الأخ أبا حسن المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الموارد التي ذكروها كمنقبة لأولئك الثلاثة كلها مردودة عقلاً ونقلاً ودلالةً.
فنقول توضيحاً :
1- ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان لا يحتاج إلى أموال أبي بكر, إذ كان يكفله عمه أبو طالب (عليه السلام) قبل زواجه (صلى الله عليه وآله), وبعد تزويجه بخديجة (عليها السلام) كانت أموال خديجة (عليها السلام) تحت يده تغنيه, هذا كله قبل الهجرة .
وأما بعد الهجرة, فغاية ما يدعى أن أبا بكر جاء بستة آلاف درهم ـ وهي جميع ما كانت عنده من المال ـ من مكة إلى المدينة, وما عساها أن تجدي نفعاً لو أنفقها كلها ؟ وما هي قيمتها تجاه مصارف الدولة والحكومة الاسلامية آنذاك ؟
2- لو كان لأبي بكر هذه الأموال الطائلة ـ كما يقولون ـ أليس كان الأجدر به أن يصرف قسطاً منها لإغناء أو رفع فاقة أبيه ـ أبي قحافة ـ والذي كان أجيراً لعبد الله بن جدعان للنداء على طعامه! ( مثالب الكلبي ـ الاغاني لابي الفرج الاصبهاني 8/4 ( 8/342 ) ـ مسامرة الاوائل 88).
وأيضاً لو كان له ما حسبوه من الثروة لما رد الرسول (صلى الله عليه وآله) إليه ثمن الراحلة التي قدمها له ( صحيح البخاري 6/47 ( 3/1419 ح 3692 ) ـ تاريخ الطبري 2/245 ( 376 ) ـ سيرة ابن هشام 3/98 ( 2/131 ) ـ طبقات ابن سعد 1/213 ( 228 ) ـ تاريخ ابن كثير 3/184, 188 ( 225, 231 ) ), ولم يكن رد النبي (صلى الله عليه وآله) إياها الا لضعف حال أبي بكر من ناحية المال, أو أنه (صلى الله عليه وآله) لم يرقه أن يكون لأحد عليه منة .
3- متى كان إنفاق أبي بكر لثروته الطائلة !! على النبي (صلى الله عليه وآله) حتى كان به أمن الناس عليه بماله ؟! وكيف أنفق ولم يره أحد ولا رواه راو ولم يذكر التاريخ مورداً من موارد نفقاته ؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة مع أخذ ثمنها من الرسول (صلى الله عليه وآله) !
4- إن أمير المؤمنين (عليه السلام) تصدق بأربعة دراهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهراً, فنزلت آية في حقه (( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار ... المزید)) (البقرة:274), وتصدق بخاتمه فأنزل الله تبارك وتعالى (( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ...)) (المائدة:55), وأطعم هو وأهله مسكيناً ويتيماً وأسيراً, فنزل في حقهم (( ويطعمون الطعام على حبه ...)) (الانسان:8) .
ثم هل من المعقول أن ينفق أبو بكر بجميع ماله ولم يوجد له مع ذلك كله ذكر في القرآن ؟!!! إلا ان يقال : (( انما يتقبل الله من المتقين )) (المائدة:27) .
5- إن الروايات المنقولة في ثراء أبي بكر كلها مفتعلة وموضوعة سنداً !
فمثلاً ترى أنهم يروون عن عائشة أنها كانت تفتخر بأموال أبيها في الجاهلية ( ميزان الاعتدال 2/341 (3/375 ح 6823 ) ـ تهذيب التهذيب 8/325 ( 8/291 ), والحال أن عائشة لم تدرك العهد الجاهلي, كيف وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين! ( الاصابة 4/359 ح 704 ـ صحيح البخاري 3/1415 ح 3683 ـ تاريخ ابن عساكر 1/304 ), وهكذا حال الأحاديث الأخرى .
6- هل يعقل أن أبا بكر وعمر كانا صاحبي ثروة وقد أخرجهما الجوع ذات ليلة في المدينة طلباً للطعام !! ( صحيح مسلم 3/1609 ح 3799 ـ أعلام النبوة للماوردي / 220 ب 20).
7- من أين جاء عمر بأموال تزيد على حاجته حتى ينفق نصفها، وهو كان في الجاهلية إما راعياً( المحاسن والمساوئ للبيهقي / 275 ـ تاريخ المدينة 2/656 ), أو نخاساً للحمير ( نهاية الطلب للحنبلي )، أو حمالاً للحطب مع أبيه ( العقد الفريد 1/56, كتاب السلطان).
8- ان انفاق عثمان على جيش العسرة أيضاً هو من المواضيع المختلقة عندهم, إذ ذكره الرازي في تفسيره لآية (( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون... )) (البقرة:274) ( التفسير الكبير 7/45 ), وذكره آخرون في تفسيرهم لآية (( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار... )) (البقرة:262) ( تفسير الشوكاني 1/265 ( 294 ) ـ تفسير الآلوسي 3/48 ), والحال أن هاتين الآيتين هما من سورة البقرة, وهي أول سورة مدنية, وقد نزلت قبل غزوة تبوك وجيشها ـ جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع ـ بعدة سنين .
مضافاً إلى أن البيضاوي في تفسيره والزمخشري في كشافه يؤكدان نزول الآية الاخيرة في أبي بكر ( تفسير البيضاوي 1/141 ـ الكشاف 1/319 ), فكيف ينحل هذا التناقض !!
وهكذا الكلام في مكذوبة أبي يعلى الدالة على إنفاق عثمان بعشرة آلاف دينار في غزوة, إذ أن إسناده واه وجاء في تاريخ ابن كثير ( تاريخ ابن كثير 7/212, سنة 35).
ثم إن رواياتهم ـ على تقدير التسليم ـ تدل على تجهيز عثمان مائتي راحلة في غزوة تبوك, وكان جيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي خرج به يومئذ خسمة وعشرين ألفاً غير الأتباع, فما هي النسبة بين أولئك المجاهدين وبين مائتي راحلة ؟ ولماذا هذه المبالغة الكاذبة أنه ـ أي عثمان ـ جهز وأنفذ جيش العسرة !!
9- إن الانفاق عمل قصدي فيشترط في صحته نية القربة, وليس مجرد صرف المال, وفي المقام لا يوجد دليل نقلي موثق من قبل الله عزوجل أو الرسول (صلى الله عليه وآله) على تأييد إعطائهم الاموال من آية محكمة أو حديث معتبر, وكل ما في الامر بعض الروايات الموضوعة والضعيفة والمتعارضة فيما بينها لا تغني ولا تسمن من جوع .
10- الذي يقوى في النظر أن هذه الاكاذيب كلها قد وضعت في قبال فضائل أهل البيت (عليهم السلام) المسلمة عند الكل, ريثما يتوفر لأولئك الثلاثة وأشياعهم بعض الصلاحيات في تصديهم لأمر الأمة والامامة .
ودمتم في رعاية الله