امجد حسين - النرويج
منذ 4 سنوات

 بحث تفصيلي حول رزية الخميس وما يدور حولها

ورد هذا النص في أحد المواقع حول قول عمر في رزية الخميس: ************************* الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى آله وعلى صحابته الكرام : أبو بكر وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعلي كرم الله وجهه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين أولاً : أن هذه اللفظة (أهجر) لا تثبت عن عمر أصلاً, وإنّما قالها بعض من حضر الحادثة من غير أن تعين .وإنّما الثابت فيها (فقالوا ما شأنه أهجر) هكذا بصيغة الجمع دون الإفراد . ثانياً : الثابت الصحيح من هذه اللفظة أنّها وردت بصيغة الاستفهام هكذا (أهجر؟) وهذا بخلاف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر, ويهجر) فقد نص شراح الحديث على أن الاستفهام هنا جاء على سبيل الإنكار على من قال: (لا تكتبوا). ثالثاً : على فرض صحة رواية (هجر) من غير استفهام, فلا مطعن فيها على قائلها ؛ لأن الهجر في اللغة يأتي على قسمين : قسم لا نزاع في عروضه للأنبياء, وهو عدم تبيين الكلام لبحّة الصوت, وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان, كما في الحميات الحارة . وقسم آخر : وهو جريان الكلام غير المنتظم, أو المخالف للمقصود على اللسان لعارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر . وهذا القسم محل اختلاف بين العلماء في عروضه للأنبياء, فلعل القائل هنا أراد القسم الأوّل, وهو أنا لم نفهم كلامه بسبب ضعف ناطقته, ويدل على هذا قوله بعد ذلك (استفهموه) . رابعاً : يحتمل أن تكون هذه اللفظة صدرت عن قائلهاعن دَهَشٍ وحَيرةٍ أصابته في ذلك المقام العظيم, والمصاب الجسيم, كما قد أصاب عمر وغيره عند موت النبي صلى الله عليه وسلم قاله : القرطبي قلت (الدكتور إبراهيم الرحيلي) : وعلى هذا فقائلها معذور أياً كان معناها, فإن الرجل يعذر بإغلاق الفكر والعقل, إمّا لشدة فرح أو حزن, كما في قصة الرجل الذي فقد دابته, ثمّ وجدها بعد يأس فقال: (اللهم أنت عبدي, وأنا ربك, أخطأ من شدة الفرح) . خامساً : هذه اللفظة صدرت بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه, فلم ينكروا على قائلها, ولم يؤثموه, فدل على أنّه معذور على كلّ حال, ولا ينكر عليه بعد ذلك إلّا مفتون في الدين, زائغ عن الحق والهدى, كما هو حال هذا المسكين المعرض نفسه لما لا يطيق. وأمّا طعن الروافض على عمر وزعمهم بأنّه قد اتهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنّه لا يعى ما يقول : وقال : (( إنّه يهجر)), ولم يمتثل قوله, قال : ((عندكم كتاب الله )), (( حسبنا كتاب الله )) . فجوابه : أن ما ادعاه أوّلاً : بأن عمر أتّهم رسول الله بالهجر, وأنّه لا يعى ما يقول, فهذا باطل ؛ وذلك أن هذه اللفظة (أهجر) لا تثبت عن عمر أصلاً, وإنّما قالها بعض من حضر الحادثة من غير أن تعين الروايات الواردة في الصحيحين قائلها, وإنّما الثابت فيها (( فقالوا : ما شأنه أهجر)) (البخاري رقم4431), هكذا بصيغة الجمع دون الإفراد . ولهذا أنكر بعض العلماء أن تكون هذه اللفظة من كلام عمر, قال ابن حجر : ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات, التي ذكرها القرطبي, ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام, وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع, قد يشتغل به عن تحرير ما يريد (فتح الباري 8/133). وقال الدهلوى : من أين يثبت قائل هذا القول هو عمر مع أنّه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع (مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص 250). إنّ الثابت الصحيح من هذه اللفظة أنّها وردت بصيغة الإستفهام هكذا(أهجر؟), وهذا بخلاف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر, ويهجر) فإنّه مرجوح على ما حقق ذلك المحدثون وشراح الحديث, منهم القاضي عياض (الشفا 2/886), والقرطبي (المفهم 4/559), والنووي (شرح صحيح مسلم 11/93), وابن حجر (فتح الباري 8/133), فقد نصوا أن الاستفهام جاء في سبيل الإنكار على من قال: لا تكتبوا (الانتصار للصحب والآل: ص 228). قال القرطبي بعد أن ذكر الأدلة على عصمة النبي (صلى الله عليه وسلم) من الخطأ في التبليغ في كل أحواله, وتقرر ذلك عند الصحابة, وعلى هذا يستحيل أن يكون قولهم (أهجر), لشك عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه, وإنّما كان ذلك من بعضهم على وجه الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة, وتلكأ عنه, فكأنّه يقول لمن توقف : كيف تتوقف؟ أتظن أنّه قال هذيانًا؟ فدع التوقف وقرب الكتف, فإنّه يقول الحق لا الهجر, وهذا أحسن ما يحمل عليه (المفهم 4/559). وهذا يدل على اتفاق الصحابة على استحالة الهجر على رسول الله (ص), حيث إن قائليها أوردوها على سبيل الإنكار الملزم, الذي لا يشك في المخالف, وبه تبطل دعوى الروافض من أصلها (الانتصار للصحب ولآل: ص 28). أمّا ادعاؤهم من معارضة عمر لرسول الله (ص) بقوله : عندكم كتاب الله, حسبنا كتاب الله, وأنه لم يمتثل أمر رسول الله (ص) فيما أراد من كتابة الكتاب, فالرد على هذه الشبهة الواهية, أنّ عمر ومن كان على رأيه من الصحابة, ظهر لهم أن أمر الرسول بكتابة الكتاب ليس على الوجوب, وأنّه من باب الإرشاد إلى الأصلح, وقد نبه على هذا القاضي عياض (الشفا 2/887), والقرطبي (المفهم 2/559), والنووي (شرح النووي 11/91) وابن حجر(فتح الباري 1/209). ثمّ إنّه قد ثبت بعد هذا صحة اجتهاد عمر وذلك بترك الرسول (ص) كتابة الكتب, ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم ؛ لأنّه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف, ولهذا عد هذا من موافقات عمر(فتح الباري 1/209), كما أن قول عمر - رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله, رد على من نازعه لا على أمر النبي (ص), وهذا ظاهر من قوله: عندكم كتاب الله, فإن المخاطب جمع, وهم المخالفون لعمر في رأيه, كما أن عمر كان بعيد النظر, ثاقب البصيرة, سديد الرأي, وقد رأى أن الأولى ترك كتابة الكتاب, بعد أن تقرر عنده أن الأمر به ليس على الوجوب, وذلك لمصلحة شرعية راجحة للعلماء في توجيهها . أقول: منها شفقته على رسول الله مما يلحقه من كتابة الكتاب مع شدة المرض, ويشهد لهذا قوله: إن رسول الله قد غلبه الوجع, فكره أن يتكلف رسول الله ما يشق ويثقل عليه (الشفا 2/888), مع استحضار قوله تعالى: (( مَّا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ )) (الأنعام:38). وقوله تعالى: (( تِبيَانًا لِّكُلِّ شَيءٍ )) (النحل:89). قال النووي: وأما كلام عمر- رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث, على أنّه من دلائل فقه عمر, وفضائله ودقيق نظره (شرح النووي على صحيح مسلم (11/90), الانتصار للصحب والآل: ص (289, 290, 291, 292)). كما أن عمر كان مجتهدًا في موقفه من كتابة الكتاب, والمجتهد في الدين معذور على كل, بل مأجور لقول النبي (ص): ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران, وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) (البخاري رقم 7352). فكيف وقد كان اجتهاد عمر بحضور رسول الله (ص) فلم يؤثمه ولم يذمه به, بل وافقه على ما أراد من ترك الكتاب, وبهذا يظهر بطلان طعن الروافض على الصحابة في هذه الحادثة, وينكشف زيف ما قالوه في حقهم (الانتصار للصحب والآل: ص294, 295). *************************


الأخ امجد حسين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نقول وبالله التوفيق أولا : بما أنّ ألفاظ الرواية مختلفة مع كونها بنفس الدرجة من الصحة عندهم حيث يرويها البخاري بكلّ ألفاظها المختلفة هذه - فالحديث مروي بالمعنى قطعاً في أكثر طرقه, ومع كون الحادثة واحدة, فالصحيح منها والواقع هو لفظ واحد, وسائر الألفاظ رويت بتعديل لسبب أو لآخر, ومن الواضح أن سبب هذا التعديل والتحريف هو الحفاظ على كرامة الصحابة والخلفاء . ثانياً : أمّا قولهم بأنّ ذلك القول لم يثبت عن عمر, فهو خلاف الوجدان, وخلاف القرائن, بل وخلاف بعض الروايات, بل وتصريح المتعصب العنيد والراد الأوّل على الشيعة, وهو ابن تيمية حيث اعترف بأن القائل هو عمر, قال في منهاج سنته (6/24). وأمّا عمر فاشتبه عليه, هل كان قول النبي (صلى الله عليه وآله) من شدة المرض, أو كان من أقواله المعروفة ؟! والمرض جائز على الأنبياء ولهذا قال : أهجر؟ فشكَّ في ذلك, ولم يجزم بأنّه هجر, والشك جائز على عمر, فإنّه لا معصوم إلّا النبي (صىلى الله عليه وآله), لا سيّما وقد شكَّ بشبهةٍ ؛ فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كان مريضاً فلم يدر كلامه كان من وهج المرض كما يعرض للمريض؟ أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله وكذلك ظنَّ أنه لم يمت حتّى تبين أنّه قد مات, والنبي (صلى الله عليه وآله) قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة فلمّا رأى أنّ الشك قد وقع, علم أن الكتاب لا يرفعُ الشكَّ فلم يبق فيه فائدة.  وذكر مثل ذلك ونسب القول إلى عمر بن الخطاب كل من الإمام الغزالي في سر العالمين (ص21) وفي طبعة دار الآفاق العربية (ص40) والخفاجي في شرح الشفا (4/278) فإنكار ذلك إنكار للبديهي الواضح.  وأمّا ترجيح رواية الجمع (فقالوا ما شأنه أهجر؟) فهو مردود أيضاً حيث أننا بيَّنا أنّ الروايات متعددة الألفاظ, والحادثة واحدة, فترجيح إحداها وخصوصاً المرجوحة منها خلاف الإنصاف, وخلاف القواعد العلمية مع امتناع تكلم جمع مرة واحدة إتفاقاً مع قساوة الألفاظ . وقد صرّحت الكثير من الروايات أنّ أوّل من اعترض وتكلم هو عمر بن الخطاب لا غير, فقال : اللفظة التي تحولت إلى عدة ألفاظ (هجر, يهجر, أهجر؟ غلبه الوجع, غلب عليه الوجع) . ومَن ثمّ وقع التصريح بأنّ عمر هو رأس المعارضة حيث نصّت بعض الروايات على أن مَن رفض الكتابة قد قال : ما قاله عمر, ونصت الروايات أيضاً على وجود عمر, فقد قال وأشارَ ابنُ عباسٍ بذكاء إلى ذلك حيث قال (وفي البيت رجال فيهم عمر) . وقال أيضاً : (فقال عمر : إنّ رسول الله قد غلبه الوجع), فصرح بأنّ القائل هو عمر رغم أنّه روى مقالة عمر بالمعنى . ثمّ أشار بذكاء أيضاً لذلك بقوله : ( فمنهم من قال : قدموا ومنهم مَن قال ما قال عمر ) . بالإضافة إلى تصريحه في الروايات الأخرى أنّ القول هو : (إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر), أو (أهجر؟), أو (هجر), وليس (قد غلبه الوجع) مع تأدية هذه اللفظة الأخيرة لذلك المعنى أيضاً ؛ لأنّ تغلّب أو غلبة المرض على الشخص هو عينه معنى الهجر والهذيان مع وجود روايات تنسب قول عمر لجماعة . ويقول الراوي فيها : (فقال بعضهم إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن) راجع صحيح البخاري (5/138), وفي موضع آخر عنده (8/ 161) قال : ( قال عمر : إنّ النبيّ غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله), وفي نفس الوقت يروي البخاري في صحيحه (7/9) قول الراوي : (فقال عمر : إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) . فيتضح من التلاعب بالألفاظ واختلافها أن ابن عباس (إن سلمنا بصحّة كلّ الروايات) كان من الذكاء بمكان حيث أوصل بهذه الطريقة رسالته وروايته وحكايته عمّا جرى تماماً بتلك الصور المختلفة ظاهراً, ولكنّها مقصودة للحفاظ على نفسه, مع استطاعته توصيل ما جرى بصورة كاملة وواضحة لا تخفى على كلّ من تجرد عن الهوى . فلو قارنّا بين (فقال بعضهم) وبين (فقالوا) يتضح لنا عدم وجود فرق بينهما, فحينما يصرح بأنّ هذا البعض هو عمر, يفهم منه أنّه حينما يقول عن المعارضة : (فقالوا) يقصد عمر أيضاً خصوصاً مع النص الصريح بأنّ أوّل متكلم هو عمر, وأوّل معارض هو عمر, وأوّل من اختلف وتخاصم ورفض الكتابة هو عمر, مع التصريح بأنّ كلّ مَن تكلم بعد عمر (المعارض) قال نفس مقالته, كما تنصّ الروايات مثل رواية البخاري (8/ 161) تنقل رواية البخاري كاملة ص3 آخر ستة أسطر . فمن يتأمل أدنى تأمل في هذه الرواية يجزم أن المتكلم في تلك الروايات هو عمر أيضاً, ومن ينكر ذلك ينطبق عليه قوله تعالى : (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم )). واستبعاد من استبعد أنّ عمر هو القائل من باب حسن الظن بعمر حتّى مع مخالفة ذلك للدليل الواضح على خلافه, فقول وترجيح ابن حجر بأنّ القائل هو غير عمر, وإنّما هو أحد حديثي الإسلام من هذا الباب, وهو من الترقيع بمكان حيث أنّ المقالة هذه أطلقت على النبي (صلى الله عليه وآله) في بيته وبين أهله ونسائه وبعض المقربين والمتقربين, ولم يكن ابن أبي سلول حياً حتّى يرمى ذلك عليه, ومع إحسان الظن بعمر أنكر ابن حجر بسبب هذه الظروف وهذه الأسباب أن يكون عمر هو القائل, ورجّح عدم صدور مثل هذا الكلام, وهذا التشكيك, وهذا التحدي من عمر, فنسبه لمجهول من حديثي الإسلام مع كون المكان والزمان والظرف والقرآئن لا تساعد ولا تؤيد وجود مثل هذا الشخص الحديث الدخول إلى الإسلام وقيادته للمعارضة, ومنع النبي (صلى الله عليه وآله) من كتابة كتاب لا تضل الأمة بعده لو كتبه, مع تصريح الكثير من الروايات أنّ أوّل المعارضين, وقائد المعارضين, وأوّل المتكلمين كان عمر ليس رجل مجهول حديث الإسلام!! ثالثاً : وأمّا ترجيح صيغة الاستفهام في الهجر فهو ترجيح بلا مرجح, وبخلاف الضوابط والقواعد في ترجيح الأحاديث خصوصاً أنّ روايات (هجر, يهجر) في نفس قوة الأستفهام (أهجر) بل الواضح من روايات الأستفهام أنّها ترقيعية حفاظاً على كرامة السلف, وخصوصاً عمر, وإلّا فروايتا(هجر ويهجر) في البخاري ومسلم وبنفس سياق كلام ابن عباس بعكس رواية الاستفهام, فهي واضحة الأدراج من الراوي لعدم وجودها في الروايات الأخرى ومخالفتها لها, وكذلك لوضوح محاولة تقليل وتخفيف لهجتها, وتفريغ محتواها, وتسهيل تأويلها انقاذاً لموقف قائلها, وبالتالي فلا يمكن الجزم برواية الاستفهام كما قالوا هنا (ثانياً : الثابت الصحيح) . رابعاً : وأمّا دعوى إطلاق كلمة (يهجر أو أهجر؟) على سبيل الإنكار على من رفض واعترض, فإن كان ذلك حقاً, فهو ردّ على عمر ؛ لأنّ عمر هو الذي اعترض على كتابة الكتاب, وقال عن النبي (صلى الله عليه وآله) : (قد غلب عليه الوجع) وهو إتهام واضح لعمر بأنّه اتّهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجر بدليل إنكارهم عليه ذلك, واستفهامهم عن قصده, وترجيحهم لكونه يطعن برسول الله (صلى الله عليه وآله), ويعتقد بأنّه يهجر, فأنكروا اعتراضه عليه واستفهموا قصده كيف يهجر بأبي هو وأمي؟؟؟؟ وأمّا ظاهر العبارة وأقوال شارحيها فهو بعيد عن هذه الدعوى جملة وتفصيلاً, وهذا القول شاذ ولم يخطر إلّا في قلب القاضي عياض, فجعله تفسيراً محتملاً, ورجّحه القرطبي. وأمّا أكثر شراح الحديث فلم يرجّحوا هذا المعنى بل رجّحوا خلافه, وأنّه قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مع مساعدة سائر الروايات على ذلك, فيكون من الكذب الواضح والوقاحة والتدليس إطلاق قول : (فقد نصّ شراح الحديث على أن الاستفهام هنا جاء على سبيل الإنكار على مَن قال : لا تكتبوا)!!! فقد قال القاضي عياض كما رواه النووي في شرحه لمسلم (11/92) : وقوله : أهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا هو في صحيح مسلم وغيّر (أهجر؟) على الاستفهام وهو أصح من رواية من روى هجر ويهجر ؛ لأنّ هذا كلّه لا يصح منه(صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّ معنى هجر : هذى وإنّما جاء هذا من قائله استفهاماً للإنكار على من قال لا تكتبوا أي : لا تتركوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله), وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه ؛ لأنّه(صلى الله عليه وآله) لا يهجر, وإن صحَّت الروايات الأخرى كانت خطاً من قائلها قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي (صلى الله عليه وآله) من هذه الحالة الدالة على وفاته, وعظيم المصاب به, وخوف الفتن والضلال بعده, وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع, وقول عمر: حسبنا كتاب الله ردٌ على من نازعه لا على أمر النبي (صلى الله عليه وآله) والله أعلم. أمّا الحافظ إبن حجر العسقلاني فقد ذكر كلام القرطبي وعلّق عليه في (8/ 101) قائلاً : وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع, فأطالوا, ولخصه القرطبي تلخيصاً حسناً, ثمّ لخصته من كلامه وحاصلة : 1- أنّ قوله (هجر) الراجح فيه إثبات همزة الاستفهام... والهجر بالضم, ثمّ السكون الهذيان, والمراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به, لعدم فائدته, ووقوع ذلك من النبي(صلى الله عليه وآله) مستحيل ؛ لأنّه معصوم في صحته ومرضه ... وإذا عرف ذلك فإنّما قاله من قاله منكراً على من توقف في امتثال أمره وأحضره ما طلب, فإنّه لا يقول إلّا الحق؟! قال (القرطبي): وهذا أحسن الأجوبة, قال : 2- ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له, ولكن يبعده أن لا ينكره الباقون عليه مع كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل . 3- ويحتمل : أن يكون الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيراً منهم عند موته . 4- وقال غيره : ويحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنّه اشتد وجعه فأطلق اللازم وأراد الملزوم ؛ لأنّ الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ عن شدة وجعه.... ثمّ قال ابن حجر : (قلت) ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي, ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام, وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع قد يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله بجواز وقوع ذلك, ولهذا وقع في الرواية الثانية : (فقال بعضهم : إنّه قد غلبه الوجع) . ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد خلاّد عن سفيان في هذا الحديث (فقالوا : ما شأنه يهجر إستفهموه) . وعن ابن سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير : (إنّ نبي الله ليهجر) . ويؤيده : أنّه بعد أن قال ذلك استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام أي اختبروا أمره : بأن يستفهموه عن هذا الذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى أو لا ؟‍ إهـ . ونقول: إنّ من الواضح جداً في كلام ابن حجر هذا وكلّ عاقل ومنصف أن كلمة (غلبة الوجع) هي عين معنى (يهجر), ولكنها معدلة كما هو واضح لرفع اللوم عن قائلها, وفتح باب الاحتمالات في المراد منها, وماذا كان يقصد قائلها وما إلى ذلك, تعمية للحقيقة وتغطية على تصرفات السلف وأعمالهم وأقوالهم . وكذلك يتضح لنا بأن قول من قال أن كلمة (يهجر) أو (أهجر؟) لم يتفق الشارحون على كونها أطلقت من قبل من كانوا يأمرون بالكتابة, وكان استفهامهم إنكارياً على المانعين بل ها هو شيخ الشراح وخاتمتهم الحافظ ابن حجر يرجح القول الثالث من بين عدة أقوال قد قيلت في شرح هذه الكلمة ورد على من رجح ذلك القول المزعوم كما في السؤال! خامساً : وأمّا ادعاء كون (يهجر) لها معنيان : وأن احدهما مقبول وممكن, والآخر مختلف فيه, فهذا والله هو الرزية الكبرى والمصيبة العظمى, وإعادة التاريخ نفسه حيث أنَّ تجويزه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أعظم الكفر والاعتداء السافر بحقّ الله والرسول (صلى الله عليه وآله). كيف يدعي مسلم عصمة الأنبياء وخصوصاً خاتمهم وأشرفهم وهو ينسب إليه الهذيان؟! وكيف يرقع هذا الاعتداء ويشرعنّ وهو مخالف لأبسط الآداب والاحترام والتوقير لرسول رب العالمين؟! هل يرتضي هؤلاء المعصبون الذين أشربوا في قلوبهم العجل أن يطلقه أحد في حقّ أبي بكر حينما كان يملي كتابه ووصيته لعمر وهو يغمى عليه عدة مرات حين إملائه لتلك الوصية لعمر؟! فكيف يبرر هؤلاء ويحتملون جواز ورود ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ مع أنّ الرواية لا تحكي أبداً بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قد أغمي عليه حينما عصوه, فألغى الأمر ولم يجبرهم عليه, وطردهم لعصيانهم وتمردهم عليه, وعلى أمره حيث قال لهم : (قوموا عنّي)! حتّى وصف ابن عباس ذلك التمرد والرد على الله ورسوله بأنّه : (الرزية كلّ الرزية)!! فكيف يُدّعى بعد ذلك عدم الطعن على قائلها بأي معنى كانت!!؟ سادساً : وأمّا إعذار قائلها على أي معنى كانت لكونها صدرت عنه عن دهش وحيرة, فكلام باطل أيضاً حيث أنّه اعتداء صارخ مقصود حصل بعده نزاع بين الحاضرين بين موافق ومعارض لذلك القائل وإصرارهم على المواقف حتّى طردهم رسول الله (صلى الله عليه وآله), وأنكر موقفهم هذا أو كلامهم فيه, فقال لهم : قوموا عنّي فالذي أنا فيه فيه خير ممّا تدعوني إليه) . فلو كان قائلها معذوراً, لما طردهم رسول الله (صلى الله عليه وآله), ولما أطلق على ذلك حبر الأمة بأنّه رزية. فينبغي المنصف أن يرجح القول الرابع, وهو أنّ مَن قال عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنّه يهجر هو عين مَن قال قد غلبه الوجع, وقد نقلنا هنا الاحتمال آنفاً وميزناه بخط تحته وهو القول الرابع : (فأطلق اللازم وأراد الملزوم ؛ لأنّ الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ عن شدة وجعه). فلا مر من كون القائل هو عمر, وهذا القول هو الأرجح والأقرب للصواب والعقل والإنصاف والقرائن والظاهر . والاعتذار عن صاحبها ومطلقها أنّه قد أطلقها عن دهش وحيرة لا يستقيم ؛ لأنّ قائلها كان يقصدها, وفاقد الدابة سبقه لسانه ولم يقصد أبداً ما نطق به من شدة فرحه, فهذا قياس مع الفارق . سابعاً : وأمّا ادعاء عدم إنكار رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا القائل والممانع ولا أحد من الصحابة فهو زعم باطل أيضاً . فقد غضب وأنكر عليهم ذلك وقال لهم (قوموا عنّي) أي طردهم لعدم رضاه عن تصرفهم وقولهم فيه, وقد أكد ذلك الحافظ إبن حجر حين قال في فتحه (8/ 102): وقوله : (وقد ذهبوا يردّون عليه) يحتمل : أن يكون المراد يردون عليه أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها . ويحتمل : أن يكون المراد يردون عنه القول المذكور على من قاله. ثمّ قال ابن حجر : قوله (فقال دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه) . ويحتمل : أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير ممّا تدعونني إليه من الكتابة (قلت) (ابن حجر) : ويحتمل عكسه أن الذي أشرت عليكم به من الكتابة خير ممّا تدعونني إليه من عدمها بل هذا هو الظاهر إهـ. وبذلك يتبين : بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ردّ على من امتنع عن الأئتمار بأمره, وأطلق الهجر في حقه. وأمّا الصحابة والحضور فقد ثبت أنّهم أنكروا على الممتنع والقائل لذلك القول حيث أصروا على تقديم الكتاب, وأنكروا عليه قوله, وظاهر الروايات تثبت التشاجر, وقد نصّ ابن حجر على ذلك فقال في فتحه (8/101): وفي قوله في الرواية الثانية : (فاختصموا فمنهم مَن يقول قرّبوا يكتب لكم) ما يشعر بأنّ بعضهم كان مصمماً على الإمتثال, والردّ على من امتنع منهم, ولمّا وقع منهم الاختلاف, ارتفعت البركة, كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر, وقد مضى في الصيام أنّه(صلى الله عليه وآله) خرج يخبرهم بليلة القدر, فرأى رجلين يختصمان, فرفعت . فزَعمُ هؤلاءِ بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) ومَن وافقه على كتابة الكتاب لم ينكروا على قائلها, ولم يؤثموه, زعم باطل, والدليل على خلافه كما أوضحناه . ويكفي في إثبات إنكار النبي(صلى الله عليه وآله) على هؤلاء وتأثيمهم طردهم من بيته, ولم يفعل ذلك حتّى مع العاص الذي وصفه بقوله : ( بئس أخو العشيرة ), ولكنّه حينما دخل بيته ضحك في وجهه وأكرمه ولم يطرده!! فيتضح أنّ طرد النبي (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الممانعين هو إنكار واضح لفعلهم وقولهم, وعدم الرضا عن تصرفاتهم, وأن ما فعلوه كان عظيماً يستحقون معه الطرد وعدم الاحترام, فأوضح رسول الله (صلى الله عليه وآله) جرمهم ومعصيتهم, وكشفهم وفضحهم, فأوضح كلّ ذلك (صلى الله عليه وآله) لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد. ثامناً : وأمّا تصويب ما فعله عمر فهو أيضاً من الغلو المعهود في عمر حيث نكتفي برد الحافظ ابن حجر على هذا القول, ولا نزيد عليه حيث قال في فتحه (8/ 102) : وأمّا قول ابن بطال عمر أفقه من ابن عباس حيث اكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به وتعقب : بأنّ إطلاق ذلك مع ما تقدم ليس بجيد ؛ فإن قول عمر : حسبنا كتاب الله لم يرد أنّه يكتفى به عن بيان السنّة بل لما قام عنده من القرينة, وخشي من الذي يترتب على كتابة الكتاب ممّا تقدمت الإشارة إليه, فرأى انَّ الإعتماد على القرآن لا يترتب عليه شيء ممّا خشيه, وأمّا ابن عباس فلا يقال : في حقّه لم يكتف بالقرآن مع كونه حبر القرآن, وأعلم الناس بتفسيره وتأويله, ولكنّه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه, لكونه أولى من الاستنباط . والله أعلم . فطرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هؤلاء, وقول ابن عباس بعد عشرات السنين : (إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وكتابه الوصية), وبكاؤه الشديد, ولهجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصلاً التي تنصّ على أهمية الكتاب حيث قال : ( أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً) كيف يُدّعى بعد ذلك كلّه أن رأي عمر كان أصوب وأفقه ؟! فلا ندري كيف يمكن أن يوضح رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهمية هذا الكتاب الذي ينصّ لهم على أنّه عاصم لهم من الضلال تماماً, ثمّ يكتفي عمر بكتاب الله تعالى, ويترك ذلك الكتاب, ويسّفه أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله), ويعترض عليه, ويمنعه بقوة, ويطرده رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع من يتبعه في القول والامتناع ويقول لهم : (قوموا عنّي فإن الذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه), ثمّ يأتي الغلاة في عمر المقلدون لعمر وللحكومات ويزعمون أنّ عمر كان مصيباً موافقاً للحق وافقه ممّن قال : قدموا ((  فَإِنَّهَا لَا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) (الحج:46). ودمتم في رعاية الله