السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ج١٩ ص٢٧٣: (بيان) تأكيد إيجاب صلاة الجمعة وتحريم البيع عند حضورها وفيها عتاب لمن انفض إلى اللهو والتجارة عند ذلك واستهجان لفعلهم.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " الخ، المراد بالنداء للصلاة من يوم الجمعة الاذان كما في قوله: " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " المائدة: 58.
والجمعة بضمتين أو بالضم فالسكون أحد أيام الأسبوع وكان يسمى أولا يوم العروبة ثم غلب عليه اسم الجمعة، والمراد بالصلاة من يوم الجمعة صلاة الجمعة المشرعة يومها، والسعي هو المشي بالاسراع، والمراد بذكر الله الصلاة كما في قوله: " ولذكر الله أكبر " العنكبوت: 45، على ما قيل وقيل: المراد به الخطبة قبل الصلاة وقوله: " وذروا البيع " أمر بتركه، والمراد به على ما يفيده السياق النهي عن الاشتغال بكل عمل يشغل عن صلاة الجمعة سواء كان بيعا أو غيره وإنما علق النهي بالبيع لكونه من أظهر مصاديق ما يشغل عن الصلاة.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إذا أذن لصلاة الجمعة يومها فجدوا في المشي إلى الصلاة واتركوا البيع وكل ما يشغلكم عنها.
وقوله: " ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " حث وتحريض لهم لما أمر به من الصلاة وترك البيع.
قوله تعالى: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " الخ، المراد بقضاء الصلاة إقامة صلاة الجمعة، والانتشار في الأرض التفرق فيها، وابتغاء فضل الله طلب الرزق نظرا إلى مقابلته ترك البيع في الآية السابقة لكن تقدم أن المراد ترك كل ما يشغل عن صلاة الجمعة، وعلى هذا فابتغاء فضل الله طلب مطلق عطيته في التفرق لطلب رزقه بالبيع والشرى، وطلب ثوابه بعيادة مريض والسعي في حاجة مسلم وزيارة أخ في الله، وحضور مجلس علم ونحو ذلك.
وقوله: " فانتشروا في الأرض " أمر واقع بعد الحظر فيفيد الجواز والإباحة دون الوجوب وكذا قوله: " وابتغوا، واذكروا ".
وقوله: " واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " المراد بالذكر أعم من الذكر اللفظي فيشمل ذكره تعالى قلبا بالتوجه إليه باطنا، والفلاح النجاة من كل شقاء، وهو في المورد بالنظر إلى ما تقدم من حديث التزكية والتعليم وما في الآية التالية من التوبيخ والعتاب الشديد، الزكاة والعلم وذلك أن كثرة الذكر يفيد رسوخ المعنى المذكور في النفس وانتقاشه في الذهن فتنقطع به منابت الغفلة ويورث التقوى الديني الذي هو مظنة الفلاح قال تعالى:
" واتقوا الله لعلكم تفلحون " آل عمران: 200.
قوله تعالى: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما " الخ، الانفضاض - على ما ذكره الراغب - استعارة عن الإنفضاض بمعنى انكسار الشئ وتفرق بعضه من بعض.
وقد اتفقت روايات الشيعة وأهل السنة على أنه ورد المدينة عير معها تجارة وذلك يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فضربوا بالطبل والدف لاعلام الناس فانفض أهل المسجد إليهم وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما يخطب فنزلت الآية. فالمراد باللهو استعمال المعازف وآلات الطرب ليجتمع الناس للتجارة، وضمير " إليها " راجع إلى التجارة لأنها كانت المقصودة في نفسها واللهو مقصود لأجلها، وقيل: الضمير لأحدهما كأنه قيل: انفضوا إليه وانفضوا إليها وذلك أن كلا منهما سبب لانفضاض الناس إليه وتجمعهم عليه، ولذا ردد بينهما وقال: " تجارة أو لهوا " ولم يقل: تجارة ولهوا والضمير يصلح للرجوع إلى كل منهما لان اللهو في الأصل مصدر يجوز فيه الوجهان التذكير والتأنيث.
ولذا أيضاً عد " ما عند الله " خيراً من كل منهما بحياله فقال: " من اللهو ومن التجارة " ولم يقل: من اللهو والتجارة.
وقوله: " قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين، أمر للنبي أن ينبههم على خطأهم فيما فعلوا - وما أفظعه - والمراد بما عند الله الثواب الذي يستعقبه سماع الخطبة والموعظة.
والمعنى قل لهم: ما عند الله من الثواب خير من اللهو ومن التجارة لان ثوابه تعالى خير حقيقي دائم غير منقطع، وما في اللهو والتجارة من الخير أمر خيالي زائل باطل وربما استتبع سخطه تعالى كما في اللهو.
وقيل: خير مستعمل في الآية مجردا عن معنى التفضيل كما في قوله تعالى: " أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " يوسف: 39، وهو شائع في الاستعمال.
وفي الآية أعني قوله: " وإذا رأوا " التفات من الخطاب إلى الغيبة، والنكتة فيه تأكيد ما يفيده السياق من العتاب واستهجان الفعل بالاعراض عن تشريفهم بالخطاب وتركهم في مقام الغيبة لا يواجههم ربهم بوجهه الكريم.
ويلوح إلى هذا الإعراض قوله: " قل ما عند الله خير " حيث لم يشر إلى من يقول له، ولم يقل: قل لهم كما ذكرهم بضميرهم أولا من غير سبق مرجعه فقال: " وإذا رأوا " واكتفى بدلالة السياق.
وخير الرازقين من أسمائه تعالى الحسنى كالرزاق وقد تقدم الكلام في معنى الرزق فيما تقدم.
ثم يذكر السيد بحثا روائيا للمزيد راجع المصدر .
ودمتم في رعاية الله وحفظه.