logo-img
السیاسات و الشروط
( 50 سنة ) - العراق
منذ سنة

تفسير آية

السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته يقول تعالى في سورة الحاقة: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧)﴾. ما تفسير الآية الكريمة؟


وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته مرحباً بكم في تطبيقكم المجيب *قوله تعالى: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. إن حملة العرش بالرغم من أنهم لم يشخصوا بصورة صريحة في هذه الآية وهل هم من الملائكة أم من جنس آخر؟ إلا أن ظاهر تعبير الآية الكريمة أنهم من الملائكة، ومن غير المعلوم أن المقصود بـ(ثمانية) هل هم ثمانية ملائكة؟ أم ثمانية مجاميع من الملائكة؟ سواء كانت هذه المجاميع صغيرة أو كبيرة. جاء في الروايات الإسلامية أن حملة العرش في عالم الدنيا أربعة أشخاص أو أربع (مجاميع) إلا أنهم في يوم القيامة يكونون ضعف ذلك، كما نقرأ ذلك في حديث عن رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "إنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فيكونون ثمانية"(١) أما ما يتعلق بحقيقة العرش، وماهية الملائكة، فذلك كما يلي: المقصود بـ (العرش) كما هو واضح ليس تختاً مما يكون للسلاطين، ولكنه -كما بينا سابقاً في تفسير كلمة (العرش)- بأنها تعني (مجموعة عالم الوجود) حيث أنه عرش حكومة الله سبحانه، ويدبر حكومته تعالى من خلاله بواسطة الملائكة الذين هم جاهزون لتنفيذ أمره سبحانه. وجاء في رواية أخرى أن حملة العرش في يوم القيامة أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين، والأشخاص الأولون الأربعة هم: (نوح) و (إبراهيم) و (موسى) و (عيسى)، أما الأشخاص الآخرون الأربعة فهم (محمد) و (علي) و (الحسن) و (الحسين) (٢). وهذا الحديث من الممكن أن يكون إشارة إلى مقام شفاعتهم للأولين والآخرين، والشفاعة -عادة- تكون لمن هم أهل لها، وممن لهم لياقة لنيلها، ومع ذلك فإنه يوضح المفهوم الواسع للعرش. أما إذا كان حملة العرش ثمانية مجاميع، فمن الطبيعي أن تتعهد المجاميع للقيام بهذه المهمة، سواء كان هؤلاء من الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء، ومما تقدم نلاحظ أن قسماً من تدبير نظام وشؤون ذلك اليوم هو من مهمة الملائكة وقسم من الأنبياء، حيث أن الجميع جاهزون لتنفيذ أمر الله، ويتحرك بإرادته تعالى. هنالك آراء في أن الضمير في (فوقهم) هل يرجع إلى "البشر"؟ أم إلى (الملائكة)؟ وبما أن الحديث في الجملة السابقة كان حول الملائكة، فإن الضمير يرجع إليهم حسب الظاهر، وبهذه الصورة فإن الملائكة تحيط بالعالم من جميع جهاته، ولهذا فإن المقصود بـ (من فوقهم) هو (العلو من حيث المقام). وهنالك احتمال بأن حملة عرش الله هم أشخاص أعلى وأفضل من الملائكة، وتماشياً مع هذا الاحتمال فإن ما جاء في الحديث السابق منسجم معه، حيث ورد فيه أن حملة عرش الله هم ثمانية من الأنبياء والأولياء. وبما أن الحوادث المتعلقة بيوم القيامة ليست واضحة لنا نحن سكنة هذا العالم المحدود، لذا فليس بمقدورنا إذاً إدراك المسائل المتعلقة بحملة العرش في ذلك اليوم. إن الذي نتحدث به عن هذه الأمور ما هو إلا شبح يتراءى لنا من بعيد في ظل الآيات الإلهية، وإلا فلا تتم رؤية الحقيقة بدون معايشة الواقع (٣). ومما يجدر ملاحظته أن في (النفخة الأولى للصور) يموت ويفنى جميع من في السماوات والأرض، وبناء على هذا فإن مسألة بحث "حملة العرش" مرتبط "بالنفخة الثانية"، حيث يتم إحياء الجميع، وبالرغم من أنه لم يأتِ ذكر للنفخة الثانية في الآية أعلاه، إلا أن ذلك يتضح من خلال القرائن، والمطالب التي سترد في الآيات اللاحقة تتعلق بالنفخة الثانية أيضاً. ودمتم موفقين _____________________________ *الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج١٨، الصفحة ٥٨٥ (١) تفسير (علي بن إبراهيم) ج٢، ص ٣٨٤. (٢) مجمع البيان، ج١٠، ص ٣٤٦ (٣) تطرقنا مرارا في هذا التفسير إلى المعاني التي وردت حول (العرش) لغويا وقرآنيا، ومن ضمن ما بحثناه حول هذه المسألة ما جاء في نهاية الآية ٥٤ من سورة الأعراف.