انت محق تماما فيما قلته من ان النبي تبرأ من خالد بن الوليد لانه قتل اسرى بني جذيمة عندما قالوا صبأنا صبأنا و ان عمر عزله لان سيفه رهق و ان النبي لم يسمه سيف الله المسلول و انما سماه ابو بكر ليحافظ على الخلافة التي سرقها من علي بن ابي طالب...، لكن لماذا ولى النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد قيادة كتيبة بني سليم بعد واقعة قتله اسرى سرية بني جذيمة و لماذا ولاه النبي قيادة الجند في غزوة دومة الجندل بعدها ايضا الم يتضح للنبي مثلما اتضح لك ان خالد بن الوليد يعصي اوامره و لا ينفذها و لا يحافظ على قواعد الكتاب و السنة، لماذا لم يقم عليه النبي الحد مباشرة بعد غدره باسرى سرية بني جذيمة و قتله لماذا لم يطلب علي بن ابي طالب من الرسول اقامة الحد على خالد، و لماذا استبقاه النبي اساسا بعد ان اتضح له ان هذا الرجل ليس بمسلم و قاتل و سفاح لماذا لم يطرده اساسا و قال له اذهب بعيدا عني ارجو الاجابة عن سؤالي في ابقاء الرسول عليه و توليته القيادة و ان تفيض علينا من علمك الغزير
الأخ محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً: انت وجميع المسلمين تسلمون كما نسلم ونعتقد بان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحكم على الظاهر ويحاسب عليه دون البناء والحكم على علمه بالنوايا والبواطن وما يخفيه الصحابة والناس جميعا ولذلك كان (صلى الله عليه وآله) يردد ويحذر كثيرا بقوله (صلى الله عليه وآله): (لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق اخيه شيئا بقوله فانما اقطع له قطعة من النار فلا يأخذها) البخاري ومسلم.فحينما يتظاهر خالد وغيره بالاسلام ويعتذر حينما يعمل القبائح والجرائح بانه لم يقصد ذلك فان رسول الله يماشيه ويصدقه ظاهرا كما وصفوه (صلى الله عليه وآله) بقبول اقوال الناس وعدم تكذيبهم مهما قالوا حينما قال تعالى عنهم: (( وَمِنهُمُ الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُل أُذُنُ خَيرٍ لَكُم يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ )) (التوبة:61). وقوله تعالى: (( وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ )) وقوله تعالى قبلها: (( إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيمَانَهُم جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ )) (المنافقون:1-2). واوضح المصاديق هو تعامله (صلى الله عليه وآله) مع رأس المنافقين عبدالله بن ابي سلول كما سيأتي ذكره مفصلا.وقد استدل الجمهور بعدم حكمه (صلى الله عليه وآله) بعلمه بما رواه احمد في مسنده 6/232: ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم كذا وكذا فلم يرضوا قال فلكم كذا وكذا فلم يرضوا قال فلكم كذا وكذا فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا رضيتم قالوا لا فهم المهاجرون بهم فامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يكفوا فكفوا ثم دعاهم فزادهم وقال أرضيتم قالوا نعم قال فاني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أرضيتم؟! قالوا: نعم) وصححه الالباني على شرط الشيخين كما في ارواء الغليل.وهذه القصة تثبت معاملة النبي (صلى الله عليه وآله) للناس عند الخصومة والخلاف بالظواهر لما كان يعلمه (صلى الله عليه وآله) من كذبهم فهو يعلم انهم رضوا سابقا ولكنه حينما انكروا رضاهم عرض عليهم عروضا جديدة ولم يقل لهم انكم رضيتم بما اتفقنا عليه سابقا!.
ثانياً: نعتقد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتصرف بوحي وعصمة في كل تصرفاته وقراراته ولذلك لا يمكن لاحد ان يعترض على أي تصرف له (صلى الله عليه وآله) مع احد ولذلك كان (صلى الله عليه وآله) يعمل بالتقية والمداراة مع كثير من الصحابة والمنافقين والفاسقين لمصلحة هو يعلمها كما فعل مع مخرمة بن نوفل او عيينة بن حصن كما في البخاري ومسلم حين استأذن بالدخول على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لعائشة عنه: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو قال أخو العشيرة فلما دخل عليه ألان له القول ( وفي لفظ: انبسط اليه وكلمه، وفي لفظ اخر: فاقبل عليه بوجهه حتى ظننا ان له عنده منزلة) (ثم انكرت عائشة فعل رسول الله وتناقضه معه بالتصرف ظاهراً فسألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك) قال (صلى الله عليه وآله): ان شر الناس من تركه الناس او ودعه الناس اتقاء فحشه.وهذا يدل على مداراة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع بعض الصحابة اتقاء شرهم وعدم معاملتهم بما يستحقون.
ثالثاً: وكذلك تصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع رأس الكفر والنفاق ابن ابي بن سلول في زمان صحبته وحتى بعد مماته فقد تجاوز وصرح بالكفر واظهر الاذى والتمرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الاسلام طيلة حياته كما فعل حين ارجع ثلث الجيش الاسلامي في غزوة احد فتخاذلوا وانسحبوا ولم يقاتلوا ولم ينصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك قال (لان رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل) ويقصد بالاعز نفسه وبالاذل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاشاه.وكذلك في حادثة الافك فانه كان على رأس العصبة الذين طعنوا في عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وروجوا لزنا احدى ازواج النبي (صلى الله عليه وآله) ومع ذلك فقد عامله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسنى ولم يقم عليه حدا ولم يقبل ان يقتله اصحابه بل صلى عليه بعد موته بل لفه في قميصه حيث روى البخاري ومسلم عن جابر قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه).وهل ما فعله خالد اعظم من سوء افعال وجرائم ابن ابي بن سلول حتى تستغربوا من سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على خالد وعدم معاملته بالشدة والغلظة والعقوبة والردع؟! فوالله لو فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما فعله مع ابن سلول مع أي صحابي اخر غيره لجعلتموه اعظم صحابي وافضل مخلوق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!.
رابعاً: قد ولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل عمرو بن العاص - وافعاله وشخصيته اسوء من خالد - على سرية كان فيها ابو بكر وعمر وكبار المهاجرين والانصار فلا يمكن القياس على تولية امثال خالد وعمرو واسامة بانهم اولياء او فضلاء او صالحون بدليل طعن الصحابة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض ولاته كما فعلوا حين ولى عليهم زيد بن حارثة ومن بعده اسامة بن زيد فلو كان كل من يوليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوق المعصية وفوق الشبهات لما اعترض الصحابة على من يوليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باستمرار وطعنوا فيهم مع عدم فعلهم لشيء اقل مما فعله خالد؟!.بالاضافة الى تولية رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما نقلوا عمرو بن العاص على عمان وبقاءه عليها حتى مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع كون عمرو بن العاص لا يمثل شخصية محترمة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ولى وعامل بالحسنى الكثير من الطلقاء ولذلك اعترف عمرو بن العاص ان صحبته للنبي (صلى الله عليه وآله) وقربه الزماني والمكاني منه (صلى الله عليه وآله) لا يمثل الرضا والقبول وصك الغفران! كما ظنها بعض الناس حين رأوا جزع ابن العاص عند موته فقالوا له: قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستشيرك ويؤمرك على الجيوش فقال: وما يدريكم لعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتألفني بذلك. اخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه 8/357.وفي لفظ عند احمد في مسنده 4/199 قال: (جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا فلما رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك؟! قال: أي بني قد كان ذلك وسأخبرك عن ذلك اني والله ما أدري أحبا ذلك كان أم تالفا يتألفني ولكن اشهد على رجلين انه قد فارق الدنيا وهو يحبهما ابن سمية وابن أم عبد فلما حدثه وضع يده موضع الغلال من ذقنه وقال اللهم (أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا الا مغفرتك وكانت تلك هجيراه حتى مات) وقال الهيثمي 9/353: قلت: في الصحيح طرف منه رواه احمد ورجاله رجال الصحيح.
ومنه يتضح ان التولية والتأمير ليس صك غفران ولا توثيق ولا تعديل ولا مكرمة وانما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع واقعة وما هو موجود ومتوفر لديه من امكانيات حتى تعامل مع مثل عبد الله ابن ابي ابن سلول ومثل معاوية وابي سفيان وعمرو بن العاص وابي هريرة وخالد بن الوليد الذي تسأل عنه مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم وجود موقف من النبي (صلى الله عليه وآله) في صالحهم كما فعل مع زيد بن حارثة واسامة بن زيد ابنه وغيرهم ممن ولاهم واعترضوا عليهم فدافع عنهم واكد جدارتهم في تلك الامرة والولاية وانهم خليقون بها ويستحقونها بخلاف امثال من ذكرنا فلم يصح عنه (صلى الله عليه وآله) انه دافع او نافح او مدح هؤلاء بل ثبت العكس احيانا او فقل غالبا كما قال في حق خالد بعد ان رفع يديه: اللهم اني ابرأ اليك مما صنع خالد مرتين. (رواه البخاري) والله العالم.ودمتم في رعاية الله