ادريس بن عبد الله الرواحي - عمان
منذ 4 سنوات

 تاريخ مذهب الاباضية

أريد أن أعلّق على هذا الكلام المكتوب عن الإباضية : فإنهم لا يقولون بوجوب الخروج على الإمام الجائر, وإنما يقولون بالجواز, وهناك فرق كبير بين الوجوب والجواز, كما هو معروف لدى الجهال, فضلا عن طلبة العلم, وأنهم لم يتفردوا بهذا القول لوحدهم, وإنما وافقهم على ذلك الحنفية, فليتفكر من كان له عينان يقرأ بهما كتابات الإباضية أنفسهم لا ما كتبه عنهم غيرهم من غير الرجوع إلى كتب الإباضية, وهذا من الظلم والإجحاف بمكان, فتفكروا يا أولي الألباب, والله أعلم.


الأخ إدريس الرواحي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال العلامة الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (بحوث في الملل والنحل 5/264ـ266): يقول أبو الحسن الأشعري : (( والاباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف, لكنهم يرون إزالة أئمة الجور ومنعهم من أن يكونوا أئمة بأيّ شيء قدروا عليه بالسيف أو بغيره )) (مقالات الاسلاميين : 189). وربما ينسب اليهم أمر غير صحيح, وهو أن (( الاباضية لا يرون وجوب اقامة الخلافة )) (الاباضية بين الفرق الاسلامية لعلي يحيى معمّر : 53-54). إن وجوب الخروج على الإمام الجائر أصل يدعمه الكتاب والسنة النبوية وسيرة أئمة أهل البيت إذا كانت هناك قدرة ومنعة, وهذا الأصل الذي ذهبت إليه الاباضية بل الخوارج عامة, هو الأصل العام في منهجهم. ولكن نرى أن بعض الكتّاب الجدد من الاباضية الذين يريدون ايجاد اللقاء بينهم وبين أهل السنة يطرحون هذا الأصل بصورة ضئيلة. يقول علي يحيى معمر: إن الاباضية يرون أنه لابد للأمّة المسلمة من إقامة دولة ونصب حاكم يتولّى تصريف شؤونها, فإذا ابتليت الأمة بأن كان حاكمها ظالماً, فإن الاباضية لا يرون وجوب الخروج عليه, لا سيما إذا خيف أن يؤدّي ذلك الى فتنة وفساد أو أن يترتب على الخروج ضرر أكبر مما هم فيه. ثم يقول: إذا كانت الدولة القائمة جائرة وكان في إمكان الأمة المسلمة تغييرها بدولة عادلة دون إحداث فتن أكبر تضر بالمسلمين فإنهم ينبغي (إنّ الرجل لتوخّي المماشاة مع أهل السنة يعبّر عن مذهبه بلفظ لا يوافقه, بل عليه أن يقول مكان (( ينبغي )) (( يجب )))لهم تغييرها, أما إذا كان ذلك لا يتسنّى الا بفتن واضرار فإن البقاء مع الدولة الجائرة ومناصرتها في حفظ الثغور ومحاربة أعداء الاسلام وحفظ الحقوق والقيام بما هو من مصالح المسلمين واعزاز كلمتهم, أوكد وأوجب (الاباضية بين الفرق الاسلامية : 53ـ54). إن ما ذكره لا تدعمه سيرة الاباضية في القرون الأولى, ويكفي في ذلك ما ذكره المؤرخون في حق أبي يحيى عبد الله بن يحيى طالب الحق, قالوا : إنّه كتب الى عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة وإلى غيره من الاباضية بالبصرة يشاورهم بالخروج, فكتبوا اليه : إن استطعت ألا تقيم الا يوماً واحداً فافعل, فأشخص اليه عبيدة بن مسلم أبا حمزة المختار بن عوف الأزدي في رجال من الاباضية فقدموا عليه حضرموت, فحثوه على الخروج, وأتوه بكتب أصحابه, فدعا أصحابه فبايعوه, فقصدوا دار الامارة.... وأظن ان ما يكتبه علي يحيى معمر في هذا الكتاب وفي كتاب ( الاباضية في موكب التاريخ ) دعايات وشعارات لصالح التقارب بين الاباضية وسائر الفرق, خصوصاً أهل السنة, ولأجل ذلك يريد أن يطرح أصول الاباضية بصورة خفيفة, حتى يتجاوب مع شعور أهل السنة, تلك الاكثرية الساحقة. وأوضح دليل على أنهم يرون الخروج واجباً مع القدرة والمنعة بلا اكتراث, انهم يوالون المحكّمة الأولى ويرون أنفسهم اخلافهم والسائرين على دربهم, وهم قد خرجوا على عليّ بزعم أنه خرج بالتحكيم عن سواء السبيل. وأظن أنّ هذا الأصل اصل لامع في عقيدة الخوارج والاباضية بشرطها وشروطها, وإن التخفيض عن قوة هذا الاصل دعاية بحتة. والعجب أنه يعترف بهذا الاصل في موضع آخر من كتابه ويقول : (( إن الثورة على الظلم والفساد والرشوة وما يتبع ذلك من البلايا والمحن, إنما هو المنهج الذي جاء به الاسلام ودعا اليه المسلمين, ودعا المسلمون اليه, وقاموا به في مختلف أدوار التاريخ, ولم تسكت الالسنة الآمرة بالمعروف, الناهية عن المنكر, ولم تكفّ الأيدي الثائرة في أيّ فترة من فترات الحكم المنحرف... وقد استشهد في هذا السبيل عدد من أفذاذ الرجال, ويكفي أن أذكر الأمثلة لاولئك الثائرين على الانحراف والفساد : شهيد كربلاء الامام الحسين سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعبد الله بن الزبير نجل ذات النطاقين, وسعيد بن جبير, وزيد بن علي بن الحسين, وكلّ واحد من هؤلاء يمثّل ثورة عارمة من الأمّة المسلمة على الحكم الظالم, والخروج عليه ومدافعته حتى الاستشهاد )) (الاباضية بين الفرق الاسلامية 1/183). ودمتم في رعاية الله