رامي العلي - سوريا
منذ 4 سنوات

 التناسخ والحلول والتشبيه

السلام عليكم شاهدت محاورة تنسب للإمام موسى الصدر مع أحد الذين يعتقدون في التقمص وحسب هذه المحاورة فقد عجز الإمام عن رد أدلتهم وأنا متأكد أنها لا أصل لها ولكن أريد من سماحتكم تفنيدها لي والرد عليها ************************* (محاورة بين الإمام موسى الصدر و مرعي الحمدو ) ومنشورة بعنوان آخر (محاورة بين شاب علوي وإمام شيعي ) وأفضل العنوان الثاني حتى لا ندخل بحوار جانبي آخر حول هوية المتحاورين . فأخبرنا عن التناسخ ولك الفضل بذلك, فسكتّ مدّة خمس دقائق ولم أجب وكلّهم ينظرون إليّ, فقال الإمام : لمَ لا تجيب عن سؤالي, فقلت : إن قلت لا يوجد في العلوية من يعترف بالتناسخ أكون قد ضيّعت الثقة التي وضعتها بي, وإن قلت لك نعم يوجد من يقرّ بالتقميص وهذا شيء صعب لا يقبله العقل, ولكن امتثالا لأمرك ووقوفا عند ثقتك لا أنكر عنكم شيء, نعم يوجد قسم من العلويين يعترف بالتناسخ,فصاحت الجليسة كلها : لاه لاه ... غيّرتوا رأينا فيكم بهذه السخافة, وقال الإمام : شكرا لقد قلت الصحيح, ولكن هل أنت من هذه الجماعه الذين يقرّون بذلك ؟ فقلت : لا يا سيّدي إنني ممن يخاصم ويناقش هذه الفكرة في كلّ مكان, فقال الإمام : عفارم وكذلك كان ظني بك, ثمّ قال : هل شاهدت جماعات منهم وناقشتهم بذلك ؟ قلت نعم وهم كثيرون,فقال :هل في البلد الذي أنت فيه منهم أحد ؟ فقلت له: نعم, قال : كم عدد نفوس البلده التي أنت منها ؟ قلت له : ألفي نسمة, قال لي : رأيت العجب, إذن بلدتكم قرية ؟! قلت : نعم, قال هو ذا تعجّبي حيث كنت أظنّ بك وبأمثالك أن تكونوا كفؤاً لمنطقة برمّتها وهذه قرية صغيره يوجد فيها هذه الفرقة ولم تقدروا أن تردّوهم عن هذا التيه والضلال ؟ ! فقلت له : يا سيّدي لا قدرة لنا عليهم, فقال : ما السبب ؟ يعني هم أقوى منكم ؟ قلت له : يا سيّدي ما هي قضيّة قوّة, قال : كيف تقول إذن لا قدرة لنا عليهم ؟ قلت : مما يقدمونه لنا من الحجج الدامغة والروايات البالغة والأحاديث النابغة وفيها كلّها يقيمونا ويقعدونا عجزا, والآن اشهدوا عليّ أيّها السادة الحاضرين أنني أطلب من فضيلة الإمام أن يعطيني معلومات مختصرة وحجة مفيده كي نصدّهم بها عن هذا التيه والضلال ولك الفضل أن تكون لي سيّدا ومن الفخر أن أكون لك تلميذا وأقول لهم هذه الأجوبة من السيّد الإمام موسى الصدر, فلمّا قلت له هذا الكلام قال الجميع : يا شيخ هذا الرجل صار له الحقّ عليك, فقال الإمام : تكرم ياأخي وهذا واجبي ولكن بيّن لنا هذه الحجج البالغة التي يقابلونكم بها, قلت : الحجج عديده, قال: ما هي ؟ قلت : الحجة العقلية الحجة التجريبية الحجة القرآنية الحديث النبويّ وفي كلّ حجة من هذه الحجج يفحمونا فبأيّ حجة تريد أن أقول وأقدّم لك منها, قال الإمام : أقوى وأسند حجة هي عندي الآيات القرآنية, فما هي الآيات التي قدّموها لكم بذلك ؟ قلت آيات عديده منها : قوله تعالى : (( يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك* في أيّ صورةٍ ما شاء ركّبك )) وقوله تعالى : (( ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروجٍ من سبيل (( وقوله تعالى : (( كونوا قردةً وخنازير خاسئين )) وقوله تعالى : (( وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت )) وقوله تعالى : ((ثمّ لتركبنّ طبقاً عن طبق )) وقوله تعالى : (( وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٌ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون )) وآيات كثيرة فأرجوك أن تعطيني الجواب عن هذه الآيات الكريمه ولكم الفضل . فقال الإمام : يا بنيّ هذه الأجوبة بحول الله هيّنة, أما قوله تعالى: (( وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم )) يعني كلّ جنس مع جميع الأجناس أمّة أمثالكم . قلت له : كيف ذلك يا سيّدي ؟؟ قال : أمة الطير أمّة, وأمّة الماعز أمّة, وكلّ جنس من هذه الأجناس أمّة وكلّهم يأكلون ويشربون ويتناسلون مثلكم, فقلت له : يا سيّدي وغير ذلك, فقال : والسلام, فقلت : هذا آخر جواب عندك ؟ قال نعم لا عندي ولا عند غيري في العالم, فسكتّ ثمّ وضعت يدي على جبيني وقلت : لا فائدة إذن في صدّهم عن هذا التيه والضلال فالآن مع احترامي لسيّدي الإمام أصبحوا غير مبالين بأحد في العالم لأنني عندما أجبتهم بهذا الجواب قالوا لي عند مناقشتي معهم : لماذا سمّيت الأمّة أمّة ؟ أليس لأنّ لها إماماً تأتمّ به ؟ فقلت : ما هو شرط, فقالوا لي :أما قرأت : (( يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم )) يعني يوم البعث والنشور, وهل نزل القرآن إلا لمحمّد ؟ وهل كان خطاب الباري تعالى إلا لسيّدنا محمّد حيث قال: (( أمم أمثالكم ثمّ إلى ربّهم يحشرون (( فالذين يحشرون هم غير البشريّة ثمّ قالوا لي : جاوب عن ذلك إن كنت ذي حجّة, هل يمثّل سيّدنا محمّد بالأجناس هو وأمّته ويقول الباري تعالى عن الكلاب والقرود والخنازير والأفاعي والوحوش والحمير (( أمم أمثالكم ثمّ إلى ربّهم يحشرون )) وهل يحشر ويحاسب غير الأمم ؟ وهل سمّيت أمم بلا إمام ؟ وإذا كانوا إليها يحشرون فيما يحاسبهم الباري تعالى ؟ وبما يثابون ؟ وبما يعاقبون ؟ وبماذا أمرت الكلاب وعمّا نهيت ؟ جاوبنا عن ذلك إن كنت من المنصفين ؟ فوقفت يا سيّدي ولم أقدر على الجواب فلو كنت أنت المسؤول فبماذا تجاوب ؟ وإذا تقاتلت الكلاب يقولون : أرسلوا إمامهم ليصلح بينهم وهم يستهزئون فهل عندك حجّة على ذلك ؟ فقال الإمام الصدر : لا عندي ولا عند غيري والجواب معهم صعب على هذا النحو ولا بدّ أن يكون عندهم أعظم من هذا . قلت يا سيّدي : والآية التي يقول الله تعالى فيها : (( يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك * في أيّ صورةٍ ما شاء ركّبك )) أعطني الجواب الشافي . فقال : في أيّ صورةٍ ما شاء ركّبك يعني كيفما أراد يركّب الإنسان : أسود, أبيض, أشقر, فهذا معناهما وربنا أعلم, قلت سيّدي قلنا لهم هكذا فردّوا علينا ردّاً صعباً . قال كيف؟؟؟ قلت : قالوا هذا الكلام يخالف ما جاء به القرآن لأن القرآن يقول توبيخا (( ياأيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك * في أيّ صورةٍ ما شاء ركبك )) أي عدلك عن الصورة الأولى الصورة البشرية لأيّ صورة من هذه البشريّة, هل قال بأيّ لون ما شاء ركبك ؟ أو بأيّ شكل ؟ أو بأي هيئة ؟ بل قال الله بأي صورة فالصورة البشريّة كلّها صورة واحدة, وصورة البقر كلّها صورة واحدة, والخنازير كذلك والقرود, ...الخ وكلّ نوع من المخلوقات مختصّ بصورة, فكيف تحوّلون المعنى عن موضعه ظاهراً عياناً وبياناً وهذا العجب العجاب منكم تحوّلون المعنى عن معناه, فلم نستطع الردّ, فقال الحاضرون للإمام : إنّ كلامهم لهو الحقّ المبين والصورة البشريّة صورة واحدة فهل عندك جواب على كلامهم ؟ أجب الرجل, قال الإمام الصدر : لا ما عندي وما ولا عند غيري من العالم, قلت : والآية التالية قوله تعالى: (( ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل )) ما هو الجواب ؟ قال : يعني نموت الآن ثمّ يحيينا يوم البعث ثمّ يحيينا بعد فتكون ميتتين اثنتين, فقلت : يا سيّدي قلنا لهم ذلك فما قبلوا بهذا حيث قالوا : إنّ الذين يقولون هذا القول جاري الموت عليهم مرّات والحياة مرّات قبل البعث والنشور ثمّ إن كلامهم ماضٍ في الزمن الماضي فهل صارت قيامة وبعث ونشور ؟ فقلنا : لا, قالوا : كيف تقولون يميتنا ثمّ يحيينا يوم البعث والنشور ؟ وهؤلاء القائلين ربّنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروجٍ من سبيل, فكيف جوابكم ؟ فوقفنا محجورين, فهل عندكم جواب لذلك غير هذا الجواب, فوقف الإمام وقال الحاضرون : بيدهم الحقّ إمّا أن تعطيهم الجواب المقنع وإلا فالتناسخ حقيقةٌ واقعة, فقال الإمام : صحيح ما صار بعث ولا نشور ولكن القرآن فيه محكم ومتشابه, فقلت له سيّدي قلنا لهم القرآن يدلّ على ماضٍ وآتٍ, فقالوا لنا نعم لكن ليس في هذا الموضع بل القول واضح إنّه ماضٍ حيث يقولون : ربّنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ولم يقولوا ويحيينا وسوف يميتنا فهذا كلام ما له تعريف أبدا وقد أفحمونا فكيف سنقنعهم ؟ أرجو منك الجواب الوافي, فقال له شيخ من الحاضرين : حقّاً إنها مشكلة ولهم الحقّ بالاحتجاج, ثمّ قلت : سيّدي والآية : (( كونوا قردةً خاسئين )) والآية (( وجعل منهم القردة والخنازير )) فقال : يا بنيّ إن الله غضب على بني اسرائيل فمسخهم قردةً وخنازير, فقلت له : قلنا لهم ذلك, فقالو : ألم يغضب الله إلا على بني اسرائيل ؟ وقبل بني اسرائيل ؟ أما كان يوجد قردةً وخنازير, قلنا لهم : نعم كان يوجد, فقالوا : بني اسرائيل لم يدّعوا الربوبية مثل النمرود وفرعون وغيره فكيف والقول ( ( وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت )) من هم إذن إذا لم يكن تناسخ ؟ فما الجواب يا سيّدي ؟ فقلت : ما تقول لو كنت مقابلا لهم ؟ فقال : لا أقول إلا ما قلته لك, فقلت بهذا القول رددنا فقالوا هو إلى يوم القيامة وعبدت الطاغوت هم الأضداد في كلّ عصر وزمان يتناسخون بالكفر والضلال والذين مسخوا من بني اسرائيل وغيرهم مسخوا بعد الموت عدلا من الله تعالى, وكلّ ما في هذه الأرض من جميع هذه الأجناس قد كفروا بالله تعالى فكانوا أمما أمثالنا حيث قال الله تعالى يخاطب الرسول محمّد (ص) (( وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم )) وحاشى لله تعالى أن يمثّل سيّدنا محمّد وأمته إلا بإسمٍ أمثالنا ولا يمثّله وأمته بالكلاب والخنازير والبهائم, ولو قلنا لك يا حضرة الأخ مثلك مثل الحمار فهل ترضى بذلك ؟ فقلت لهم : لا, فقالوا : أتمثّل سيّدنا محمّد وأمته بتلك الأجناس من المسوخ البخسة؟! أرجو يا سيّدي أن تعطينا جوابا عن هذه الحجة العقلية أيضا, قال وماذا يقولون عن الحجة العقلية ؟ قلت : قالوا لي : ما تقول عن رجلين أخوة تربيا في بطن واحد ومن أم وأب واحد, الأول خلق أعمى والثاني صحيح الجسم, الأول يزحف على رجليه والثاني يمشي سالما, الأول مفلوج والثاني لا عيب فيه(بجسمه) خلق يصوم ويصلي ويتمتع بجميع ألوان الحياة والأول يعيش بالإهانه والعذاب إلى آخر العمر, فإذا لم يكن هناك تناسخ وقصاص فهل هذا عدلا إلهيا وحاشى لله والظلم وهو يقول : (( وما يظلم ربّك أحدا )) (( وما أصابك من حسنةً فمن الله وما أصابك من سيئةً فمن نفسك )) فقالوا : جاوب على ذلك إن كنت من المنصفين, فوقفت يا سيّدي عاجزا عن الجواب عن الجواب, ثمّ قالوا لي : ماذا تقول عن طفلٍٍ رضيع وُلدَ صباحاً ومات مساءً من أبٍ مؤمن أو كافر, هل يدخل الجنة أم النار ؟ فماذا فعل كي يدخل النار ؟ وهل يدخل الجنة أو النار بشفاعة أو بذنب والده ؟! والله تعالى يقول : (( لا مولود هو جازٍ عن والده شيئا)) وإن قلت كلّهم إلى الجنة تمنّى والده أن يموت صغيرا كي يذهب إلى الجنة, وقد سمعنا إنّ سيّدنا عيسى (ع) تكلّم بالنبوّة طفلا صغيرا, فماذا تقول بذلك أيها الرجل ؟ فوقفت مبهوتا بدون جواب فما تقول أنت يا سيّدي ؟ وما الجواب ولكم الفضل . فقال الإمام : الجواب صعب جدا وإنك مقدور ولا قدرة لك على ذلك والشيء مرجعه إلى الله وهو أعلم بذلك, فصاح الحاضرون : إذا ثبت قولهم بيّن لنا ذلك حيث كلّنا قانعين بالتناسخ, وأخذ الجميع ينادي الإمام : ما هو الجواب ؟ وهو ينظر إليّ, ثمّ قلت له : سيّدي قالوا لي : ما تقول في نفسك إذا أنت توفيت ؟ أللجنة أم للنار ؟ فقلت لهم : إنني بحول الله للجنة حيث أوالي أمير المؤمنين وآله, فقالوا : جسمك الحالي يصعد للجنة أم يبقى في القبر ؟ فقلت : باقٍ في القبر, فقالوا : إذا دخلت الجنة تدخل بجسم أم بدون جسم ؟ فقلت لهم بجسم, قالوا جسمك يبقى في القبر فمن أين لك ذلك الجسم الذي تدخل به الجنة ؟ هل تقمّصت في الجنة أم بجسمك هذا ؟ فإن قلت بجسمك هذا نسيت أن عظامك موجودة في القبر وإن قلت بجسم غيره أثبتّ بأنك تقمصت في الجنة, فإن كان تقمّصك في الجنّة حقّ فكيف لا يكون في الدنيا تقميص ؟ ما تقول في ذلك أيّها الأخ المجادل دون علم ومعرفة ؟ فوقفت مبهوتا وهم يقولون : ماذا تقول أيّها الرجل ؟, أرجو أن تعطيني الجواب المقنع لهم يا سيّدي الإمام, فسكت وهو ينظر إلى يمينا وشمالاً إلى الجلساء وقال: حقّاً كلاماً يُقال !! فنهض رجلٌ كهلٌ من الحضور وقال لي : ما اسمك أيّها الشاب الكريم ؟ فقلت : مرعي الحمدو, فقال لي : يا مرعي ليش تقول قالوا لي وأنا أقول ؟! والله ما قالوا لك ولا قلت لهم بل أنت تقول وتعتقد ذلك, ولماذا أنت مخجول ؟ وقام ووقف جانب الإمام, وقال له : هو مخجول وهذا هو اعتقاده فهل لديك جواباً مقنعاً أم هم المحقّون ؟ لقد كنّا نستهزئ بهم ونسفههم والآن بان الحقّ معهم, فتفضل أعطنا الجواب وإلا نشهد بأنهم أهل اليقين والحجة الدامغة . فقال الإمام : لا يوجد عندي إلا ما قلته ومن الصعب الردّ وفوق كلّ ذي علمٍ عليم.) انتهى الإقتباس .قال تعالى في كتابه الكريم : (( وَقَالُوا هَـذِهِ أَنعَامٌ وَحَرثٌ حِجرٌ لاَّ يَطعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعمِهِم وَأَنعَامٌ حُرِّمَت ظُهُورُهَا وَأَنعَامٌ لاَّ يَذكُرُونَ اسمَ اللّهِ عَلَيهَا افتِرَاء عَلَيهِ سَيَجزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفتَرُونَ )) (الأنعام:138) (( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمثَالُكُم مَّا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم يُحشَرُونَ )) (الأنعام:38) (( وَأَنَّ عَلَيهِ النَّشأَةَ الأُخرَى )) (النجم:47) (( قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبلِكُم مِّن الجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَت أُمَّةٌ لَّعَنَت أُختَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَت أُخرَاهُم لأُولاَهُم رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِم عَذَاباً ضِعفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعلَمُونَ )) (الأعراف:38) (( وَقَطَّعنَاهُم فِي الأَرضِ أُمَماً مِّنهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنهُم دُونَ ذَلِكَ وَبَلَونَاهُم بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ )) (الأعراف:168) (( كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُم أَموَاتاً فَأَحيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ )) (البقرة:28) (( وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلَّا لَهوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ )) (العنكبوت:64) ************************* ارجو الرد


الأخ رامي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المحاورة المذكورة على فرض حصولها، ونحن لا نسلم به، قد تم تهويلها وتضخيمها لتبدو مسائلها لغير المطلع مفحمة وملزمة، والحال أن أمرها هين، وأن المطروح فيها الذي يُراد تمريره على البسطاء أهون من نسج العنكبوت، وسوف نقتصر في (ردنا) على تفنيد الأدلة المذكورة لإثبات التناسخ. أولاً:  قوله تعالى: (( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمثَالُكُم )) (الأنعام:38). إن ما يحتج به أهل التناسخ من دلالة هذه الآية على التناسخ غير صحيح، فإن التماثل المذكور بين أمة البشر وسائر الحيوان ليس تماثلاً بالفعل بل بالقوة، أي أن الحيوانات لها نصيبها من الفهم والإدراك والمسؤولية ومن ثم فلها نصيب من البعث والحساب، فهي أمم أمثال أمة الناس وليست هي أمم بالفعل كما أن الإنسان أمة بالفعل، فلو كانت أمة بالفعل لكان لها نفس نصيب الإنسان من الفهم والإدراك والمسؤولية. ثم إن التماثل كما يقال في النوع ويسمى تشابه فإنه يقال كذلك في الجنس ويسمى تجانس، ويجمعها التماثل. وينبغي أن تعرف أن التكاليف والمسؤوليات الملقات على الحيوانات في مرحلة خاصة لا تعني أن لها إماماً وقائداً وشريعة وديناً، فهي لا تقاد إلا بإدراكها الباطني أي أنها تدرك بعض الأمور فتكون مسؤولة عنها بقدر إدراكها لها. أما ما ذكره أن الأمة سميت أمة لأن لها إماماً تأتم به فلم لا يكون الإمام من نوعها؟ فنقول: هل يشترط أنها حينما تكون أمة أن يكون لها إمام من البشر وحينئذٍ تكون منسوخة عن البشر؟ ليس ثمة ملازمة بين الأمرين، ولو سلمنا جدلاً بأن لها إماماً من البشر فما المانع من أن تكون هي أمم حيوانية وإمامها بشر كما يشير إلى ذلك ما ورد في بعض الأخبار من أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هم أئمة لسائر الخلق. أما الاستدلال بهذه الآية: (( يَومَ نَدعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِم )) (الإسراء:71). على أن الأمة ذات الإمام تكون أناساً أو بشراً فليس صواباً، لأنها تتحدث عن طوائف من الناس لهم معتقدات شتى، وكل طائفة سوف تدعى بإمامها يوم القيامة والإمام هنا أعم من الصالح والطالح. ثانياً:  قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ )) (الانفطار:6-8). هذه الآيات لا تدل على التناسخ من قريب ولا بعيد، فالصورة المشار إليها في الآية لا تعني الصورة البشرية العامة (الصورة النوعية للإنسان) بل تعني الشبه من الأب أو الأم أو الخال أو العم، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لرجل: ما ولد لك؟ قال: يا رسول الله وما عسى أن يولد لي إما غلام وإما جارية، قال: فمن يشبه؟ قال: يشبه أمه وأباه, فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا نقل هكذا، إن النطفة إذا أستقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت هذه الآية: (( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ )) ، أي فيما بينك وبين آدم. أما قول صاحب التناسخ من أن معنى عدلك هو عدلك عن الصورة البشرية إلى أي صورة أخرى، فمجرد تأويل لا تساعده القرينة في الآية، لأن الفعل (عدل) في الآية لازم وهو بمعنى جعل لك الاعتدال والتوازن، فتعديته بحر الجر (عن) لا يخلو من تكلف وتحميل للنص فوق طاقته. أما القول بأن الصورة البشيرة كلها صورة واحدة... الخ، فهو صحيح ولكن ليس على إطلاقه، وذلك لأن الصورة البشرية إن كان المقصود منها فصل الإنسان الذي يمتاز به عن سائر الحيوان فمسلم أن هذه الصورة واحدة؟ لكنا لا نسلم بأن المراد في الآية هو هذه الصورة، لأن الخطاب خطاب للإنسان المتحصلة صورته البشرية وليس خطاباً للحيوان عموماً، وحينئذ يكون المقصود بالصورة سائر المشخصات التي يمتاز بها زيد عن عمرو عن بكر عن خالد... الخ هذا هو الأوفق بالسياق والأقرب إلى المنطق. ثالثاً:  قوله تعالى: (( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنَتَينِ وَأَحيَيتَنَا اثنَتَينِ فَاعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ )) (غافر:11). لا تدل هذه الآية على التناسخ، بل هي من آيات الرجعة، فإن الإماتة سلب الحياة عن الحي ولا يتصور ذلك مرتين إلا مع الاعتقاد بالرجعة, فعن الصادق (عليه السلام) كما في (تفسير علي بن إبراهيم) قال: (ذلك في الرجعة)، فإن إحدى الحياتين في الرجعة وإحدى الإماتتين في الدنيا والأخرى في الرجعة. ولو سلمنا بأن هذه الآية تتحدث عن أمر آخر غير الرجعة فلا بد أن يكون شيء غير التناسخ لأن التناسخ إحياء وإمامة غير محصور بالمرتين، بل ليس في الواقع إحياءً بل استئنافاً لحياة سابقة؟ وإطلاق الحياة على كل تقمص جديد لو كان إنشاءً لحياة أخرى غير الأولى لبطل مبدأ التناسخ، أما ما يتعلق بالخطاب بصيغة الماضي: (( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنَتَينِ وَأَحيَيتَنَا اثنَتَينِ فَاعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ )) فليس دليلاً على التناسخ, بل هو دليل على وجود عالمين قبل عالم الآخرة، عالم الدنيا وعالم الرجعة كما ورد في الخبر: (ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل)، وفي طبر: (لا يرجع إلى لدنيا إلاّ من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً). فهذه الأخبار تدل دلالة واضحة على أن الآية بصدد إحياء الكافرين في عالم الدنيا وعالم الرجعة، وهما عالمان سابقان بالنسبة إلى يوم القيامة الذي تكون فيه المسائلة. رابعاً:  قوله تعالى: (( كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )) (البقرة:65)، وقوله: (( وَجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )) (المائدة:60). لا علاقة لهما بالتناسخ، بل هما صريحتان بمسخ جماعة من اليهود إلى قردة وخنازير، والمسخ أمر يختلف تماماً عن التناسخ, فقد ورد أن المسوخ لا تبقى بعد المسخ أكثر من ثلاثة أيام, وليس لها أن تتناسل، والأخبار ناطقة بأن معنى المسخ هو إحالة التغيير عن بنية الإنسانية إلى ما سواها، وفي الخبر المشهور عن حذيفة أنه كان يقول: (أرأيتم لو قلت لكم إنه يكون فيكم قردة وخنازير أكنتم مصدقي؟ فقال رجل: يكون فينا قردة وخنازير؟ قال: وما يؤمنك من ذلك لا أمّ لك)، وهذا تصريح بالمسخ، وقد تواترت الأخبار بما يفيد أن معنى المسخ هو تغيير الهيئة والصورة، بينما التناسخ عندهم هو انتقال روح الإنسان في أبدان حيوانية أو نباتية على ما يتصورون، وشتان بين تغيير الصورة وبين التقلب في الصور. خامساً:  أما فيما يتعلق بخلق بعض الناس ناقصي الخلقة أو أن فيهم عيوباً بدنية أو نفسية، فارجع إلى موقعنا على الإنترنيت وتحت العنوان: (الأسئلة العقائدية/ العدل/ الإلهي/ سر خلق ذوي العيوب والعاهات) فإنك ستجد الجواب الشافي وتعلم حكمة خلق هؤلاء. وأما عن موت الأطفال،فأنهم يذهبون إلى الجنة،ولم يكن موتهم بدون سبب، فهو أما بسبب آبائهم وأمهاتهم،أو بسبب ما وضعه الله من سنن وأسباب وهي ضرورية لنظام العالم، فمن مات صغيراً بتأثير هذه الأسباب عوّضه الله الجنة, ومن لم يمت وُكل إلى عمله كافراً أو مؤمناً. سادساً:  أما ما ورد من السؤال في قولهم: ما نقول في نفسك إذا أنت توفيت أللجنة أم اللنار؟ فجوابه : إن فإن الجنة التي سيحشر إليها المؤمن بعد الموت هي جنة البرزخ وهي لا تفتقر إلى جسد عنصري مؤلف من العناصر، بل إلى جسد برزخي مثالي. نعم, عند البعث يوم القيامة تنبت أجساد الناس من عناصر الأرض ويحشرون إما إلى جنة الآخرة أو إلى نار الآخرة! ولكن السؤال مبتنٍ على مغالطة, لكي يكون الجواب بالجنة أو النار مطلقاً,فيتبادر إلى الأذهان أن المقصود جنة الآخرة أو نار الآخرة، والحال أن الجواب يجب أن يكون: يحشر الناس بأجساد مثالية إلى جنة البرزخ أو نار البرزخ. فلا حاجة لتكلف السؤال مجدداً عن حال الجسد في القبر، فإنه يصير تراباً.. ولا يعود إلا حين النفخ في الصور. ودمتم في رعاية الله

1