مرتضى - بلجيكا
منذ 5 سنوات

 لا منافاة بين علمه تعالى وبين خلقه

لماذا خلقنا الله و هو الغني الحميد , قالوا لي في القرآن أتى (( ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) , أي خلقهم الله عز وجل للعبادة أو لأجل العبادة , ولكن الله لا يحتاج للعبادة بل هو يستحقها وهو الغني عن العالمين, أجابوني بان الله خلق الخلق ليصلوا من خلال العبادة إلى الله إلى كمال المطلق . ولكن هذا الحث نحو الكمال حاجة المخلوق ليس حاجة الخالق عز وجل, فلماذا خلقنا الله وهو الغني المطلق وليس له حاجة بنا أو بكمالنا أو تكاملنا . و إذا كان جوابكم هو أن الله فيّاض مطلق ، وامتناع وانقطاع الفيّاض عن الفيض نقص لا يليق به تعالى ، فالعبادة التي كلفنا بها يعود نفعها وريعها إلينا فقط ، والله غنيّ عن العباد ، إلا أن إنشاء الخلق وبسط الشريعة وتشريع الأحكام فهي أفعاله سبحانه . لم يكن الله سبحانه ، وما كان يليق به عدم المنّ بها لأنه كما قلنا قطع الفيض ، وهو نقصٌ ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . فنسئلكم تارة أخرى , ألا يستوجب هذا أن يكون هنالك مخلوقات بقدم الباري , حتى لا يكون هذا إنقطاعا للفيض كما مر, و لكن ذلك يستلزم تعدد القديم و أيضا بالنظر إلى روايات التي بيانها كان الله و لم يكن معه شيئ فهل يستلزم عدم وجود مخلوق في هذه الفترة , إنقطاعا للفيض ؟ إذ يجب لكل فيض مفاض و مفيض . أم هل هناك عملية خلق و إعادة بقدم الباري جل و على , هل مفاد هذه الآية تشير إلى هذا الأمر : إنه يبدؤ الخلق ثم يفعيده / وهذه عملية دوران بدون توقف للخلق . الآيات هي : (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده )) (( إنه يبدؤ الخلق ثم يعيده )) (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا انا كنا فاعلين )) !! (( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)) (( أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادرعلى أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه )) ...


الأخ مرتضى المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 1- ان مسألة علة أو فائدة الخلق تبحث مستقلة عن مسألة حدوث العالم. وقد ذكرنا هذا الأمر في أجوبة سابقة في هذا الباب، فراجع. 2- أما مسألة دوام الفيض وحدوث العالم، فهما وأن كانت مسألتين مستقلتين إلا أنه قد يتوهم بينهما ربطاً في ناحية من النواحي وترتب لاحداهما على الأخرى. ألا أن الحق ان لا تلازم بينهما. وذلك ان بعض المتكلمين قالوا أن علة حاجة المعلول إلى العلة هو الحدوث (أي الوجود بعد العدم) وردوا على الحكماء الذين ارجعوا علة الحاجة إلى أمكان الماهية بأن لازم قولكم قدم العالم الزماني وهو قول بتعدد القدماء. وأجاب الحكماء بأن العالم حادث ذاتي مسبوق بعدم ذاتي لأن مناط الحاجة هو الإمكان الذاتي للماهية وهو محفوظ في الماهية القديمة الوجود والماهية الحادثة. فهي في كلا الحالين تحتاج إلى علة موجودة لها متعلقة بها واجبة بالذات ولا يمكن أن ينقلب المعلول الممكن بالذات إلى واجب بالذات فهو محال. ونقضوا عليهم بنفس الزمان فلا معنى ان يكون الزمان وهو مخلوق من مخلوقات الله مسبوق بعدم زماني، وبعدم امكان تصور عدم زماني، فان أثبات زمان قبل حدوث الماهية الممكنة اثبات للحركة الراسمة للزمان وبالتالي أثبات متحرك تقوم به الحركة ولابد أن يكون جسماً وهو متكون من مادة وصورة وهو ماهية ممكنة فكلما كان هناك ماهية ممكنة فرض قبلها قطعة زمان وكلما فرض وجود قطعة زمان كانت هناك ماهية ممكنة فالزمان لا مسبوقة عدم زماني حتى يتحقق قبل حدوث العالم عدم زماني. ثم إنه لما كان كل ما عدا الواجب من وجود امكاني سواء كان مادياً او مجرداً عقلياً او غير عقلي محتاج إلى علة واجبة غنية بالذات تفيض عليه الوجود لكونه عين الربط والفقر، كان كل ممكن حادثاً بالذات، فالعالم بجميع اجزاءه أي كل الممكنات حادثة بالذات بمسبوقة الوجود بوجود الواجب تعالى. ثم انه بعد أن ثبتت الحركة المستمرة لعالم المادة والطبيعة وانها متجددة في كل آن آن ,أي أن له حدوثاً في كل آن فهو سيال الوجود، وهذه الحركة ترسم أمتداداً كمياً وكل قطعة من هذا الامتداد لها قبل وبعد وهذا الامتداد هو الزمان فلو أخذنا كل قطعة من هذا الامتداد العام وجدناها مسبوقة بعدم زماني فهي حادثة بحدوث زماني وحكم مجموع هذه القطع نفس حكم القطع فيكون عالم المادة والطبيعة حادث زماني. وأما دوام الفيض منه تعالى فلا يلزم دوام عالم الطبيعة بعد أن ثبت آنفاً أن حكم عالم الطبيعة حكم اجزاءه فهو حادث زماناً ولا يوجد دليل على ما يقوله بعض بتكرر وجود العالم. هذا. إلى هنا قد لخصنا لك البحث وسبكناه بعبارات غير معقدة جهد الإمكان وإلا فان المبحث يدرس ويفصل في الفلسفة ولك ان تطلع عليه على ذي اختصاص. ودمتم في رعاية الله

4