السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لقد ذكرتم رفضكم لها لسببين، وبالإمكان الإجابة عليهما حسب الترتيب:
1- إشكال القول بالصدفة:
ولكني ذكرت رفضنا للقول بالغموض والصدفة وإنما تؤخذ النظرية كحتمال لكيفية بدء الخلق، فلا يصبح لدينا إشكال على ذاتها -لأنه بحث فيزيائي قابل للمراجعة- بل على من يلصق الصدفة بها. فمن يشرح ثم يقول في النهاية صدفة نقول له لو صحت لا إشكال عندنا في ذاتها ونحن نقول بالخالق.
2- إشكال أن الانفجار ليس خلقا:
ولكن الذي فهمته منها أنه قبل الانفجار بدرجة حرارة وكثافة عاليتين يستحيل على الذرة أو الجزيء أن يرتبطا كيميائيا، ولكن و في حين يستمر الكون بالتوسع بعد الانفجار تستمر درجة الحرارة بالانخفاض و عند درجة حرارة معينة يتم اندماج الجسيمات تحت الذرية الكوراكات مع بعض لإنتاج مثل البروتونات والنترونات وبالتالي الذرة وهكذا.
فالبداية انفجار ويتلوه تركب وتشكل.
وهنا إضافة على شكل نقاط:
1-في الرواية الامام(عليه السلام) سأله عن قصده: (..فعلك تزعم انهما كانتا رتقاً ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الاخرى، فقال نعم...).
وظاهر الرواية واضح أن الإمام لم يكن يسأل الشامي عن النظرية التي تشرحها كتب الفيزياء اليوم، وإنما كون الارض والسماء ملتزقتين ففصلت إحداهما عن الأخرى وكأنهما كانتا مصمغتين فأزيل الصمغ عنهما وانفكتا وهما على هيئتهما وإنما التغير أنهما أنفصلتا عن بعضهما فقط كما ينفصل التوأمان، وليس أنهما شيء واحد لا يتميز عن الآخر وأن التميز حصل في مراحل فيما بعد كما تقول النظرية، واعتقد أن هذا جدير بالتأمل فيه.
2- هل يوجد مانع بعد ذلك بالقول أن الآية لها أكثر من معنى وأن الرواية أخبرت عن أحد مصاديق الآية؟
3- إذا وجد المانع فأيضا هذا لا يستلزم بطلان النظرية بالضرورة، لأنه مع فرض أن الآية السابقة لا تتكلم عن خلق السموات والارض أصلا، ولكن هنالك آية أخرى أكثر دقة ووضوحا وانسجاما مع القول بأن السماوات والارض كانتا شيء واحد لا يختلف ثم تكونتا وتميزتا فيما بعد وهو قوله تعالى:(قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ( 9 ) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ( 10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ( 11 ) فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ( 12 ))(سورة فصلت)
ويقول السيد الطباطبائي في (الميزان) عند هذه الآيات: ((فقوله: {ثم استوى إلى السماء} أي توجه إليها وقصدها بالخلق دون القصد المكاني الذي لا يتم إلا بانتقال القاصد من مكان إلى مكان ومن جهة إلى جهة لتنزهه تعالى عن ذلك.
وظاهر العطف بثم تأخر خلق السماوات عن الأرض لكن قيل: إن { ثم } لإِفادة التراخي بحسب الخبر لا بحسب الوجود والتحقق ويؤيده قوله تعالى: { أم السماء بناها } إلى أن قال { والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها } فإنه يفيد تأخر الأرض عن السماء خلقاً.
والاعتراض عليه بأن مفاده تأخر دحو الأرض عن بناء السماء ودحوها غير خلقها مدفوع بأن الأرض كروية فليس دحوها وبسطها غير تسويتها كرة وهو خلقها على أنه تعالى أشار بعد ذكر دحو الأرض إلى إخراج مائها ومرعاها وإرساء جبالها وهذه بعينها جعل الرواسي من فوقها والمباركة فيها وتقدير أقواتها التي ذكرها في الآيات التي نحن فيها مع خلق الأرض وعطف عليها خلق السماء بثم فلا مناص عن حمل ثم على غير التراخي الزماني فإن قوله في آية النازعات: { بعد ذلك } أظهر في التراخي الزماني من لفظة { ثم } فيه في آية حم السجدة والله أعلم.
وقوله: { وهي دخان } حال من السماء أي استوى إلى السماء بالخلق حال كونها شيئاً سماه الله دخاناً وهو مادتها التي ألبسها الصورة وقضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميزاً بعضها من بعض، ولذا أفرد السماء فقال: { استوى إلى السماء }.
وقوله: { فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً } تفريع على استوائه إلى السماء والمورد مورد التكوين بلا شك فقوله لها وللأرض: { ائتيا طوعاً أو كرهاً } كلمة إيجاد وأمر تكويني كقوله لشيء أراد وجوده: كن، قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن })).انتهى النقل عن السيد الطباطبائي.
4- بل ما المانع في النظرية في حد ذاتها حتى وإن لم نجد شيء يدعمها أو ينفيها من القرآن الكريم أو الروايات، مع تذكيري مجددا برفض القول بالصدفة واخذ النظرية كاحتمال لطريقة وكيفية بدأ الخلق قد تصح وقد تخطئ، فهل يرد في هذا الفرض تصادم مع الدين؟
فما ترون مشكورين؟
الأخ صالح المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قد تقدّم منّا ان النظرية تعزو حصول الكون إلى سبب غامض غير الخالق، وهذا أمر لا يمكن قبوله في الإسلام لأنّ الله خالق كلّ شيء، وأمّا إذا قلتم: أن الخالق المنشأ للكون هو الله، ولكن الانفجار الكبير هو سبب وتفسير علمي لخلق الله، فهذا ليس واقع حال النظرية وكـأنّه إصلاح لها.
وينبغي أن يكون واضحاً: أن كلّ ماعدا الله تعالى فهو مخلوق، فإذا كان هناك انفجار كما تقول النظرية وبعدها حصلت البروتونات وغيرها، فكل ذلك بما فيه الانفجار خلق الله.
انه بعد تفسير الامام (عليه السلام) في الرواية بان الرتق عدم انزال المطر وانبات الحب والفتق بانزال المطر وانبات الحب لامجال للتأمل في الاية المباركة وتفسيرها بالتصاق السماوات والارض والانفصال بعدها. واذا كان هناك رأي آخر في تفسير الاية المباركة فينبغي ان يكون رأيا مطابقا لقواعد التفسير فان التفسير علم له قواعده وضوابطه ولا يمكن تحميل النظريات العلمية بما فيها من قبول ورفض على آيات القرآن الكريم.
أمّا آيات سورة فصلت فليس فيها دلالة على أنّ السماء والأرض كانتا ملتحمتين وإنّما تقول أنّ السماء كانت في حالة دخان قبل أن يكونها.
إنّ نظرية الانفجار الكبير لا تساعد الآيات القرآنية على قبولها وإذا قلتم أنّها نظرية علمية لتفسير نشوء الكون ونلتزم بأنّ الله خالق، فما المانع إذا قلنا أنّ النظرية في حد ذاتها لم تستطع أن تفسر كثير من الظواهر العلمية الكونية، لذا قال المختصون في علم الكون بنظرية جديدة استطاعوا من خلالها تفسير التحديات التي عجزت عنها نظرية الانفجار الكبير والنظرية الجديدة اسمها نظرية الانتفاخ الأبدي(eternal inflation theory )، وهذه معناه تراجع النظرية الأولى، ولعلّه يكشف عدم صحتها. (راجع كتاب modern cosmology edited by s bonometto ).
ودمتم في رعاية الله