة ـ لعنهم الله ـ ينكرون سهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة... وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسهونا لأن سهوه من الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه, وليعلم الناس بسهوه حكم السهو. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) كتاب من لا يحضره الفقيه ج1 ص234 , وهذا شيخ الشيعة المعاصر ومن يلقب عندكم بـ (الآية العظمى عبد الله المقاني) يؤكد أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي (المقاني/ تنقيح المقال: 3/ 0240), وهو لا ينكر أن من شيوخكم السابقين من يعتبر ذلك غلواً, لكنه يقول: (إن ما يعتبر غلواً في الماضي أصبح اليوم من ضرورات المذهب) (المقاني/ تنقيح المقال: 3/ 0240). وجملته الأخيرة تؤكد بأن هناك تحول قد حدث في هذا الأمر.. قد يظن ظان أن نفي العصمة على الصورة الإمامية فيه تنقيص من شأن الأنبياء!! فنقول إن الصواب هو أن تعتقد فيما دلت عليه نصوص الكتاب, ولاشك أن الغلو في أي أمر لا يعد أمراً محموداً, بل هو مذموم.. ونقول: إن الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه إن أخطأوا فإنهم سرعان ما يتوبون, ويكونون بعد الذنب خيراً منهم قبل الذنب, إذ بدل الله سيئاتهم حسنات, والله سبحانه وتعالى يحب التوابين العائدين, وقد سبق الكلام عن ذلك وأبداً لم يكن الغلو محموداً بوجه من الوجوه, الا ترى أن النصارى قد غلوا في المسيح (ع) وهم بذلك يدعون محبته, فهل هم محمودون بذلك؟.. والحمد لله معذرة على الإطالة ولكن كثرة النقاط استلزم ذلك.


الاخ حبيب المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إذا ثبت عندنا بالدليل القاطع ان النبي (صلى الله عليه وآله) يستحيل عليه السهو مطلقاً، فان كل الروايات التي ظاهرها يوحي الى نسبة السهو للنبي (صلى الله عليه وآله ) يجب ان تأول الى ما يتوافق مع الدليل القاطع، سواءاً كان ذلك الدليل القاطع عقلياً أو نقلياً. وعلى هذا الأساس حمل الشيخ العاملي الروايات على التقية، وهذا هو أحد الوجوه العلمية لتأويل تلك الروايات التي تتعارض مع الدليل القاطع، وهناك وجوه اخرى لرفع التعارض. أما كيفية معرفة ما قاله الامام تقية فيكون بعدة أمور منها: 1 ـ تعارض الخبر مع الادلة القاطعة. 2 ـ وجود قرائن داخلية أو خارجية. 3 ـ موافقة الاخبار لروايات أهل المذاهب التي يفتقى منها في زمن الرواية. ولا تناقض في البين، اذ نحن نقول إنا نعتقد بالعصمة ونعتقد أيضاً بالتقية والعمل على أساس التقية لا يقدح بالعصمة وليس العمل بالتقية يستلزم الوقوع في الخطأ بل هو رخصة أجازها الشارع المقدس، بل العمل على التقية في بعض الأحيان واجب لا يجوز مخالفته. وبالحقيقة أن تصور الملازمة بين القول بالتقية ونفي العصمة ما هو الا وهم من الأوهام، والا فبين لنا الملازمة؟!! ثم إن الذي يعبر عن رأي مذهب الشيعة هو العالم الذي يأتي بدليل ويبطل جميع الادلة التي تتعارض مع دليله، ونحن ممن لا نعرف الحق بالرجال ولكن نعرف الرجال بالحق ولا يقبل قول أي عالم إذا تعارض مع الدليل القاطع. وصاحب البحار الذي تنقل عبارته وان ذكر تلك العبارة الا انه أيضاً ممن يقول في (ج11 ص91 في البحار): ((اذا عرفت هذا فاعلم ان العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من كل ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوة وبعدها قول أئمتنا سلام الله عليهم بذلك المعلوم لنا قطعاً بإجماع أصحابنا رضوان الله عليهم مع تأيده بالنصوص المتظافرة حتى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الامامية)). وحتى الاسهاء الذين يريد ابن بابويه اثباته للرسول(ص) لم يرتضه من جاء بعده من العلماء، فقالوا: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منزه حتى عن الاسهاء من قبل الله تعالى. والحق هو نفي السهو عن النبي حتى بذلك المعنى وعدم الاعتداد بالروايات التي تنسب السهو للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لوجوه: الوجه الاول: ان هذه الروايات معارضة لظاهر القرآن الدال على ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مصون عن السهو كما في قوله تعالى: (( وَلَولاَ فضل اللّه عَلَيكَ وَرَحمَته لَهَمَّت طَّآئَفةٌ مّنهم أَن يضلّوكَ وَمَا يضلّونَ إلاّ أَنفسَهم وَمَا يَضرّونَكَ من شَيء وَأَنزَلَ اللّه عَلَيكَ الكتَابَ وَالحكمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكن تَعلَم وَكَانَ فضل اللّه عَلَيكَ عَظيمًا )) وغيرها من الآيات. الوجه الثاني: ان هذه الروايات معارضة لاحاديث كثيرة تدل على صيانة النبي عن السهو، وقد جمعها المحدث الحر العاملي في كتابه (التنبيه بالمعلوم من البرهان). الوجه الثالث: ان ما روته الامامية من أخبار السهو، اكثر اسانيده ضعيفة، واما النقي منها فخبر واحد لا يصح الاعتماد عليه في باب الاصول. الوجه الرابع: انها معارضة للأدلة العقلية والتي منها: 1 ـ الوثوق فرع العصمة. ان ثقة الناس بالانبياء وبالتالي حصول الغرض من بعثتهم انما هو رهن الاعتقاد بصحة مقالهم وسلامة أفعالهم، وهذا بدوره فرع كونهم معصومين عن الخلاف والعصيان في السر والعلن عمداً وسهواً من غير فرق بين معصية واخرى ولا بين فترة من فترات حياتهم واخرى. 2 ـ ان الهدف العام الذي بعث لأجله الانبياء هو تزكية الناس وتربيتهم، وان التربية عن طريق الوعظ والارشاد وان كانت مؤثرة، الا أن تأثير التربية بالعمل أشد وأعمق وآكد، وذلك ان التطابق بين مرحلتي القول والفعل هو العامل الرئيسي في اذعان الاخرين بأحقية تعاليم المصلح والمربي. ولو كان هناك انفكاك بينهما لانفض الناس من حول النبي أو الرسول وفقدت دعوته أي أثر في القلوب، ولأجل ذلك يقول سبحانه: (( يَا أَيّهَا الَّذينَ آَمَنوا لمَ تَقولونَ مَا لَا تَفعَلونَ * كَبرَ مَقتًا عندَ اللَّه أَن تَقولوا مَا لَا تَفعَلونَ ))[الصف:3]. وهذا الاصل التربوي يجرنا الى القول بأن التربية الكاملة المتوخاة من بعثة الانبياء وترسيخها في نفوس المتربين لا تحصل الا بمطابقة أعمالهم لاقوالهم. فليس هناك مجال لمخالفة أعمالهم لاقوالهم حتى على سبيل السهو. وإذا رجعنا الى الروايات التي رواها أصحاب الصحاح، فمع غض النظر عن اسنادها فانها مضطربة جداً في متونها. والاجماع الذي يقوله صاحب (صراط الحق) لا يقدح به خروج بعض العلماء المعروفي النسب كالصدوق وشيخه ابن الوليد (قدس سرهما) كما هو محقق في محله من الاصول ورواية الامام الرضا (عليه السلام) لو سلمنا بصحة سندها، فهي من أخبار الاحاد ولا يمكن الاعتماد عليها في باب الاصول كما عرفت ولتعارضها دلالة مع عشرات الادلة التي تشير الى خلاف مدلولها. ثم إن العصيان قد يأتي بمعنى خلاف الاولى فانه يسمى عصياناً وسيئة كما ورد في الحديث (حسنات الابرار سيئات المقربين)، والروايات والنصوص التي تنسب الذنب والمعصية اليهم (عليهم السلام) هي اما انها لا تدل على ما يقدح بالعصمة، أو ان الروايات لا يعتمد عليها لضعف او ارسال سندها. ولو فرض وجود رواية أو روايتين فلا يمكن الاعتماد عليها وتترك الادلة العقلية والنقلية القاطعة الكثيرة الدالة على مطلق عصمتهم عليهم الصلاة والسلام. والعلماء المتقدمون الذين تذكرهم ما هم الا ابن بابويه وشيخه محمد بن الحسن، وشذوذ اثنين لا يخرق الاجماع الذي عليه علماء الامامية. وقد ردّ قول ابن بابويه بسهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علماء عصره ومن جاء بعده، وعندما سئل محمد بن الحسن بهاء الدين العاملي عن قول ابن بابويه ان النبي(ص) قد سها فقال: ((بل ابن بابويه قد سهى، فانه أولى بالسهو من النبي)). وما ذكره المامقاني هو عين ما ذكره علماؤنا السابقون، وما يقوله بعبارته: ان ما يعتبر غلو في الماضي يعني عند ابن بابويه وشيخه لا عند كل المذهب. وليس هناك أي تحول! فهذه هي عقيدتنا عند علمائنا المتقدمين، فهذا تلميذ ابن بابويه الشيخ المفيد يرد على استاذه فيقول: ((الذي خالف في هذا وقال بجواز وقوع السهو والنسيان عن المعصوم هو الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه القمي (قدس سره) فانه نظراً الى ظاهر بعض روايات واردة في ذلك كالخبر المروي عن طرق العامة... وزعم أن من نفى السهو عنهم هم الغلاة والمفوضة... ومحققوا أهل النظر من الامامية ذهبوا الى نفي وقوع السهو في أمور الدين عنهم لما دل على ذلك من الادلة القطعية عقلاً ونقلاً والادلة الدالة على عصمتهم...)) (أوائل المقالات الشيخ المفيد ص171). حتى ألف رسالة في (عدم سهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) ويذكر فيها وهو في ذلك الزمان ـ زمان العلماء المتقدمين ـ: ((وان شيعيا يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغلط والنقص وارتفاع العصمة عنه من العناد لناقص العقل، ضعيف الرأي، قريب الى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف)) (ص32). فهذه هي عقيدتنا منذ ذلك الزمن، وليس هنا أي تحول كما تدعي، وليس هنا أي غلو سوى ما ينسبه ابن بابويه وشيخه، وقد رد عليهم الشيخ المفيد تلميذ ابن بابويه في رسالته تلك حتى انه قال: ((وينبغي أن يكون كل من منع السهو على النبي (عليه السلام) في جميع ما عددناه من الشرع، غالياً كما زعم المتهور في مقاله: ان النافي عن النبي (عليه السلام) السهو غال، وخارج عن حد الاقتصاد)) (عدم سهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للشيخ المفيد ص30) فراجع تلك الرسالة تعرف الحقيقة. ودمتم سالمين

1