السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
إنّ الثابت تأريخيا وجود عدد من الخدم عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتعتبر هذه المسألة ذات أهمية ليس فقط بسبب كونها إحدى مظاهر الحياة الفعلية لكثير من الناس، بل لأنّ هناك رأيين في النظرة إلى أصلها. فبينما يرى فريق من الناس إن استخدام الخدم، حالة مترفة ينبغي أن يتنزه عنها المؤمن، خصوصا إنّ( الخادم ) متساو تماما مع المخدوم، وقيامه بأعمال الخدمة يجعله في منزلة أدنى و أدون من نظيره، و ما ورد من وجود خادم لدى أهل البيت ( عليهم السلام ) فإنّما يفسر بأنّهم كانوا يريدون أن يحرروا أولئك الموالي الذين يشترون من الأسواق، فكانوا يبقون مدة تحت خدمتهم لتربيتهم تمهيداً لتحريرهم، وبالتالي فإنّ ذلك الاستخدام إنّما كان حالة استثنائية لا تكتسب صفة القاعدة ولا يمكن التأسيس عليها.
أما الفريق الثاني فيرى المسألة بطريقة عادية، فإضافة إلى الحالة الاستثنائية التي يذكرها أصحاب الرأي الأول ووجود العبيد والارقّاء وكون الاستخدام طريقاً لتحريرهم إلّا أنّنا نجد أنّ عدداً من خدمهم لم يكونوا من العبيد، بل كانوا أحراراً، و بينما كان بعضهم موالي كان البعض الآخر عربا. وكيف كان، فإن الثابت تأريخياً وجود عدد من الخدم، فكما نعلم أنّ الإسلام جاء فرغب الناس لعتق العبيد في الوقت الذي كانت فيه سوق بيعهم رائجة، سواء عن طريق جلبهم من المناطق غير الخاضعة لحكم الإسلام، أو عن طريق الحروب التي كانت تخلف وراءها عدداً من الأرقّاء، وكان أهل البيت عليهم السلام يشترون أعداداً مختلفة من هؤلاء الأرقّاء بعنوان خدم، ولأجل تحريرهم، إلا إنّهم كانوا يبقون فترة من الزمن تحت توجيه المعصومين وتهذيب أخلاقهم وعقائدهم، ثم يعتقون، ولعلنا نجد في ما ينقل عن عمل الإمام السجاد (عليه السلام )صورة كاملة عن هذا الاتجاه، ذلك أنّه عليه السلام كان يشتري العبيد ويقوم بتربيتهم خلال سنة كاملة، ويسجل عليهم أخطاءهم و إشكالات عملهم دون أن يعاقبهم عليها في نفس الوقت، إلى أن يأتي رأس السنة الأخرى فيقوم بتقريرهم عن تلك الأخطاء، وبعد أن يقرّوا بتلك الأفعال منتظرين العقاب يعفو عنهم ويطلب منهم أن يدعوا الله له بالمغفرة كما عفا هو عنهم بعد أن استحقوا العقوبة، فنحن نجد أنّ الإمام ( عليه السلام ) بعد أن ينهي معهم دورته التهذيبية خلال سنة كاملة يقدم على عتقهم، إلى جانب هؤلاء كان هناك عدد يتطوعون لخدمة المعصوم ( عليه السلام ) باعتبارها إحدى القربات إلى الله، كما نشاهد اليوم في حال العلماء الكبار الذين يلتصق ببيوتهم أفراد متدينون للخدمة كسباً للأجر و الثواب، أو رغبة في الاستفادة من علومهم ومعارفهم، ومنهم : قنبر ( سكرتير ) الإمام علي ( عليه السلام ) و معاونه حسب التعبير المعاصر، و نلتقي أيضاً بمنجح ( الشهيد ) مولى الحسين ( عليه السلام ) وبنصر الخادم ( الثقة ) و هكذا.
هذا بالإضافة إلى أنّنا نجد من الأحاديث مّا يتحدث عن كراهية مباشرة الرجل الشريف لحوائجه الصغيرة، تارة باعتبار الأهم و المهم إذ أنّ وقت الإنسان محدود، مع تزايد مسؤولياته الدينية أو الأجتماعية أو السياسية، تصبح مفردات هذا الوقت و أجزاؤه هامة للدرجة التي يمكن تقديرها أحياناً بالصورة المادية عند التجار الكبار، ذلك إن تأخر هذا التاجر عن عمله ـ لمدة نصف ساعة يضيع عليه مبلغاً من المال يتناسب مع حجم أمواله، وكذا الحال بالنسبة لأصحاب المسؤوليات و المهمات، وإذا كان وقتك لا يتسع لكل أعمالك، فينبغي تقسيمه بين الأهم منها، كما هو مفاد الحديث الوارد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) و من الملحوظ أن الشؤون الحياتية ومتطلباتها تستغرق نسبة من وقت كل إنسان، و تزداد و تقل بحسب الفرد وطريقة حياته ولك أن تتصور كم تستغرق تلك الشؤون من شخص يمتلك عائلة كبيرة، ووجود الخدم هنا ليس لصالح الكسل والترهل، و إنّما لصالح قيام الشخص بأمور أخرى أكثر أهمية وأكثر جهداً ولا يستطيع غيره القيام بها.
وتارة أخرى تتحدث تلك الروايات بلسان الكراهية الاجتماعية و ما يخلفه تناول تلك الأمور ( الصغيرة ) من آثار سلبية . فعن معاوية بن وهب قال : رآني أبو عبد الله و أنا احمل بقلا ، فقال : يكره للرجل السري ( أي الشريف ) أن يحمل الشيء الدنيء فيجترى عليه . و عن عبد الله بن جبلة قال : استقبلني أبو الحسن ( عليه السلام ) و قد علقت سمكة في يدي فقال : اقذفها إني لأكره للرجل السري أن يحمل الشيء الدني بنفسه ثم قال : إنكم قوم أعداؤكم كثيرة عاداكم الخلق يا معشر الشيعة ، فتزينوا لهم بما قدرتم عليه .
و ينبغي أن تؤخذ هذه الأحاديث مع ملاحظة الظروف الاجتماعية الموجودة ، فمتى ما أدى مباشرة تلك الأمور لمهانة الإنسان و الاجتراء عليه من غيره ، فهو مجرى هذه الأحاديث أما إذا كانت العادة الاجتماعية قائمة على مباشرة الأشخاص لشؤونهم ، فلا تكون هذه الأحاديث بالضرورة . بل ربما تكون هذه المباشرة مطلوبة إذا كانت تحقق أهدافا أخلاقية . كالتواضع و البراءة من الكبر أو كان المقصود منها تعليم الآخرين ، كما يروى عن الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) انه قال خمس لا أدعهن حتى الممات : الأكل على الحضيض مع العبيد و ركوبي الحمار مؤكفا و حلبي العنز بيدي و لبس الصوف و التسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي 4 .
و قد وردت أحاديث عديدة تشير إلى مباشرة النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و المعصومين كثيرا من المسائل بيدهم ، فقد ورد أن الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان إضافة إلى حلبه العنز كان يعتقل البعير ، و يذبح . الخ ، و ذلك لتكون سنة لمن بعده كما قال .
و قد وجدنا أهل البيت ( عليهم السلام ) و هم رواد الفكر الإسلامي ، يعطون لخدمهم شخصيتهم التي يستحقونها كبشر و كمؤمنين .
و في الحادثة التالية نستطيع أن نتبين نوعي التعامل مع الخدم ، تلك التي تهين شخصيتهم ، و لا تقبل لهم صرفا و لا عدلا ، و الأخرى التي تعتبر الخادم مساويا ، بل و له علاوة على ذلك ( شرة الشباب و عنفوانه ) و بالتالي استحقاقه للكسوة الأفضل و الآنق .
فعن مختار التمار إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أتى سوق التمارين فإذا جارية تبكي على تمار فقال لها : ما لك ؟! قالت إني امة أرسلني أهلي ابتاع لهم بدرهم تمرا فلما أتيتهم به لم يرضوه فرددته فأبى التمار أن يقبله فقال ( عليه السلام ) : يا هذا خذ منها التمر ورد درهمها فأبى ، فقيل للتمار : هذا علي بن أبي طالب فقبل التمر ورد الدرهم على الجارية .
ثم أتى سوق الكرابيس ( الثياب ) فوقف على غلام فقال : يا غلام عندك ثوبان بخمسة دراهم ؟! قال نعم عندي فأخذ ثوبين احدهما بثلاثة دراهم و الآخر بدرهمين ثم قال يا قنبر خذ الذي بثلاثة فقال ( قنبر ) : أنت أولى به تصعد المنبر و تخطب الناس قال الإمام : و أنت شاب و لك شرة الشباب ، و أنا استحي من ربي أن أتفضل عليك ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : ألبسوهم مما تلبسون و أطعموهم مما تطعمون .
و كذلك نقرأ في سيرة الإمام الرضا ( عليه السلام ) انه كان يجلس على مائدة واحدة مع خدمه و مماليكه و مواليه ، الأمر الذي يعتبر خلاف العرف الاجتماعي الخاطئ القاضي بالتميز على هؤلاء . حتى اقترح عليه بعض أصحابه و انطلاقا من هذا العرف أن يتميز عليهم و ان يعزل للخدم و المماليك مائدة فرفض ذلك . بل ربما قام ( عليه السلام ) بمناولة خدمه الطعام ، ففي الخبر عن نادر الخادم : كان أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) يضع جوزينجة على الأخرى و يناولني .
و بينما اعتاد البعض من الناس لزيادة الأبهة و المظاهر الكاذبة ، اعتادوا إيقاف الخدم على رأس الضيوف ناظرين إلى الأكل من غير حاجة لوقوفهم ، فإننا نرى الإمام الرضا ( عليه السلام ) لم يكن يستدير أحدا من خدمه ، أو يرسله في حاجة وقت طعامه إلا بعد أن ينتهي من تناوله و كما ينقل ياسر الخادم قال لنا أبو الحسن ( عليه السلام ) إن قمت على رؤوسكم و انتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا و لربما دعا بعضنا فيقال هم يأكلون فيقول دعوهم حتى يفرغوا .
كما يؤكدون على تجنب تكليفهم بأمر فوق طاقتهم ، ذلك ان كون هذا الشخص خادما لا يعني أن ( تهلكه ) بالعمل على مدار الساعة بل ينبغي التخفيف عنه سواء بملاحظة قدرته على انجاز كامل الأعمال المكلف فيها . أو بمساعدته في انجازها . ففي الحديث عن الباقر ( عليه السلام ) : ( أربع من كن فيه من المؤمنين اسكنه الله في أعلى عليين في غرف فوق غرف في محل الشرف كل الشرف : . . و من لم يخرق بمملوكه و أعانه على ما يكلفه ولم يستسعه ( يرسله ) فيما لا يطيق ) .
منقول بتصرف .
المصدر :مركز الإشعاع الإسلامي ،الخدم و الموالي في حياة الائمة الاطهار، شيخ فوزي ال سيف ،
دمتم في رعاية الله