السيدة سكينة(سلام الله عليها) بنت الامام الحسين (عليه السلام)
في شاشات التلفزيون يعرض مسلسل تاريخي (الحجاج الثقفي). هذا المسلسل يحمل في طياته مغالطه عن بنت الإمام الحسين (عليه السلام) وهي السيدة سكينه عليها سلام الله ابدا ًمابقي الدهر .. في المسلسل شخصية السيدة بأنها تجالس الرجال والشعراء وتحدثهم وأنها قد تزوجت من مصعب بن الزبير وهو موال لأخيه عبد الله بن الزبير ومن المعلوم لدى الكثير منا أن آل الزبير هم يكنون العداوة والبغضاء لأهل البيت عليهم السلام. فهل نصدق مايعرض على شاشات التلفزيون؟؟
الأخ احسان المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مقام الجواب نورد لکم بحثا مفصلا حول حياة هذه السيدة الجليلة، اقتبسناه من كتاب (اعلام النساء المؤمنات), مع اجراء بعض التعديلات، وذلك لاقتضاء الضرورة لامثال هكذا ابحاث، للدفاع عن الحقيقة ورد الشبهات :
السيّدة سكينة بنت أبي عبد الله الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهما. أمّها الرباب بنت امرىء القيس بن عدي القضاعي. وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة، والزهرة الباسمة الناظرة.
كانت سيّدة نساء عصرها، وأحسنهنّ أخلاقاً، ذات بيان وفصاحة، ولها السيرة الجميلة، والكرم الوافر، والعقل التام. تتّصف بنبل الفعال، وجميل الخصال، وطيب الشمائل. وذات عبادة وزهد.
يقول عنها الإمام الحسين (عليه السلام): (وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجل). كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحبّها حبّاً شديداً، ويقول فيها وفي أمّها الرباب الشعر، قال : لعمـركَ أنّنـي لاحـبّ داراً ***** تـحلّ بهـا سكينـة والرباب
أحبّهما وأبـذل جـلّ مـالي ***** ولـيس للائمـي فيهـا عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً ***** حيـاتي أو يعلّيني التراب وفي هذه الأسطر القليلة نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة : في كربلاء : لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء، وشاهدت ما جرى على أبيها واخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم، وشاركت النساء مصائب السبي، والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة.
وعندما ذبح أخوها عبد الله الرضيع اذهلت سكينة، حتى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين (عليه السلام)، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي، وقد ظلّت في مكانها باكية، فلحظ سيّد الشهداء (عليه السلام) ابنته وهي بهذا الحال، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها وهو يقول : سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي ***** مـنك البكاء إذا الحمـام دهاني
لا تحـرقي قلبـي بدمعك حسرةً ***** مـا دام منّي الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنـت أولـى بـالذي ***** تـأتينه يـا خيـرة النســوان وبعد مصرع الحسين (عليه السلام) ومجىء جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً، خرجت سكينة فنادت : واقتيلاه، واأبتاه، واحسناه، واحسيناه، واغربتاه، وابعد سفراه، واكربتاه. فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس، فجعلْن يلطمن الخدود، ويقلْن : وا محمداه.
وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين (عليه السلام) مرّوا على أرض المعركة، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها من المصاب، ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة وجرّوها عنه بالقهر. شعرها :
لم نجد من شعرها إلاّ أبيات قليلة قالتها ترثي أباها الحسين (عليه السلام)، وهذا يكذّب ما نسب للسيّدة سكينة من مجالسة الشعراء والتحكيم بينهم، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين (عليه السلام)، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية. ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ترثي أباها الحسين (عليه السلام): لا تعذليــه فهم قاطـع طرقـه ***** فعينه بدمــوع ذرف غـدقـة
إن الحسيـن غداة الطـف يرشقه ***** ريب المنون فما أن يخطئ الحدقة
بكف شـر عبــاد الله كلهــم ***** نسل البغايا وجيش المرق الفسقـة
يـا اُمة السوء هاتوا ما احتجاجكم ***** غـداً وجلكــم بالسيف قد صفقة
الويـل حل بكـم إلا بمن لحقـه ***** صيرتـمـوه لأرمـاح العدا درقة
يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً ***** لا تبكِ ولـداً ولا أهـلاً ولا رفقة
لكن على ابن رسول الله فاسكبي ***** قيحاً ودمعا وفي أثريهما العلقة زواجها :
لم يسلم أهل البيت (عليهم السلام) من الطعن، ومحاولة تشويه سمعتهم، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم، أو لمن يتّصل بهم بنسب أو سبب، وحتى شيعتهم ومحبيهم لاقوا ما لاقوا من شتى أنواع التهم والإفتراءات، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فعند مطالعتكَ للتأريخ لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الإتهامات، فعلي يشرب الخمر!!! وأبوه مات كافراً!!! وعبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب سلام الله عليها يسمع الغناء ويطرب!!!
وأما مسأله تعدد الزوجات والأزواج فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها عند المؤرّخين، فالحسن (عليه السلام) يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة، و أم كلثوم وقصة زواجها من عمر بن الخطاب ومَن بعده، وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام) وزواجها من حفيد عثمان بن عفان، ثم تعرّض ابن الضحّاك لها، وسكينة وتعدد أزواجها.
قالت الدكتورة بنت الشاطىء بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الاسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذاً، حتى ليشطّر الإسم الواحد شطرين، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة، فعبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين فكان منه زوجان : عبد الله بن عثمان، وعمرو بن حكيم بن حزام، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم. ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجيّة تتبّعاً دقيقاً يعتمد على اليقين التأريخي، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التأريخ النقلي بوجه عام، وهو هنا في موضع زوجيّة سكينة، أبعد من أن يلتمس وأعزّ من أن يدرك أو ينال.
فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع حتى يلقانا عنت من اضطراب الروايات، وتناقض الأخبار، وتعدّد الأقوال، واشتباك السبل، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية وقرائن غالبة.
لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل لو أنّه توزّع بين مراجع شتى مختلفة، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها أو آصلها أو أدعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح والوزن والمقابلة والتعديل والترجيح. ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد دون محاولة من مؤلّفها للفصل بينها أو حسم الخلاف فيها، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف. ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة سردها أبو الفرج متتابعة، ثم لا شيء أكثر من هذا السرد. وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ورابعهم في اخرى، ثم لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة. وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجيّة، أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب (كما في دائرة المعارف الإسلامية).
وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرىء القيس، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين، فماتت بعده بعام واحد، قد بعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70هـ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله (كما في الأغاني). وأن تزوّجها (دائرة المعارف) عبد الله بن عثمان ابن أخي مصعب وعمرو بن الحاكم بن حزام، ولا خبر في نسب قريش وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم. وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن امه سعيدة بنت عبد الله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكة ومنى، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب، وإذا هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ، وقالت : ما ألبستها الدر إلا لتفضحه. ثم أتبعها أبو الفرج برواية اخرى عن شعيب بن صخر عن امّه سعدة بنت عبد الله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي، وقد أثقلتها بالحلي، وقالت : والله ما ألبستها إياه إلاّ لتفضحه. وهكذا بين فقرة واخرى صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر، وصارت سعيدة بنت عبد الله بن سالم سعدة بنت عبد الله، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي. وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول : وعمرو هذا أو عمر هو أخ لجد عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، زوجها بعد مصعب، ولا ندري كيف أدركت سكينة إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال. وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل يرفضون الإعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن، ثم مصعب بن الزبير، وعذرهم واضح، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم ابن حزام، ثم من عمّ أبيه عمرو بن حكيم. وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد، فجعلت الرباب ام سكينة ترفض زواجها من عبد الله بن مروان بعد قتل مصعب. وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون امهاتهم، حتى جعلت هشام بن عبدالملك ـ الذي ولد بعد مقتل مصعب أو كان رضيعاً في عامه الأوّل ـ يتدخل في حكاية ابراهيم بن عبدالرحمن لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير. فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً، وقد تعارضت فتساقطت، وكذّب بعضها بعضاً، وجاوزت نطاق المعقول. وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبد الله بن الإمام الحسن عليه السلام، ويوافق الشيعة على زواجها بعبد الله بن الإمام الحسن (عليه السلام) غيرهم من السنّة، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : 127 للمجدي ( مخطوط )، اسعاف الراغبين : 210، رياض الجنان : 51، مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 330، سكينة بنت الحسين عليه السلام للمقرّم : 72، أدب الطف 1 : 162، سفينة البحار 1 : 638. وقفة مع التأريخ المزيّف :
لم تنتهي تهم الأعداء ـ أعداء آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لسكينة بنت الحسين (عليه السلام) بتعدّد أزواجها حسبما قالوه، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة. وما كنا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه، إلاّ أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الإتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة. ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لاولئك الذين حاولوا توجيه هذه الإفتراءات، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات، بل كيف يقتنعون بها ؟! ونذكر هنا اتهامين باطلين سجّلهما لنا التأريخ المزيّف، والجواب عنهما : الأوّل: روى أبو الفرج الأصفهاني عن الزبيري : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل ورواية نصيب ورواية الأحوص، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر، فحكّموا سكينة بنت الحسين بن علي (عليهما السلام)، لما يعرفونه من عقلها وبصرها بالشعر، فخرجوا يتقادون حتى استأذنوا عليها فأذنت لهم، فذكروا لها الذي كان من أمرهم، فقالت لراوية جرير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول : طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ***** حين الزيـارة فـارجعي بسلام وأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره، ألا قال : فادخلي بسلام.
ثم قالت لراوية كثير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول : يقرّ بعينـي مـا يقـرّ بعينها ***** وأحسن شيء ما به العين قرّت فليس شيء أقر لعينها من النكاح، أفيحب صاحبكَ أن ينكح ؟ قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره.
ثم قالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول : فلو تَركتْ عقلي معي ما طلبتُها ***** ولكـن طلابيها لما فات من عقلي فما أرى بصاحبك من هوى، إنّما يطلب عقله، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره.
ثم قالت لراوية نصيب : أليسَ صاحبكَ الذي يقول : أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت ***** فيا حرباً مَن ذا يهيم بها بعدي فما أرى له همة إلاّ مَن يتعشّقها بعده! قبّحه الله وقبّح شعره، ألا قال : أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ***** فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي ثم قالت لراوية الأحوص : أليسَ صاحبكَ الذي يقول : من عاشقين تواعدا وتراسلا ***** لـيلاً إذا نـجم الثـريـا حلقا
باتـا بـأنعم ليلـة وألذهـا ***** حتـى إذا وضح الصباح تفرّقا قال : نعم. قالت : قبّحه الله وقبّح شعره، ألا قال : تعانقا. قال إسحاق في خبره : فلم تثن على واحد منهم في ذلك اليوم ولم تقدّمه.
قال : وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم، إلاّ جميلاً فإنّه خالف هذه الرواية وقال : فقالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول : فيا ليتني أعمى أصم تقودني ***** بثينة لا يخفـى عليّ كلامها قال: نعم.
قال : رحم الله صاحبكَ كان صادقاً في شعره، كان جميلاً كاسمه، فحكمت له. وعلّق الاستاذ علي دخيل على هذه الرواية بقوله : إنّ أثر الصنعة واضح على هذه الرواية، وهي من نسج الزبيري عدوّ أهل البيت، وما أكثر مفترياته هو وذويه على آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقد جعلَ من ابنة الرسالة النابغة الذبياني (فقد كان يضرب له قبة من ادم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها). وجدير بالذكر أنّ المؤرّخين لم يحدّثونا عن مثل هذا الاجتماع لمن سبقها من نساء أهل البيت (عليهم الصلاة والسّلام) كفاطمة وزينب (عليهما السلام)، مع أنّهما أجل وأعلم من سكينة، بل لم يذكر التأريخ إجتماع مثل هؤلاء الرواة عند أحد من الأئمة (عليهم السلام) للحكومة فيما بينهم.
نعم، ورد في نهج البلاغة : سئل (عليه السلام): مَن أشعر الشعراء ؟ فقال : (إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها، فإن كان ولابد فالملك الضليل)، يريد أمرىء القيس. أنا لا أدري كيف يقبل هؤلاء بحكم سكينة مع أنّه لم يرو لها إلاّ سبعة أبيات، لا تؤهل قائلها لمثل هذا المنصب الكبير. وقد سئل المرحوم الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء طاب ثراه عن هذا الإجتماع فقال : لم يذكره ابن قتيبة ولا ابن طيفور في بلاغات النساء، مع أنّهما أقدم من أبي الفرج. وقال رحمه الله : أبو الفرج كتابه كتاب لهو، وقد يأخذ عن الكذّابين، وحمّاد الذي جاءت عنه الرواية كذّاب.
وقال الشيخ جعفر النقدي رحمه الله : أمّا وصف الحسين (عليه السلام) لإبنته سكينة من غلبة الإستغراق مع الله تعالى، فيكذّب الأنقال المرويّة عن الزبير بن بكار وأضرابه من النواصب، كعمّه مصعب الزبيري، من اجتماع الشعراء عندها ومحاكمتها بينهم، وأمثال ذلك ممّا ينافي شأن خفرة من خفرات النبوّة، وعقيلة من عقائل بيت العصمة. وإن تعجب فاعجب من أبي الفرج الأصبهاني، ومَن حذا حذوه، أن ينقلوا مفتريات هؤلاء في كتبهم من غير فكر ولا تروّي، على أنَّ الزبير بن بكار كان عدوّاً لآل علي، بل لسائر بني هاشم، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتى أرادوا قتله، ففرَّ من مكة إلى بغداد أيام المتوكّل، ذكر ذلك ابن خلكان في تأريخه وفيات الأعيان.
وجدير بالذكر هو أن تعلم أن مثل هذا الإجتماع عقد برعاية عائشة بنت طلحة بن عبيدالله التيمي، فقد روى أبو الفرج عن أبي عمرو قال : أنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيدالله هذه القصيدة : وجدت الخمر جامحة وفيها