وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الامثل في تفسير كتاب الله المنزل : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر جلد : 11 صفحه : ٥١
ما معنى إشاعة الفحشاء؟ بما أنّ الإنسان مخلوق اجتماعي، فالمجتمع البشري الذي يعيش فيه له حرمة يجب أن لا تقلّ عن حرمته الشخصيّة، و طهارة كلّ منهما تساعد في طهارة الآخر، و قبح كلّ منهما يسري إلى صاحبه، و بموجب هذا المبدأ كافح الإسلام بشدّة كلّ عمل ينشر السموم في المجتمع، أو يدفعه نحو الهاوية و الانحطاط.
و لهذا السبب حارب الإسلام- بقوة- الغيبة و النميمة، لأنّ الغيبة تكشف العيوب الخفية، و تسيء إلى حرمة المجتمع.
أوجب الإسلام ستر العيوب و السبب في ذلك هو ما تقدم من الحيلولة دون انتشار الذنوب في المجتمع، و اكتسابها طابع العمومية و الشمول.
و عندما نرى اختصاص الذنب العلني بأهمية أكثر من الذنب الذي يرتكب في الخفاء، حتى أن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام قال: «المذيع بالسيئة مخذول و المستتر بالسيئة مغفور له»¹، فالسبب هو ما ذكرنا.
و هكذا لنفس السبب يدين القرآن- بشدّة- ارتكاب الذنوب في العلن، كإشاعة الفحشاء التي ذكرتها الآيات السابقة فارتكاب الذنوب كالنار التي تسري في الهشيم، تأتي على المجتمع من أساسه فتنخره حتى تهدمه و تذروه، لهذا يجب الإسراع لإطفاء هذه النار، أو لمحاصرتها على الأقل. أمّا إذا زدنا النار لهيبا، و نقلناها من مكان إلى آخر، فإنّها ستحرق الجميع، و لا يمكن بعدئذ إطفاؤها أو السيطرة عليها.
و إضافة إلى ذلك، فإنّه لو عظم الذنب في نظر عامّة الناس، و تمّت المحافظة على سلامة ظاهر المجتمع من التلوث و الفساد، فإن ذلك يمنع انتشار الفاحشة بصورة مؤكدة. أمّا اشاعة الفحشاء و الذنوب و التجاهر بالفسق، فمن نشأنها أن تحطم هذا السد الحاجز للفساد. و يستصغر شأن الذنوب من قبل الناس، و يسهل التورط فيها.وقد جاء في حديث للرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها»².
وجاء في حديث آخر عن محمد بن الفضيل عن الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك الرجل من إخواني بلغني عنه الشيء الذي أكرهه فاسأله عنه فينكر ذلك و قد أخبرني عنه قوم ثقات؟ فقال الإمام عليه السّلام لي: «يا محمّد كذب سمعك و بصرك عن أخيك، و إن شهد عندك خمسون قسامة. و قال لك قول فصدقه و كذبهم، و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروءته، فتكون من الذين قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ³-⁴. و ممّا يلزم ذكره أنّ لإشاعة الفحشاء صوراً عديدة فتارة يكون من قبيل افتعال تهمة كاذبة و نقلها بين الناس، و أخرى يكون بإنشاء مراكز للفساد و نشر الفحشاء، و ثالثة بتوفير وسائل المعصية للناس، أو تشجيعهم على ارتكاب الذنوب، و رابعة يرتكب الذنب في العلن دون ملاحظة الدين، و لا رعاية لقانون و لا التفات لآداب عامّة، و كل هذه مصاديق لإشاعة الفحشاء، لأنّ لهذه الكلمة مفهوما واسعا (فتأملوا جيدا).
--------------------------------------
(١).أصول الكافي، المجلد الثاني، باب ستر العيوب.
(٢). أصول الكافي، المجلد الثاني، باب القبح.
(٣).كتاب ثواب الأعمال، حسبما ذكره تفسير نور الثقلين، المجلد الثّالث، صفحة 582.
(٤).لهذه القضية استثناءات، منها موضوع الشهادة في المحكمة، أو حالات النهي عن المنكر حيث لا سبيل إلّا بكشف العمل القبيح الذي يرتكبه شخص ما و الشهادة ضده.