السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
يمكن تقسيم عوامل تحقّق النصر في الحرب إلى قسمين: عوامل مادية وعوامل معنوية، ويمكن ان نذكر نبذة عن أهم هذه العوامل.
١/الإعداد العسكري الجيد:
تُعتبر الجهوزية القتالية، وتوافر الإمكانات والعتاد الحربي، والاستمرار في التدريب العسكري والتخصّصي من العوامل المادّية المؤثّرة في انتصار قوّة عسكرية ما. وإنّ توفير هذه العوامل بالشكل الكامل والمطلوب كان بوحي من قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ... المزید﴾وهو ما يُثبت بدوره أنّ القرآن الكريم قد رأى في تأمين كافة العوامل المادية سبباً من أسباب تحقيق الانتصار في الحرب.
ولأجل أن يتمكّن المسلمون من الحصول على هذه العوامل المادّية المؤثّرة في صناعة النصر ومن القيام بالتكليف الملقى على عاتقهم، ينبغي لهم من جهة أن يتعلّموا كلّ العلوم والفنون الحربية، ويزيدوا من قدراتهم العسكرية يوماً بعد يوم. كما ينبغي عليهم من جهة أخرى أن يُؤمِّنُوا، وعلى قدر استطاعتهم، أحدث الأسلحة وأكثرها تقدّماً، مثلما كانت سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لا يخالفها جميع العقلاء والخبراء العسكريون.
وكذلك، تُعدّ القوات البشرية الكافية أحد الأركان الأولى للحرب، والتي ليس هناك من شكٍّ في ضرورة تهيئتها وتربيتها. ويدرك الاختصاصيون العسكريون أهمّيّة مثل هذه العوامل - كمّاً وكيفاً - وهم يعملون على القيام بما يلزم لتأمينها.
٢/الإمدادات المعنوية والغيبية:
إنّ ما يجب إيلاؤه أهمّيّة أكبر في هذا البحث، هو العوامل المعنوية للنصر والتي تأتي الامدادات الغيبية على رأس هذه العوامل, نظراً لكونها العوامل الرئيسة في تحقيقه. وفيما يأتي شرح مفصّل لها. المراد من "الإمداد" هو "تقديم المساعدة"، ومن "الإمدادات الغيبية" هو "إيصال النصرة الخفية"، والذي يَحدثُ من قبل الله تعالى، ويعدُّ أحد العوامل المهمة لانتصار المسلمين.
وقد ذُكِرَت في العديد من آيات القرآن المجيد، نماذج من الإمدادات الغيبية الإلهية التي كانت تفاض على المجاهدين طوال التاريخ الماضي، وخصوصاً تاريخ صدر الإسلام. ولقد تجلّت - ولا تزال - الإمدادات الإلهية للمجاهدين بصورة مختلفة، ومن أهمّها:
٣/إيجاد الخوف في قلوب العدو:
إنّ الأشخاص الذين لديهم اطلاع بشؤون الحرب وأحوالها، يعلمون أن تحلّي المقاتلين بالشجاعة وعدم الخوف هو أحد أهم عوامل الانتصار. ولأجل تقديم النصر للمؤمنين، فقد نزع الله تعالى هذه الروحية من العدو، وألقى بدلاً عنها الخوف والرعب من قدرة المسلمين في قلوبهم، مثلما شاهدنا ذلك جلياً في معارك صدر الإسلام المختلفة، حيث يقول تعالى متحدّثاً عن أوّل معركة بين الإيمان والكفر، معركة بدر، فيقول تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾.
وبعد إثارة حماسة المسلمين للمشاركة في غزوة "حمراء الأسد"يقول تعالى أيضاً: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾.
والسبب الأساس في انتصار المسلمين على يهود "بني قريظة" كان أيضاً الإمداد الإلهي، حيث يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقً﴾.
كما أنّه كان السبب كذلك في الانتصار على يهود "بني النضير" فدفعهم ليخربوا بيوتهم بأيديهم، حيث يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
ولقد كان انتصار المسلمين عن طريق إلقاء الخوف في قلوب الأعداء من الأهمّيّة بمكان أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتبره أحد خصوصيّاته الإلهية، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أُعطيتُ خمساً لم يُعطَها أحدٌ من قبلي... ونُصرتُ بالرّعب".
٤/نصرة الملائكة:
يُقدَّم النوع الثاني من الإمداد الإلهي بواسطة الملائكة، حيث يرسلهم تعالى لمساعدة المسلمين، وليسرّع في انتصار المؤمنين على المشركين من خلال تقوية معنوياتهم. وقد تحدّث القرآن المجيد عن مثل هذا الإمداد الغيبي في معركة بدر، فقال تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾.
ولأجل دفع المسلمين وحثّهم على الاشتراك في غزوة "حمراء الأسد" يعدهم الله بمثل هذه النصرة، فيقول تعالى: ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾.
كما ويصف نصرة المسلمين عن طريق الملائكة في معركتي الأحزاب وحنين، فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرً﴾.
ويقول تعالى أيضاً: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾.
٥/إنزال السكينة على المؤمنين:
انطلاقاً من أنّ عوامل مختلفة كالخوف والشكّ في الهدف، تؤدّي إلى تخريب روحية المجاهدين ومعنوياتهم، فإنّ الله تعالى لا يخرج ذلك من قلوبهم فحسب، بل يُلقِي بدلاً منها السكينة والطمأنينة. فخلال أحداث "صلح الحديبية" مرّ المسلمون في ظروف صعبة أوجدت التزلزل في نفوس ضعاف الإيمان. فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشّر بدخول المسجد الحرام ولكنّ المسلمين لم يدخلوه حينها، وكانوا قد أَحْرَمُوا للعمرة، فمنعهم المشركون من أداء مناسكها، فاضطروا للخروج من إحرامهم، إلى ذبح أضحية. كما أنّ قبول بنود الصلح كان ثقيلاً وصعباً على البعض منهم.
وفي مثل تلك الأوضاع، كان أن أنزلَ اللهُ سكينتَهُ على قلوبهم، حيث أشار القرآن المجيد إلى هذا بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمً﴾14. والمراد من السكينة هو الهدوء والاطمئنان، والتي يزول معها كلّ نوع من أنواع الشكّ والتردّد والخوف، وتثبت أقدامه في خضم الحوادث الصعبة.
وكذلك كان الأمر في معركة "حنين" التي فرّ فيها كثير من المسلمين، حيث عُدَّ نزول السكينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين منَ الإمدادات الإلهية التي تُضاف إلى الإمدادات الغيبية الأخرى، حيث يقول تعالى: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾.