تفسيرسورة الفيل
ماتفسير سورة الفيل وما قصة أصحاب الفيل وما سبب نزول السورة؟
هذه السورة - كما يظهر من اسمها - تشير إلى الحادثة التاريخية التي اقترنت بولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيها نجي الله سبحانه الكعبة من شر جيش كافر كبير تجهز من اليمن ممتطيا الفيل. هذه السورة تذكر الناس بتلك القصة العجيبة التي كان كثير من أهل مكة يحفظون أحداثها في ذاكرتهم لأنها وقعت في الماضي القريب. التذكير بهذه القصة فيه تحذير للكفار المغرورين المعاندين، كي يفهموا ضعفهم تجاه قدرة الله تعالى الذي أباد جيشا عظيما بطير أبابيل تحمل حجارة من سجيل، وهو سبحانه إذن قادر على أن يعاقب هؤلاء المستكبرين المعاندين. فلا قدرتهم أعظم من قدرة أبرهة، ولا عدد أفرادهم يبلغ عدد ذلك الجيش السورة المباركة تقول لكفار قريش: إنكم رأيتم الواقعة بأعينكم فلماذا لا تترجلون من مطية غروركم. وكان سبب النزول ورد عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: كان أبو طالب يضرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسيفه إلى أن قال: فقال أبو طالب: يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار، ولأدعون السنة فارس والروم فحيرت قريش واستكبرت وقالت: أما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا، فأنزل الله تبارك وتعالى: وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ إلى آخر الآية وأنزل في قولهم لقلعت الكعبة حجرا حجرا ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخر الآية | رذكر المفسرون والمؤرخون هذه القصة بأساليب مختلفة واختلفوا في سنة وقوعها. لكن أصل القصة متوافرة، ونحن نذكرها استنادا إلى الروايات المعروفة في " سيرة ابن هشام " و " بلوغ الأرب " و " بحار الأنوار " و " مجمع البيان " بتلخيص: " ذو نواس " ملك اليمن اضطهد نصارى نجران قرب اليمن كي يتخلوا عن دينهم (ذكر القرآن قصة هذا الاضطهاد في موضوع أصحاب الأخدود في سورة البروج، وبيناها بالتفصيل هناك). بعد هذه الجريمة نجا من بين النصارى رجل اسمه (دوس) وتوجه إلى قيصر الروم الذي كان على دين المسيح، وشرح له ما جرى. ولما كانت المسافة بين الروم واليمن بعيدة، كتب القيصر إلى النجاشي (حاكم الحبشة) لينتقم من (ذو نواس) لنصارى نجران، وأرسل الكتاب بيد القاصد نفسه. جهز النجاشي جيشا عظيما يبلغ سبعين ألف محارب بقيادة (أرياط) ووجهه إلى اليمن. وكان (أبرهة) أيضا من قواد ذلك الجيش. اندحر (ذو نواس) وأصبح (أرياط) حاكما على اليمن، وبعد مدة ثار عليه أبرهة وأزاله من الحكم وجلس في مكانه. بلغ ذلك النجاشي، فقرر أن يقمع (أبرهة). لكن أبرهة أعلن استسلامه الكامل للنجاشي ووفاءه له. حين رأى النجاشي منه ذلك عفا عنه وأبقاه في مكانه. و (أبرهة) من أجل أن يثبت ولاءه، بنى كنيسة ضخمة جميلة غاية الجمال، لا يوجد على ظهر الأرض مثلها آنذاك، وقرر أن يدعو أهل الجزيرة العربية لأن يحجوا إليها بدل (الكعبة)، وينقل مكانة الكعبة إلى أرض اليمن. ارسل أبرهة الوفود والدعاة إلى قبائل العرب في أرض الحجاز، يدعونهم إلى حج كنيسة اليمن، فأحس العرب بالخطر لارتباطهم الوثيق بمكة والكعبة ونظرتهم إلى الكعبة على أنها من آثار إبراهيم الخليل (عليه السلام). تذكر بعض الروايات أن مجموعة من العرب جاؤوا خفية وأضرموا النار في الكنيسة. وقيل إنهم لوثوها بالقاذورات، ليعبروا عن اعتراضهم على فعل أبرهة ويهينوا معبده. غضب أبرهة وقرر أن يهدم الكعبة هدما كاملا، للانتقام ولتوجيه أنظار العرب إلى المعبد الجديد، فجهز جيشا عظيما كان بعض أفراده يمتطي الفيل، واتجه نحو مكة. عند اقترابه من مكة بعث من ينهب أموال أهل مكة، وكان بين النهب مائتا بعير لعبد المطلب. بعث (أبرهة) قاصدا إلى مكة وقال له: ابحث عن كبير القوم وقل له إن أبرهة ملك اليمن يدعوك. أنا لم آت لحرب، بل جئت لأهدم هذا البيت، فلو استسلمتم، حقنت دماؤكم. جاء رسول أبرهة إلى مكة وبحث عن شريفها فدلوه على عبد المطلب، فحدثه بحديث أبرهة، فقال عبد المطلب، نحن لا طاقة لنا بحربكم، وللبيت رب يحميه. ذهب عبد المطلب مع القاصد إلى النجاشي، فلما قدم عليه جعل النجاشي ينظر إليه وراقه حسنه وجماله وهيبته، حتى قام من مكانه احتراما وجلس على الأرض واجلس عبد المطلب إلى جواره لأنه ما أراد أن يجلس عبد المطلب على سرير ملكه ثم قال لمترجمه أسأله ما حاجتك؟ قال عبد المطلب: نهبت إبلي فمرهم بردها علي فاندهش أبرهة وقال لمترجمه: قل له إنه احتل مكانا في قلبي حين رأيته، والآن قد سقط من عيني. أنت تتحدث عن إبلك ولا تذكر الكعبة وهي شرفك وشرف أجدادك، وأنا قدمت لهدمها؟! قال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه؟! عاد عبد المطلب إلى مكة، وأخبر أهلها أن يلجأوا إلى الجبال المحيطة بها، وذهب هو وجمع معه إلى جوار البيت ليدعو فأخذ حلقة باب الكعبة وانشد أبياته المعروفة: لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك جروا جميع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك ولا هم إن المرء يمنع رحله فامنع عيالك وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك ثم لاذ عبد المطلب وجمع من قريش بإحدى شعاب مكة وأمر أحد ولده أن يصعد على جبل (أبو قبيس) ليرى ما يجري. عاد الابن مسرعا إلى أبيه وأخبره أن سحابة سوداء تتجه من البحر (البحر الأحمر) إلى أرض مكة. استبشر عبد المطلب وصاح: " يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده ". من جانب آخر، توجه أبرهة راكبا فيله المسمى " محمودا " مع جيشه الجرار مخترقا الجبال ومنحدرا إلى مكة، لكن الفيل أبى أن يتقدم، أما حينما يوجهوه نحو اليمن يهرول، تعجب أبرهة من هذا وتحير. وفي هذه الأثناء وصلت طيور قادمة من جانب البحر كأنها الخطاطيف وهي تحمل حجرا في منقارها وحجرين في رجلها، بحجم الحمصة، وألقوها على جيش أبرهة، فأهلكتهم. وقيل: إن الحجر كان يسقط على الرجل منهم فيخترقه ويخرج من الجانب الآخر. ساد الجيش ذعر عجيب، فهلك منه من هلك، وفر من استطاع الفرار، صوب اليمن، وكانوا يتساقطون في الطريق. (أبرهة) أصيب بحجر، وجرح، فأعيد إلى صنعاء عاصمة ملكه، وهناك فارق الحياة. وقيل: إن مرض الحصبة والجدري شوهد لأول مرة في أرض العرب في تلك السنة. وقيل: إن أبرهة جاء بفيل واحد كان يركبه واسمه محمود. وقيل بل ثمانية أفيال، وقيل: عشرة، وقيل: اثني عشر. وفي هذا العام ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب الرواية المشهورة، وقيل إن بين الحادثتين ارتباطا. على أي حال، فإن أهمية هذه الحادثة الكبرى بلغت درجة تسمية ذلك العام بعام الفيل، وأصبح مبدأ تاريخ العرب (1). يخاطب الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية الأولى من السورة ويقول له: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ لقد جاؤوا بجيش جرار مجهز بالعدة والعدد ليهدموا الكعبة. والله سبحانه دحرهم بجيش في ظاهره صغير بسيط. وأباد الفيلة بطير صغير، وهدم الآلة الحربية المتطورة في ذلك الزمان بحجارة من سجيل. ليتضح ضعف هذا الإنسان المغرور المتكبر أمام قدرة الله. التعبير بجملة ألم تر في الآية، مع أن الحادثة وقعت قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو مقترنة بولادته، يعود إلى أن الحادثة المذكورة قريبة العهد من عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما إنها بلغت من الشهرة والتواتر وكأن النبي رأها بعينه المباركة. هذا إلى أن جمعا من معاصري الرسول كانوا قد رأوها بأعينهم. عبارة أصحاب الفيل إشارة إلى ما كان مع الجيش المهاجم من فيلة جاؤوا بها من اليمن ليرعبوا العرب وخيولهم (1). ألم يجعل كيدهم في تضليل؟! لقد استهدفوا الكعبة ليهدموها وليقيموا بدلها كعبة اليمن، وليدعوا قبائل العرب إلى حج هذا المعبد الجديد. لكنه سبحانه حال دون تحقق هدفهم، بل زاد الكعبة شهرة وعظمة بعد أن ذاع نبأ أصحاب الفيل في جزيرة العرب، وأصبحت قلوب المشتاقين تهوى إليها أكثر من ذي قبل، وأسبغ على هذه الديار مزيدا من الأمن. كيدهم إذن صار في تضليل، أي في ضلال حيث لم يصلوا إلى هدفهم. ثم تشرح الآيات التالية بعض جوانب الواقعة. وأرسل عليهم طيرا أبابيل. " أبابيل " لم تكن في لهجات العرب المعروفة اسما لطائر، بل إنها صفة، قيل إن معناها جماعات متفرقة. أي إن هذه الطير كانت تأتي على شكل مجموعات والكلمة لها معنى الجمع. وقيل: إن مفرده (أبابلة) وهي المجموعة من الطير أو الخيل أو الإبل، وقيل إن الكلمة جمع لا مفرد له من لفظه. على أي حال عبارة " طيرا أبابيل " تعني طيرا على شكل مجموعات. والمشهور أن هذه الطير كانت تشبه الخطاطيف قدمت من صوب البحر الأحمر في اتجاه أصحاب الفيل. ترميهم بحجارة من سجيل (1). وكما ذكرنا في قصة أصحاب الفيل، فإن كل واحدة من هذه الطير كانت تحمل ثلاث حجارات أصغر من الحمصة، واحدة في منقارها واثنين في أرجلها. وما أن تسقط هذه الحجارة على أحد حتى تهلكه. فجعلهم كعصف مأكول. و " العصف " هو النبات الجاف المتهشم، أي هو (التبن) بعبارة أخرى. وقيل إنه قشر القمح حين يكون في سنبله. والمناسب هنا هو المعنى الأول. وقال " مأكول " إشارة إلى أن هذا التبن قد سحق مرة أخرى بأسنان الحيوان، ثم هشم ثالثة في معدته، وهذا يعني أن أصحاب الفيل، قد تلاشوا بشكل كامل عند سقوط الحجارة عليهم. وهذا التعبير إضافة إلى ما له من معنى الإبادة التامة، يحمل معنى التفاهة والضعف مما صار إليه هؤلاء المهاجمون الطغاة المستكبرون والمتظاهرون بالقوة.