وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يتحقّق الإخلاص من خلال إزالة المانع الذي يحول دون تحقّقه.
ويمكن أن نختصر هذا المانع بأمرٍ أساس وجوهري وهو هوى النفس.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "كيف يستطيع الإخلاص مَن يغلبه الهوى".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص٧٥٩).
والهوى هو حبّ النفس واتّباع الأوامر الصادرة عنها واتّباعها، ويُعدّ شركاً؛ لأنّ المُطاع فيه هو النّفس لا الحقّ (عزّ وجلّ).
وهو يضلّ عن سبيل الله؛ لأنّ سبيله محصور بأمرين هما التوحيد والطاعة قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾.(ص:آية٢٦).
ففي كثيرٍ من الموارد نجعل أهواءنا مكان الله، وميولنا النفسيّة مكان أحكام الشّرع.
من هنا يقول الحقّ تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.(النازعات:آية٤٠-٤١).
فلا سبيل للإنسان إلى الإخلاص إلّا بترك الأنا وحبّ النفس؛ لأنّ حبّها سيؤدّي إلى طاعتها، وطاعتها تعني اتّباع أوامرها، واتّباع أوامرها يعني أنّ المُطاع هو النفس وليس الله تعالى، ممّا يكون سبباً في وقوع الإنسان في المعصية والمخالفة لأوامر الحق (عزّ وجلّ)، وبالتالي البعد عن الله والحرمان من الهداية؛ لأنّ معنى الإخلاص هو أن لا يكون للإنسان من وراء نيّته وعمله قصدٌ إلّا رضا الله والتقرّب إليه، بحيث تكون نيّته متوجّهة دائماً إلى الله، فلا تطلب إلّا رضاه ووجهه الكريم، حبّاً به، وطمعاً في فضله وإحسانه.
فالعمل الخالص هو الذي لا تريد أن يمدحك عليه إلّا الله تعالى، كما في الحديث عن الإمام الصّادق (عليه السلام):
"العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله (عزّ وجلّ)".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص٧٥٨).
أمّا إذا صار همّ الإنسان الناس وما يقولونه فيه، وأصبح هدفه وقصده الملذّات الدنيويّة والشهوات الرخيصة، اتّباعاً لأهواء النفس وأوامرها، فمن الطبيعي أن لا يصل إلى درجة الإخلاص؛ لأنّ المُطاع ليس الله، كما أنّ المقصد والمطلوب أيضاً ليس الحق (عزّ اسمه)، بل المُطاع هو الأنا والأهواء،
والمراد هو الملذّات والشهوات، والدنيا الفانية، والنتيجة الحتميّة لطاعة النّفس والهوى هي الضّلالة كما أخبر تعالى في كتابه العزيز فقد قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.(الجاثية:آية٢٣).
ومن الأمور التي تساعد أيضاً على تحقّق الإخلاص اليقين؛ لأنّ الإخلاص لله هو وليد الإيمان واليقين العميق بالمعارف الإلهيّة،
كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "الإخلاص ثمرة اليقين".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٤،ص٣٧١٩).
فالإنسان المُخلص يجب أن يكون صاحب يقينٍ على مستوى التوحيد، ومؤمناً بأنّه لا مؤثّر في الوجود إلّا الله، وأنّ كلّ شيء في هذا العالم يبدأ من الله ويعود إليه، قال تعالى:﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾.(البقرة:آية١٥٦).
والخطوة الأولى نحو اليقين الصحيح تكمن بالعلم والمعرفة بأسس هذا الدين ومبادئه ومعارفه الإلهية،
ومن دون هذه المعرفة يبقى يقين الإنسان ضعيفاً ومتزلزلاً، وبالتالي محروماً من فضيلة الإخلاص.
وقد تناول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) المسألة بشيءٍ من التفصيل فقال: "أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له…".(ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:ج١،ص٧٣).