logo-img
السیاسات و الشروط
مسلمة ( 25 سنة ) - العراق
منذ سنة

الحياة في القران الكريم

ما هو مفهوم الحياة في القران الكريم؟


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ج٩ ص ٤٤ و ٤٥: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ولرسول إذا دعاكم لما يحييكم). واللام في قوله: (لما يحييكم) بمعنى إلى، وهو شائع في الاستعمال، والذي يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الدين الحق وهو الاسلام الذي يفسره القرآن الكريم باتباع الفطرة فيما تندب إليه من علم نافع وعمل صالح. وللحياة بحسب ما يراه القرآن الكريم معنى آخر أدق مما نراه بحسب النظر السطحي الساذج فإنا إنما نعرف من الحياة في بادئ النظر ما يعيش به الانسان في نشأته الدنيوية إلى أن يحل به الموت، وهى التي تصاحب الشعور والفعل الارادي، ويوجد مثلها أو ما يقرب منها في غير الانسان أيضا من سائر الأنواع الحيوانية لكن الله سبحانه يقول: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وان الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت 64، ويفيد ذلك أن الانسان متمتع بهذه الحياة غير مشتغل الا بالأوهام، وأنه مشغول بها عما هو أهم وأوجب من غايات وجوده وأغراض روحه فهو في حجاب مضروب عليه يفصل بينه وبين حقيقة ما يطلبه ويبتغيه من الحياة. وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى وهو من خطابات يوم القيامة: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) ق: 22. فللإنسان حياة أخرى أعلى كعباً وأغلى قيمة من هذه الحياة الدنيوية التي يعدها الله سبحانه لعبا ولهوا، وهى الحياة الأخروية التي سينكشف عن وجهها الغطاء، وهى الحياة التي لا يشوبها اللعب واللهو، ولا يدانيها اللغو و التأثيم، لا يسير فيها الانسان الا بنور الايمان وروح العبودية قال تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه) المجادلة: 22، وقال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) الانعام: 122. فهذه حياة أخرى ارفع قدرا وأعلى منزلة من الحياة الدنيوية العامة التي ربما شارك فيها الحيوان العجم الانسان، ويظهر من أمثال قوله تعالى: (وأيدناه بروح القدس) البقرة: 253)، وقوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) الآية الشورى: 52، أنّ هناك حياة أخرى فوق هاتين الحياتين المذكورتين سيوافيك البحث عنها فيما يناسبها من المورد إن شاء الله. وبالجملة فللانسان حياة حقيقية أشرف وأكمل من حياته الدينية الدنيوية يتلبس بها إذا تم استعداده بالتحلي بحلية الدين والدخول في زمرة الأولياء الصالحين كما تلبس بالحياة الدنيوية حين تم استعداده للتلبس بها وهو جنين انساني. وعلى ذلك ينطبق قوله تعالى في الآية المبحوث عنها: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) فالتلبس بما تندب إليه الدعوة الحقة من الاسلام يجر إلى الانسان هذه الحياة الحقيقية كما أن هذه الحياة منبع ينبع منه الاسلام وينشأ منه العلم النافع والعمل الصالح، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياه طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل: 97. والآية أعني قوله فيها: (إذا دعاكم لما يحييكم) مطلق لا يأبى الشمول لجميع دعوته صلى الله عليه وآله وسلم المحيية للقلوب، أو بعضها الذي فيه طبيعة الاحياء أو لنتائجها التي هي أنواع الحياة السعيدة الحقيقية كالحياة السعيدة في جوار الله سبحانه في الآخرة. ومن هنا يظهر أن لا وجه لتقييد الآية بما قيدها به أكثر المفسرين فقد قال بعضهم: ان المراد بقوله: (إذا دعاكم لما يحييكم) بالنظر إلى مورد النزول: إذا دعاكم إلى الجهاد إذ فيه احياء امركم واعزاز دينكم. وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى الشهادة في سبيل الله في جهاد عدوكم فإن الله سبحانه عد الشهداء احياء كما في قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) آل عمران: 169. وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى الايمان، فإنه حياة القلب والكفر موته، أو إذا دعاكم إلى الحق. وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين لان العلم حياة والجهل موت والقرآن نور وحياة وعلم. وقيل: المعنى إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة والنعمة الباقية الأبدية. وهذه الوجوه المذكورة يقبل كل واحد منها انطباق الآية عليه غير أن الآية كما عرفت مطلقة لا موجب لصرفها عما لها من المعنى الوسيع. ودمتم في رعاية الله