شرح خِطبة السيدة العقيلة زينب عليها السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هو تفسير قول السيده زينب عليها السلام ل يزيد لعنه الله (فكد كيدك، وأسع سعيك، وناصب جهدك..) وجزاكم الله احسن الجزاء؟
عليكم السلام ورحمة الله المقطع من حيث البلاغة حوى أساليب بلاغية، منها الوصل والإيجاز والاطناب : أما الوصل الذي هو عطف جملة على اخرى بالواو، فقد أوصلت السيّدة (عليها السلام) في قولها: " فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك" فعطفت نصب الجهد على السعي، والسعي على الكيد، عطفًا بين جملٍ إنشائية على بعضها؛ لمناسبةٍ بينهما في افادتهما معنىً واحدًا، ولإرادة المتكلمة لها. وأما الايجاز، فقد أوجزت السيّدة في هذا المقطع إيجاز قصرٍ، فكانت ألفاظها قليلة إلاّ أنّ معانيها متكثرة؛ حيث قالت: " فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك"، فكل جملة من هذه الجمل تفيد معانٍ كثيرة أوجزت في تلك الألفاظ؛ والغرض من ذلك هو حزنها (عليها السلام)؛ وإلاّ فماذا نتوقع أن يصدر من امرأة متفجّعة كالسيّدة زينب (عليها السلام) بعد أن سمعت الطاغية يهدد بإبادة النسل المحمدي؟! وأما الإطناب الذي هو الزيادة في الألفاظ المحققة لفائدة، فتجلى في قولها (عليها السلام): "فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها"، إذ كانت تستطيع أن تقول واحدة من تلك الجمل، إلاّ أنّها (عليها السلام) أرادت تثبيت المعنى في ذهن السامعين وإثارة حميتهم، بالإضافة إلى إرادتها دفع الإيهام الذي حصل عند السامعين الحاضرين في المجلس بسبب قول الطاغية (لعنه الله) بقدرته على ابادة آل الحسين (عليهم السلام)، ولهذا أطنبت في القول موضحة كذب وفسق الطاغية. وصبت السيدة زينب (عليها السلام) جام غضبها على المجرم الأصلي لفاجعة كربلاء ، وهو يزيد الذي قام بتلك الجرائم مباشرة ، أو أصدر الأوامر لعامله اللعين ابن زياد ، الذي نفّذ أوامر يزيد من القتل والسبي والضرب وغير ذلك. وكأنّها ترى أن كلّ ما خاطبته به غير كافٍ لِما يستحقه من شجبٍ وتعنيف! فقالت : ثمّ كِد كيدك ، واجهد جهدك الكيد : إرادة مَضَرّة الغير خُفية ، والحيلة السيّئة ، والخُدعة ، والمكر . جَهَد جهداً : جدّ ، يُقال : طلب حتى وصل إلى الغاية ، والجهد ، الوُسع والطاقة. هذا كلام يَطغى عليه طابع التهديد الشديد ، مِن سيّدة أسيرة ، ولكنّها واثقة من نفسها ـ أعلى درجات الثقة ـ أنّ جميع نشاطات يزيد ـ والفصول اللاحقة من مخطّطاته ـ سوف تفشل ، وسوف لا يتوصّل إلى أيّ واحد من أهدافه!! بل ترجع عليه بشكل مُعاكس ، فكُرسيّه يتزعزع ، وسلطته تضعُف ، وقدرته تذهب! فالسيدة زينب (عليها السلام) تريد أن تقول ليزيد : إصنع ما بدا لك ، من تخطيط وتفكير ، وقَتل وإبادة ، وسَبي وأسر ، وابذل ما في وسعك من جهود ، فسوف لا تصل إلى الهدف الذي حَلِمتَ به ، وهو إستئصال شجرة النبوة من جذورها .. بكافّة أغصانها وفروعها وأوراقها ، وعدم إبقاء صغير أو كبير من آل رسول الله .. رجلاً كان أو إمرأة! فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب ، والنبوّة والإنتخاب ـ القسم للتأكيد الأكثر ، وهو ـ في الواقع ـ إنعكاس آخر لعلوّ مستوى درجة الثقة بالنفس والإتّكال على الله تعالى ، واليقين بما يقوله الإنسان ويحلف من أجله ، وعِلم السيدة بحوادث المستقبل ، وما ستؤول إليه الأمور ، فإنّ حوادث اليوم ، وأحداث المستقبل تُعتبر ـ أمام عين السيدة زينب (عليها السلام) في حدّ سواء ، لأن الله تعالى ميّزها عن بقية سيدات البشر بأن يُوصّل إليها العلوم مباشرة .. عن طريق الإلهام .. ودون تعلّم من البشر ، ولذلك فإنّ حوادث المستقبل معلومة وواضحة لها كاملاً كالحوادث المعاصرة ، ومثالها مثال مَن يُخرج رأسه مِن نافذة الغرفة ، فيرى ـ بكلّ وضوح ـ كلّ ما هو موجود إلى آخر الشارع ، وليس مثالها مثال من يجلس في غرفة ويفتح النافذة فلا يرى إلا ما يُقابل النافذة فقط. إنّنا نتلمّس ـ من كلمات القسم هذه ـ المعنويّات العالية التي كانت تمتاز بها السيدة زينب (عليها السلام) حين إلقائها لخطبتها ، فهي تفتخر وتعتزّ بمزاياها الفريدة فتقول : فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب ، فالقرآن الكريم نزل على جدّ السيدة زينب وهو رسول الله سيّدنا محمد (صلى الله عليه واله) وفي دارها. وكذلك اختار الله هذه الأسرة وانتخبها لتكون فيهم النبوّة. وكأنّها تُعرّض بكلامها ليزيد : أن أنت بماذا تَعتز؟ وبماذا تفتخر؟! وهل توجد فيك فضيلة واحدة حتى تفتخر بها؟! ولعلّ السيدة زينب كانت تقصد ـ أيضاً ـ إسماع الجماهير المتواجدة في ذلك المجلس هذه الحقائق ، ومِن باب المَثل الذي يقول : إيّاك أعني واسمَعي يا جارَه . وبعد كلمات القسم تذكر السيدة زينب (عليها السلام) الأمور التي أقسَمَت من أجلها : لا تُدرِك أمَدَنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا أمدنا : الأمد : الغاية والنهاية. أي : مهما بذلت من الجهود ، وحاولتَ من المحاولات ، فسوف تفشل في ذلك ، فقد حاول ذلك مَن كان قبلك ـ وهو معاوية ـ فلم يستطع ذلك ، رغم أنّه كان أقوى منك.