السلام عليكم ورحمة الله
المقصود من قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) هو الإشارة بذلك إلى حكم الطبقة الأولى من
الورثة (وهم الأولاد والآباء والأمهات)، ومن البديهي أنه لا رابطة أقوى وأقرب من رابطة الأبوة والبنوة ولهذا قدموا على بقية الورثة من الطبقات الأخرى.
ثم إن من الجدير بالاهتمام من ناحية التركيب اللفظي جعل الأنثى هي الملاك والأصل في تعيين سهم الرجل، أي أن سهمها من الإرث هو الأصل، وإرث الذكر هو الفرع الذي يعرف بالقياس على نصيب الأنثى من الإرث إذ يقول سبحانه: وللذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا نوع التأكيد على توريث النساء ومكافحة للعادة الجاهلية المعتدية القاضية بحرمانهن من الإرث والميراث، حرمانا كاملا.
وأما فلسفة هذا التفاوت بين سهم الأنثى والذكر يمكن توضيحه كالاتي:
نعم أن ما يرثه الرجل هو ضعف ما ترثه المرأة، إلا أنه بالإمعان والتأمل يتضح أن المرأة ترث - في الحقيقة - ضعف ما يرثه الرجل إذا لاحظنا القضية من جانب آخر، وهذا إنما هو لأجل ما يوليه الإسلام من حماية لحقوق المرأة.
توضيح ذلك: إن هناك وظائف أنيطت بالرجل (وبالأحرى كلف بأدائها تجاه المرأة) تقتضي صرف وإنفاق نصف ما يحصل عليه الرجل على المرأة، في حين لا يجب على المرأة أي شئ من هذا القبيل.
إن على الرجل (الزوج) أن يتكفل نفقات زوجته حسب حاجتها من المسكن والملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك من لوازم الحياة كما أن عليه أن ينفق على أولاده الصغار أيضا، في حين أعفيت المرأة من الإنفاق حتى على نفسها، وعلى هذا يكون في إمكان المرأة تدخر كل ما تحصله عن طريق الإرث، وتكون نتيجة ذلك أن الرجل يصرف وينفق نصف مدخوله على المرأة، ونصفه فقط على نفسه، في حين يبقى سهم المرأة من الإرث باقيا على حاله.
ولمزيد من التوضيح نلفت نظر القارئ الكريم إلى المثال التالي: لنفترض أن مجموع الثروات الموجودة في العالم والتي تقسم تدريجا - عن طريق الإرث - بين الذكور والإناث هو (30) ميليارد دينار، والآن فلنحاسب مجموع ما يحصل عليه الرجال ونقيسه بمجموع ما تحصل عليه النساء عن طريق الإرث.
فلنفترض أن عدد الرجال والنساء متساو فتكون حصة الرجال هو (20) ميلياردا، وحصة النساء هي (10) ميلياردات.
وحيث أن النساء يتزوجن - غالبا - فإن الإنفاق عليهن يكون من واجب الرجال، وهذا يعني أن تحتفظ النساء ب (10) ميلياردات (وهو سهمهن من الإرث)، ويشاركن الرجال في العشرين ميلياردا، لأن على الرجال أن يصرفوا من سهمهم على زوجاتهم وأطفالهم.
وعلى هذا يصرف الرجال (10) ميلياردات على النساء (وهو نصف سهمهم من الإرث) فيكون مجموع ما تحصل عليه النساء ويملكنه هو (20) ميلياردا وهو ثلثا الثروة العالمية في حين لا يعود من الثروة العالمية على الرجال إلا (10) ميلياردات، أي ثلث الثروة العالمية (وهو المقدار الذي يصرفه الرجال على أنفسهم).
وتكون النتيجة أن سهم المرأة التي تصرفه وتستفيد منه وتتملكه واقعا هو ضعف سهم الرجل، وهذا التفاوت إنما لكونهن أضعف من الرجال على كسب الثروة وتحصيلها (بالجهد والعمل)، وهذا - في حقيقته - حماية منطقية وعادلة قام بها الإسلام للمرأة، وهكذا يتبين أن سهمها الحقيقي أكثر - في النظام الإسلامي - وإن كان في الظاهر هو النصف.
ومن حسن الصدف أننا نقف على هذه النقطة إذا راجعنا التراث الإسلامي حيث أن هذا السؤال نفسه قد طرح منذ بداية الإسلام وخالج بعض الأذهان، فكان الناس يسألون أئمة الدين عن سر ذلك بين حين وآخر، وكانوا يحصلون على إجابات متشابهة في مضمونها - على الأغلب - وهو أن الله إذ كلف الرجال بالإنفاق على النساء وأمهارهن، جعل سهمهم أكثر من سهمهن.
إن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله علة إعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث: لأن المرأة إذا تزوجت أخذت، والرجل يعطي، فلذلك وفر على الرجال، وعلة أخرى في إعطاء الذكر مثل ما يعطى الأنثى لأن الأنثى من عيال الذكر إن احتاجت، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج فوفر على الرجال لذلك.