بندر - السعودية
منذ 4 سنوات

 لا منافاة بين علمه تعالى وبين خلقه

السلام عليكم سماحة العلامة ورحمة الله وبركاته أسأل الله أن يننفعني بعلمكم ويجعلكم الله ممن يهتدى بهم لواضح طريقه ويرزقني الله الاطمئنان واليقين على يديكم. نبدأ بعون الله البحث حول مسأة الخلق ببركة سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان ومن به وبولايته تقبل الأعمال. سؤالي يتعلق بنظرية الخلق أو مايسمى بالنشوء والارتقاء وسفينة نوح عليه السلام وسأطرحه على شكل نقاط حتى يسهل البحث: أولاً: يستند التطوريون في نظريتهم إلى السجل الإحاثي منذ ملايين السنيين حيث اكتشفوا كائنات شبيهة بالبشر ولكنها أقصر قامة وتختلف بعض الاختلاف عن البشر الحاليين ويدعون أنها هي الحلقة الوسطى بين القردة والبشر في تفصيل ليس هذا محله ولهؤلاء عدة نماذج يعتمدون عليها كإنسان جاوة وإنسان نبراسكا وبلتداون والأوتابينغا وإنسان رودولف ومن الاكتشافات الأخيرة الهيكل الذي عثر عليه في شرق أفريقيا وهو لسيدة أطلق عليه اسم لوسي ويروج الإعلام لهذه النظرية كثيرا حتى الإعلام العربي مع شدي الأسف وآخرها كان عرض العربية تقريرا عن عائلة تركية في جنوب تركيا خمسة من أفرادها يمشون على أربع كالدواب واستغل التطوريون هذا الخلل ليروجوا لادعاءاتهم بأن ذلك دليل على التطور وأن الإنسان في مرحلة من المراحل كان يستخدم أطرافه الأربعة للمشي قبل أن تنتصب قامته ويقف على رجليه ويستخدم يديه في الأكل والقتال وغيرها وأن هذه العائلة تمثل حلة انتكاسة في مسيرة التطور وأن الإنسان قد ينتكس ويرجع إلى أصول سابقة بدل أن يتطور. وقد تبنى النظرية بعض علماء الإسلام أو على الأقل لم يبدو أية معارضة في تقبلها في إطار إسلامي طبعا وبد الإيمان بأن التطور إن وقع قهو بإرادة الله كمثل المرحوم الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس سابقا وذلك في كتابه الرسالة الحميدية في أواخر العهد العثماني في بدايات القرن الميلادي الماضي ولعل الشيخ محمد عبده ممن تفهم النظرية أيضا ومن المفكرين الحاليين الدكتور المصري عبد الصبور شاهين والدكتور مصطفى محمود كما في كتابه القرآن محاولة لفهم عصري ومن علماء الشيعة الشيخ علي حب الله في كتابه الإسلام وتطور الأحياء والذي لم يمانع في تقبلها وإن كان لم يجزم في نهاية كتابه بصحة النظرية أو عدمها ولم أر من علماء الإسلام من اهتم بهذا الموضوع الاهتمام الكافي وأعطاه حقه إلا كاتب تركي يدعى هارون يحيى وله عدة مؤلفات في هذا الجانب كما له عدة أفلام وثائقية وبعدة لغات أوروبية بالإضافة للغات الإسلامية كالتركية والفارسية والإندونيسية والعربية, ويعد كتابه خديعة التطور أهم كتاب تناول فيه هذا الموضوع بإسهاب وبين فيه أساليب التطوريين في تبرير خدعهم وكيف أنهم استخدوا الكذب والتلفيق في دعم نظريتهم ولكن التطوريين مازالوا يجمعون المواد الأحفورية في سبيل دعم نظريتهم وكل يوم يعلن عن اكتشاف جديد في هذا المضمار وفي عدة دول ولعل كاتبا واحدا كهارون يحيى ليس باستطاعته أن يواجه تيارا بكامله له العديد من المعاهد التي تدعمه وتتبنى فكره في أمريكا وأوروبا وفي كثير من البلدان. وفي حين تصدى علماء الإسلام سابقا لمواجهة الفكر الإلحادي وبصورة كثيفة عن طريق الفلسفة تارة وعن طريق الكلام والعرفان تارة أخرى كما فعل ابن الخياط المعتزلي حين رد على الملحد ابن الراوندي الذي هاجم الإسلام وشكك في النبوة ووجود الله وكما فعل أبو حاتم الرازي حين رد على الطبيب الملحد أبي بكر الرازي في كتابه "معجزة النبوات" وكذا بقية الفلاسفة والمتكلمين كابن سينا والعلامة الحلي في الباب الحادي عشر ونصير الدين الطوسي وغيرهم هذا عدا عن مناظرات زعيم المذهب وإمام الفقهاء الإمام الصادق عليه السلام مع الملاحدة ومنكري النبوات والمعاد في عصره كعبد الملك الزنديق وابن أبي العوجاء الملحد إلا أنهم استهانوا بهذه النظرية ولم يوفوها حقها من البحث رغم أن الاستشكالات والحجج التي كان يطرحها الملاحدة لإنكارهم البعث والنبوات والأديان وإنكارهم حتى الله عز شأنه ماعادت تطرح من قبل ملحدي هذا العصر وإن كان بعضها مازال يلفى الاهتمام إلا أنهم يرتكزون على استشكالات جديدة كمثل نظرية التطور. ثانياً: يستند المنكرون للنظرية على عدة نقاط أهمها أن النصوص الدينية لا تذكر شيئا عن التطور وإنما تتحدث عن الخلق كما في قصة آدم عليه السلام وأنه خلق من طين كقوله تعالى (( إني خالق بشرا من طين )) وقوله (( من حمأ مسنون )) وقوله (( من طين لازب )) ولكن المساندين للنظرية يرفضون هذه النصوص بحجة أنها نصوص دينية والبحث علمي فلايمكن الاعتماد على نصوص دينية قابلة للتأويل قبالة الأبحاث العلمية المستندة على السجل الأحفوري وعناصر البحث العلمي الحديث فكيف نناقشهم إذن؟ بالإضافة إلى أن البشرية حسب النصوص الدينية كما يقول الشيخ علي الكوراني لا ترقى لأكثر من خمسين ألف أو سبعين ألف سنة على الأكثر بينما يرجعها التطوريون حسب ماتوصلوا إليه لملايين السنين فبعض الهياكل المكتشفة وبجانبها أدوات للصيد والسهام تتعدى ثلاثة الملايين سنة فكيف نحل هذا الإشكال؟ ومن أنكر النظرية أيضا من علماء الإسلام وهم الأغلب قال بأن النصوص الدينية صريحة في الخلق المباشر كما في الآيات السابقة وغيرها من النصوص الواردة عن أهل البيت وأن القول بأن الإنسان تطور عن قرد فيه إهانة للإنسان عامة وللرسل والأنبياء والأئمة خاصة بينما يقول تعالى (( ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) . ولكن من تقبل النظرية من المسلمين يحاول أن يأول هذه الآيات والنصوص بطريقة لا تتصادم مع القول بنظرية التطور كما يفهم من الشيخ حسين الجسر في كتابه الإيمان وكما يفهم من الشيخ علي حب الله في كتابه الإسلام وتطور الأحياء. ويذكر الشيخ حسين الجسر في كتابه المزبور بأن عددا من علماء الإسلام السابقين قد يفهم من كلامهم القول بالتطور كما قد يفهم من كلام ابن مسكويه وهو مؤرخ ومفكر شيعي ويذكر كذلك الشيخ علي حب الله بأن بعض الفلاسفة كالملا صدر الدين الشيرازي المعروف بالملا صدرا قد يفهم من كلامه القول بذلك. وفي معرض سرده للحجج التي يمكن الرد بها على من أنكر التطور يقول الشيخ علي حب الله بأن القول بأن الإنسان قد خلق من طين لايعني بأنه لم يمر بمراحل أخرى حتى أصبح بشرا فكونه تطور عن قرد والقرد تطور عن مخلوق آخر وهكذا حتى نصل للخلية الواحدة كما يزعم بعض أنصار التطور هو شبيه بخلق الإنسان من نطفة واحدة والتي تستقر في الرحم ثم تنقسم مكونة عدة خلايا وهكذا حتى يتكون البشر في بدايته وهو شبيه بيرسوع الضفدعة ثم يستمر في التكون حتى يكون إنسانا كاملا مع أن الله قد ذكر بأن خلق الإنسان من طين إلا أن ذلك لايعني تكونه من الطين مباشرة ثم أن النطفة والبويضة تتكونان من الغذاء أيضا والغذاء جاء من مكونات لأشياء أخرى بالإضافة إلى أن القول بأن الإنسان قد تطور عن قرد لا يعني إهانة المعصومين فمعلوم أن الإنسان تكون في أصله من نطفة قذرة كما يقول أمير المؤمنين والنطفة نجسة ومع ذلك لم يقل بأن ذلك إهانة كما أن التراب والطين والحمأ المسنون تدل على أن أصل الإنسان شيء حقير ويذكره الله بهذه الأوصاف حتى يعرف قدره ولا يتجبر أو يتكبر ولم يقل أحد بأن الحمأ السنون إهانة. ثالثاً: تذكر النصوص الدينية بأن الله قد أغرق الأرض بمن عليها ماعدا نوح عليه السلام ومن آمن معه وأن نوحا قد أخذ في سفينته من كل صنف زوجين من المخلوقات ولكن يستشكل الملحدون والزنادقة وأصحاب نظرية التطور على هذا الكلام بعدة إشكالات منها: ما مقدار حجم السفينة التي تستوعب هذا الكم الهائل من المخلوقات من أنعام ووحش وطير ونبات وأسمك وحشرات؟ ثم هل أخذ النبي معه في سفينته الديناصورات ذات الحجم الهائل والتي يتعدى بعضها حجم عمارة من عدة طوابق؟ هذا عدا عن أن أوصاف السفينة الواردة في النصوص لايمكن بحال أن تكون من الضخامة بحيث تستوعب كافة المخلوقات كما أن الآثار المتبقية والتي يزعم البعض أنها لسفينة نوح كما في روسيا وتركيا لا يمكن أن تستوعب هذا الكم الهائل. ولو قلنا بأن المخلوقات التي أخذها النبي معه كانت محدودة في عدد معين بحيث لا تشمل بقية المخلوقات من نبات وحيوان فمن أين جاءت بقية المخلوقات حينئذ؟ فلابد من أنها تطورت عن المخلوقات التي قبلها. ثم لوقلنا مثلا بأن نبي الله قد أخذ معه في سفينته زوجا من البقر وزوجا من الماعز وزوجا من الغنم وزوجا من الخيول وزوجا من الحمام وهكذا فمن أين جاءت بقية الأصناف؟ فالبقر مثلا له عدة أصناف وكل صنف له صفات تميزه عن الآخر فالبقر الأوروبي يمتاز مثلا بضخامة الجثة بينما البقر الآسيوي أصغر منه حجما وكذا الأغنام والماعز والخيول والحمام وغيرها من الحيوانات والتي ينقسم كل نوع منها لعدة أصناف متفاوتة في الشكل والحجم واللون فكأننا بقولنا هذا نؤيد نظرية التطور. رابعاً: يزعم التطوريون بأن مايسري على الحيوانات يسري على الإنسان فنحن نعلم يقينا بأن البشر جميعا قد نتجوا عن زوجين اثنين وهما أبونا آدم عليه السلام وأمنا وحواء ولابد من أن شكلهما كان واحدا بميزات واحدة وأن لغتهما واحدة ولا نعلم ماهي ثم تنوع البشر لعدة أعراق وأجناس وشعوب ويتكلمون عدة لغات بعدة لهجات ولكنات ولهم عادات مختلفة فهناك العرق الأسود مثلا والعرق المغولي والعرق القوقازي وفي كل عرق هناك عدة قوميات وشعوب. فالياباني مثلا والإندونيسي والهندي الأحمر هما من العرق المغولي ولهم جميعا صفات عامة متشابهة كحدة العيون ونعومة الشعر ولكن لكل منهم صفات تميزه عن الشعب الآخر فقامة الياباني أكثر طولا من قامة الإندونيسي وبشرته أكثر بياضا بينما بشرة الهندي الأحمر تشوبها حمرة ولذلك سماهم المكتشفون الإسبان ككولومبوس وغيره بالهنود الحمر عندما ظن أنه قد وصل إلى الهند بعد رحلته نحو الغرب عندما أقلع من أسبانيا. وكذا اللغات السامية من العربية والعبرية والبابلية والآشورية كلها تنحدر من مجموعة لغوية واحدة تسمى اللغات السامية ولها سمات لغوية متشابهة تدل على أصلها الواحد مثل الكتابة من اليمين إلى الشمال وتشابه تصريف الأفعال واكثير من الكلمات والجذور اللغوية فكلمة شمس بالعربية تقابلها شمش بالبابلية وهكذا. فكيف تنوع البشر من نوع واحد لأنواع مختلفة ولغات مختلفة وعادات مختلفة وكيف أصبح البشر شعوبا وأقواما متغايرة فإن ذلك لابد أنه ناتج عن التطور وبما أننا موحدون فلابد من القول بأن ذلك التطور تم بإرادة الله طبعا وبقدرته بينما يقول التطوريون بأن الحاجة والظروف البيئية والمناخية هي التي أدت إلى التطور فالأسود أصبح أسودا لأنه عاش في بيئة حارة والفأر طار وتحول إلى خفاش بسبب حاجته للطيران وهكذا. فهل يمكن القبول بنظرية التطور والنشوء والارتقاء تحت غطاء إسلامي؟ شكري الجزيل لكم سماحة العلامة لرحابة صدركم وآسف لطول السؤال ولكن هذا البحث معقد وله عدة جوانب لم يلق عليها الضوء بعد من قبل العلماء المسلمين


الأخ بندر المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد ذكر القرآن الكريم في آيات بينات ان الله سبحانه خلق آدم من الطين, والخلق يعني الابتداع والمباشرة في تكوين الشيء, وهذه الآيات كثيرة متكاثرة صرح بها القرآن  في مواضع مختلفة من السور وفي بعضها ما يشير إلى هذه المباشرة والعناية كقوله تعالى (( لِمَا خَلَقتُ بِيَدَيَّ أَستَكبَرتَ أَم كُنتَ مِنَ العَالِينَ )) (ص:75).. وأيضاً جاء في الموروث النبوي - سنة وشيعة - وأيضاً في الموروث الإمامي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ما يدل على مباشرة خلق آدم (عليه السلام) من الطين مباشرة ومن دون واسطة أو تطوّر. قال الإمام علي (عليه السلام) في (نهج البلاغة) 1/20 عند كلامه عن صفة خلق آدم (عليه السلام): (ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها, وعذبها وسبخها, تربة سنها بالماء حتى خلصت, ولا طها بالبلة حتى لزبت, فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول واعضاء  وفصول . أجمدها حتى استمسكت, واصلدها حتى صلصلت, لوقت معدود, وأمد معلوم, ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنساناً ذا ذهان يجيلها وفكر يتصرف بها, وجوارح يختدمها, وأدوات يقلبها, ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل.. (إلى آخر كلامه عليه السلام)). وجاء في الكافي للكليني 2: 5 بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم (عليه السلام) بعث جبرئيل (عليه السلام) في أول ساعة من يوم الجمعة, فقبض بيمينه قبضة, بلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا, وأخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله, ففلق الطين فلقتين, فذرا من الأرض ذرواً ومن السماوات ذرواً فقال للذي بيمنيه: منك الرسل والأنبياء.. (إلى آخر الرواية)). وفي رواية أخرى يذكرها الكليني في الصفحة السابعة من الجزء ذاته عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (( إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم (عليه السلام) أرسل الماء على الطين, ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ثم ذرأهم فإذا هم يدبون..)) (الرواية) وهكذا غيرها الكثير من الروايات التي يستفاد منها الخلق بالمباشرة من الطين دون التطور أو أن آدم (عليه السلام) كان نتيجة تحولات إحاثية أو ما شابه ذلك كما يدّعيه المدّعون. ولأجل هذا الموروث القرآني والحديثي والروائي عند المسلمين كان من المسلّمات عندهم أن الخلق كان من الطين مباشرة ولم تلق هذه النظرية أي نظرية التطور عندهم سوى الصدود والاستهجان والإهمال لأنها لا ترتقي إلى مستوى الدليل الذي يناهض ما عليه المسلمون في هذه المسألة من الاستناد إلى القرآن والسنة والتراث الكبير الذي يوضح بشكل لا لبس فيه بدأ الخلق لآدم (عليه السلام) من الطين وبكل تفاصيله. بل أنَّ هذه النظرية واجهت الردع والصدود في صفوف مجتمعاتها التي انبثقت منها ونعني بها المجتمعات الغربية, وقد تصدى لها مجموعة كبيرة من العلماء الغربيين يفتّدون ما جاءت به ويعدّون الأدلة التي تتحدث عنها هذه النظرية مجرد افتراضات ومغالطات وقد كشف بعض العلماء عن موارد الكذب والمغالطة اللتين يحاول إتّباع هذه النظرية التوسل بهما لنصرة نظريتهم هذه وفي هذا الجانب يمكن للمتابع أن يطالع ما عرّبه الدكتور أحسان حقي من مقالات غربية في الموضوع والتي طبعها تحت عنوان: خلق لا تطوّر). ودمتم في رعاية الله

6