أبو عبد الحميد - تونس
منذ 5 سنوات

 حقيقة الحسد

بسم الله الرحمان الرحيممنذ زمن بعيد أخذ الإنسان في تحليل أفعال الحيوان على أنها غريزية بحتة ونفي كل ما هو يستند إلى العقل في تصرفات هذا الأخير فلو رجعنا إلى فهم ما هي الغريزة في حد ذاتها حتى نستطيع الجزم في ما هو غريزي ومكتسب ونبدأ بضرب مثال للإنسان نفسه. كما نعلم أن الله سبحانه علم الإنسان البيان , وبالتالي فهو مهيأ بأن يتكلم طبيعيا ولكننا إذا عزلنا هذا الأخير منذ طفولته عن المجتمع فهو ينمو بدون القدرة على الكلام ونلاحظ هذا في المجتمعات التي لا تنطق مثلا الأحرف العربية كالحاء والعين وغيرها أو أن الأبكم لا يستطيع الكلام لعدم سماعه للأصوات فالتدرب منذ الصغر هو الذي ينمي هذه القدرة. ولو ضربنا مثالا للحيوان كالطير مثلا فهو يبني عشا لوضع بيضه فيه ولكننا إذا عزلنا فرخا عن أمه ومجموعته فهو ينمو بدون القدرة على تكوين عشا ونلاحظ أيضا أن الطير المسن يتقن نسج عشه أكثر من المبتدئ ومن هنا نستنتج أن الطير مبرمج لبناء عش ولكننا إذا عزلنه عن ذلك أمتنا فيه هذه القدرة التي منحها إياه سبحانه عن طريق الوحي كما أوضحه القرآن في سورة النحل . فإذا أخذنا نظرة إجمالية إلى هذا العالم الأرضي فنلاحظ أن كل حيوان قد تأقلم مع محيطه ,فالحيوانات الصحراوية أصبحت تتحمل العطش أكثر من غيرها والحيوانات التي تقطن المدن أصبحت تفهم سلوكيات الإنسان وتأخذ حذرها منه وتتأقلم مع ما أوجده في محيطه كالنور والسيارة وغيرها. أما الآن إذا أردنا أن نفهم لماذا استطاع الإنسان أن يتطور ويجعل لنفسه آلات لخدمته , أما الحيوان لم يرتقي إلى هذا المستوى فالإجابة هي بيولوجية أي في تركيبة المخ , فنجد أن الأماكن المسؤولة عن التفكير كناحية الناصية والقشرة الخارجية للدماغ هي متقدمة عند البشر وهي المسئولة عن السلوكيات . فالحيوانات تحلم وتتخيل وتفهم وتتذكر ولكن حسب قدراتها العقلية , فالقردة أذكى من الكلاب والكلاب أذكى من البهائم وهكذا . ومسألة الحساب والعقاب هي متعلقة بالتكليف , فالأمم التي لم تصلها رسالة غير محاسبة عن أفعالها والأمة لها نصف عذاب الحرة بقطع النظر عن ذكائها ,كما أننا نعلم بأن بعض الأطفال هم بمثابة العلماء مع أنهم يدخلون في دائرة الغير المكلفين. ودمتم في رعاية الله


الأخ أبا عبد الحميد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم نقل أن الحيوانات ليست بأمم حتى يرد الاشكال والنقض بما ورد في القرآن الكريم من قصة الهدهد أو النملة في عهد سليمان بن داود (عليهما السلام)، ولم ننكر ما لدى الحيوان من قدرات وصفات بحيث يشكل علينا بما اكتشفه العلم المعاصر منها ... المزید بل كنا نتحدث عن أمرين آخرين: الأول: تكريم بني آدم على سائر خلق الله بنص القرآن الكريم، وتسخير كافة مخلوقات الله تعالى له إلا ما خرج بالدليل كبعض الملائكة ومنهم الملائكة العالين والكروبيين وحملة العرش... الثاني: التمييز بين رتبتين من المشاعر، الأولى:المشاعر الحيوانية كالغرائز المعروفة من الجوع والعطش والجماع وهي الغرائز التي تفتقر إلى اشباع وهذه مشتركة بين سائر جنس الحيوان بما فيها الإنسان، والثانية المشاعر الإنسانية: كالعقل والفهم والإدراك وغيرها من الغرائز الإنسانية العالية التي ليس لها نظير في الحيوان، أما إن بعض الحيوانات يتصرف طبقاً لنظام خاص قد يستفاد منه وجود العقل فيه والعلم فهذا أمر لا ينكر ولكن شتان ما بين عقل الإنسان وبين المفروض أنه عقلٌ في سائر البهائم، فالفرق شاسع والبون بعيد. أما بعض الصفات التي يمكن أن نجدها في الحيوان مما يوجد لها مثيل لدى الإنسان كالحسد والصبر والوفاء فقد رجحنا أنها على نحو الغريزة لا على نحو الملكة، أي أن الحيوان مطبوع عليها فليست هي مكتسبة لديه كالإنسان. ولو سلمنا جدلاً بأن ملاك هذه الصفات في الحيوان والإنسان واحد، وأنها في الجميع على نحو الغريزة، فكيف يمكن أن نفهم ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من تعلق الثواب والعقاب والمدح والذم بمن يمتلك هذه الصفات؟ فإنها لو كانت مجرد غرائز لما استحق الإنسان عليها الثواب أو العقاب ولم يكن أصحابها مورداً للمدح والذم. وإلاّ لكنا قائلين بالجبر، وأن الإنسان مجبور على فعل الطاعات والمعاصي، لأن الطاعات إنما تصدر عن ملكات خاصة وكذلك المعاصي .. فتأمل. ودمتم في رعاية الله

2