أشير إلى حديث ورد في مسند أحمد هذا نصه:
(( حدثنا عبد الصمد وحسن بن موسى قالا حدثنا حماد عن علي بن زيد قال أبي حدثنا عفان حدثنا ابن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته هنيئا لك يا ابن مظعون بالجنة قال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة غضب فقال لها ما يدريك فوالله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي... إلخ ))
فرسول الله المعصوم وسيد البشر، لا يعلم مصيره - حسب الحديث - إذن كيف يعقل أن يبشر من هم ليسوا بمعصومين بالجنة!!?
الأخ نوفل المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يمنع أن يبشر النبي (صلى الله عليه واله) شخصا غير معصوم بالجنة , وذلك بما يخبره به المولى سبحانه من حسن عاقبة هذا الشخص, فيكون إخباره (صلى الله عليه واله) استناداً إلى إخبار المولى له, وهو سبحانه عالم بكل شيء ... المزید وقد ثبت هذا المعنى في موارد متعددة بحق أشخاص غير معصومين بل غير معاصرين للنبي (صلى الله عليه واله), كإخباره (ص)عن بعض التابعين بدخولهم الجنة كأويس القرني وزيد بن صوحان. فقد جاء في حق الأول في حديث صححه الحاكم ووافقة الذهبي كما في(المستدرك على الصحيحين) وذيله(3/461) أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: (يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم) قال الثقفي: قال هشام: سمعت الحسن يقول: إنه اَويس القرني... وفي رواية أبي نعيم في (الحلية 2/81/82) عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله) أن قال: ( وإذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة, ويقال لاويس قف وأشفع, لله عز وجل في مثل عدد ربيعه ومضر). وأما الثاني: فقد روى ابن كثير في (البداية والنهاية 6/238), والبيهقي في (دلائل النبوة 6/416) ونقله ابن حجر عن أبي يعلى، وابن منده في (الإصابة 2/532) إن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: (من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان) قال ابن كثير: وزيد هذا قتل في وقعة الجمل من ناحية علي (انتهى).
وقد صح عن النبي (واله) قوله في حق آل ياسر بأن موعدهم الجنة (مجمع الزوائد:9/293).
فالمسألة هي ليست في إمكان التبشير وعدمه لغير المعصوم, وإنما المسألة في إثبات صحة هذا الابشار أو عدمه, وحديث العشرة المبشرة المزعوم صدوره عن النبي (صلى الله عليه واله) لم يثبت. ويمكنكم مراجعة التحقيق في نسبة هذا الحديث إلى النبي (صلى الله عليه واله) في (موسوعة الغدير للعلامة الأميني ج 10 ص118 وما بعدها). وبالنسبة لمضمون الرواية وقوله (صلى الله عليه واله): ( فوالله إني رسول الله وما أدري ما يفعل بي ...), فانه (عليه السلام) معصوم من الذنب, ومحله الجنة يقيناً, إلا إن للمعصومين ذنوبا, غير ذنوبنا ومقامات غير مقاماتنا, فهم في حالة تكاملية في نفس حالة العصمة, ويزدادون علماً يوماً بعد يوم, وهم ينظرون لعباداتهم وأحوالهم مع الله سبحانه وتعالى, أنهم لم يوفوا المولى حقه, وهم يشعرون بالتقصير اتجاهه رغم وفائهم اليقيني بالحد الواجب الملقى على عاتقهم في التكليف اتجاه خالقهم, إلا أنها الحالة التكاملية الروحية التي تعيشها روح المعصوم تجعله في شعور بالقصور الدائم تجاه المولى سبحانه, لأن للعبادة من الأكثر علما معنى غير المعنى الذي يكون في العبادة من الأقل علما, فإذا كانوا (عليهم السلام) في ازدياد مستمر في العلم كما هو مقتضى قوله سبحانه: (( وقل ربّ زدني علما )) , فهو (صلى الله عليه واله) كان في ازدياد يومي وآني للعلم, وكان يشعر (صلى الله عليه واله) إن المراحل السابقة من عبادته وطاعته لله سبحانه أقل شأناً من اليوم الذي يزداد فيه علما, لذا كان يخشى (صلى الله عليه واله) أنه لم يوف المولى حقه...
وفي قوله (صلى الله عليه واله) أيضا بعدا أخلاقيا وروحيا آخر أراد أن يوجه المسلمين إليه، وهو أنه (صلى الله عليه وآله ) أراد المسلمين أن لا يتكلوا على شيء سوى أعمالهم وأن يكونوا على حذر من الدنيا ما داموا فيها, وان لا يطمئنوا إلى أية حالة روحية يصلون إليها, وحتى لو كانت هذه الحالة مقام رسول الله (صلى الله عليه واله).
ودمتم في رعاية الله