السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- ج ١٥- الصفحة ١٥٩: وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتب وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون (70)
التفسير : ذلك اليوم الذي تشرق الأرض بنور ربها: آيتا بحثنا تواصلان استعراض الحديث عن القيامة والذي بدأ قبل عدة آيات، وهاتان الآيتان تضمان سبع عبارات منسجمة، كل واحدة تتناول أمرا من أمور المعاد، لتكمل بعضها البعض، أو أنها تقيم دليلا على ذلك.
في البداية تقول: وأشرقت الأرض بنور ربها. وقد اختلف المفسرون في معنى إشراق الأرض بنور ربها، إذ ذكروا تفسيرات عديدة، اخترنا ثلاثا منها، وهي:
1 - قالت مجموعة: إنّ المراد من نور الرب هما الحق والعدالة، الذي ينير بهما رب العالمين الأرض في ذلك اليوم، حيث قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: " أي أضاءت الأرض بعدل ربها يوم القيامة، لأن نور الأرض بالعدل "¹. والبعض الآخر اعتبر الحديث النبوي (الظلم ظلمات يوم القيامة) شاهداً على هذا المعنى². فيما قال " الزمخشري " في تفسيره الكشاف: (وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل ويبسطه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات).
2 - البعض الآخر يعتقد أنه إشارة إلى نور غير نور الشمس والقمر، يخلقه الله في ذلك اليوم خاصةبالعدل ". والبعض الآخر اعتبر الحديث النبوي (الظلم ظلمات يوم القيامة) شاهدا على هذا المعنى².
3 - أمّا المفسر الكبير العلامة الطباطبائي أعلى الله مقامه الشريف صاحب تفسير الميزان فقد قال: إنّ المراد من إشراق الأرض بنور ربها هو ما يخص يوم القيامة من انكشاف الغطاء وظهور الأشياء بحقائقها وبدو الأعمال من خير أو طاعة أو معصية أو حق أو باطل للناظرين. وقد استدل العلامة الطباطبائي على هذا الرأي بالآية (22) من سورة (ق) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد. وهذا الإشراق- وإن كان عاما لكل شئ يسعه النور- لكن لما كان الغرض بيان مّا للأرض وأهلها يومئذ من الشأن خصها بالبيان. وبالطبع فإنّ هذه التفاسير لا تتعارض فيما بينها، ويمكن القول بصحتها جميعا، مع أنّ التفسيرين الأول والثالث أنسب من غيرهما.
ومن دون شك فإن هذه الآية تتعلق بيوم القيامة، وإن وجدنا بعض روايات أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) تفسرها على أنّها تعود إلى ظهور القائم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهي في الواقع نوع من التطبيق والتشبيه، وتأكيد لهذا المعنى، وهو عند ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تصبح الدنيا نموذجا حياً من مشاهد القيامة، إذ يملأ هذا الإمام بالحق ونائب الرسول الأكرم وخليفة الله الأرض بالعدل إلى الحد الذي ترتضيه الحياة الدنيا.
ونقل (المفضل بن عمر) عن الإمام الصادق (عليه السلام) " إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة "³.
—————————————————————————————-
1 - بحار الأنوار، المجلد 6، الصفحة 321.
2 - روح المعاني وروح البيان ذيل آية البحث.
3- إرشاد المفيد والخبر ذاته في تفسير الصافي ونور الثقلين في ذيل آيات البحث، ونفس المعنى، ورد في المجلد الثاني والخمسين الصفحة 330 من بحار الأنوار للمرحوم العلامة المجلسي، مع شئ من الاختصار.