السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
الأنفال وهي أموال جعلها اللّه تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن ثم للإمام الحق من أهل بيته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد وردت الأنفال مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( يَسْألُونَكَ عَنِ الاْءَنْفَالِ قُلِ الاْءَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ )
والمعنى اللغوي للأنفال :
الأنفال في الأصل مأخوذة من مادة (نَفَل) بمعنى الزيادة على الأصل ، وكل شيء كان زيادة على الأصل فهو نفل ونافلة ، ومنه يقال : نفلتك كذا إذا زدته ، ومنه قيل لولد الولد : نافلة ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ) لأنه زيادة على الأصل وهو الولد ، ومنه قيل لما زاد على فرائض الصلاة نافلة ( وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ) ، وهذا المعنى للنفل هو جماع معناه كما يقول ابن منظور . لذا نجده يطلق على الموارد الطبيعية لأنها زيادة وهبة من اللّه تعالى على أصل ما يتملكه الإنسان بكدّه وسعيه ، وقد ورد ذلك صريحاً في كلام أهل البيت عليهمالسلام ، ومنه : سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن الأنفال ، فقال عليهالسلام : « بطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والآجام ، والمعادن ، ووو ... المزید » .
وكذلك تطلق على المال الذي ليس له مالك ، لأنه زيادة على أصل الماليّة ، مثل ميراث من لا وارث له ، وقد ورد أيضاً في كلمات أهل البيت عليهمالسلام. وكذلك يطلق على الفيء ، وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أي لم يبذلوا في تحصيله أي جهد ، وهو على هذا زيادة ونافلة على الأصل في الغنيمة ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم و ..... » وعلى هذا رأي الطائفة دون خلاف.
ومن الجمهور من قال بهذا المعنى ، قال الآلوسي : والنفل ما كان قبل الظفر ، أو ما كان بغير قتال ، وهو (الفيء) وقال الراغب الأصفهاني : هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال ، وهو الفيء .
ويطلق النفل على الغنيمة أيضاً باعتبار أنها زيادة ، وهذه الزيادة بلحاظ أنهم لم يخرجوا من أجل الغنيمة ، إنما خرجوا من أجل إعلاء كلمة اللّه تعالى في الأرض ، أو بلحاظ أنّها زيادة فضل من اللّه تعالى على المسلمين دون الأُمم السابقة ، لأن الأمم السابقة لم تكن تحلّ لهم الغنائم ، أو باعتبار أنها منحة وهبة من اللّه تعالى من غير وجوب. وعلى أي لحاظ فإن الغنيمة يطلق عليها نفل ، والأنفال الواردة في الآية موضع البحث المراد منها الغنيمة.
ومما تقدم اتّضح أن معنى الأنفال ـ وهو الزيادة على أصل الشيء ـ ثابت في كل مورد أُصطلح عليه نفلٌ ، والاختلاف إنما بالمصاديق وليس بالمفهوم.
معنى الفيء لغةً وشرعاً
قال المبرّد : يقال : فاء يفيء : إذا رجع ، وأفاءه اللّه : إذا ردّه.
وقال الأزهري : الفيء : ما ردّه اللّه على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال ، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلّوها للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدّونها عن رؤوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم. (٤)
والآية صريحة في بيان المراد من الفيء ، وهو كل ما تمّ الحصول عليه من الكفار بدون جهد وعناء ، بل سلّط اللّه رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إمّا بأن يجلوا الكفار عن ديارهم ، أو يصالحوا عليها ، أو يعطوا مالاً مقابل دمائهم ، وهذا المال الحاصل بهذه الكيفية جعله اللّه تعالى خالصاً لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يعمل فيه بما يراه مناسباً ، في وجوهٍ حصرتها الآية الثانية في ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل.
وفي ذلك يقول سيد قطب : حكم هذا الفيء أنه كلّه للّه والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هوالذي يتصرف فيه كلّه في هذه الوجوه. وذوو القربى المذكورون في الآيتين هم قرابة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم .
ويقول الطبرسي أيضاً : ذكر سبحانه حكم الفيء فقال : « مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى » أي من أموال كفار أهل القرى « فللّه » يأمركم فيه بما أحب « وللرسول » بتمليك اللّه إياه « ولذي القربى » يعني أهل بيت رسول اللّه ، وقرابته ، وهم بنو هاشم « واليتامى والمساكين وابن السبيل » منهم ، لأن التقدير ولذي قرباه ، ويتامى أهل بيته ، ومساكينهم ، وابن السبيل منهم.
والفيء من مصاديق الأنفال التي ورد ذكرهافي القرآن الكريم، وأكدّتها السنّة قولاً وعملاً، فغدا من ثوابت الشريعة بأنه من الأموال التي خصّ اللّه تعالى بها نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته الأطهار عليهمالسلام ، والآية الدالّة على الفيء قوله تعالى من سورة الحشر : ( وَمَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلكِنَّ اللّه يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْءَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ )
فالآية الأولى بينت أن الفيء للّه وللرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقط ، أما الثانية فقسمته في مواضع اُخرى بالاضافة للمسمّين في الآية الأولى ، ومنه قد يتصور أن الآية الثانية تريد أن توضح حكم فيءٍ غير الفيء الذي ذكرته الآية الأولى ، وهذا وإن تبنّاه بعض علماء العامّة ، إلاّ أنه بعيد عن ظاهر الآية ، والصحيح هو أنّها مبيّنةللآية الأولى وكاشفة عن الموارد التي يصرف فيها الفيء ، وهذا ما عليه علماء أهل البيت عليهمالسلام والكثير من علماء العامّة.
وفي هذا يقول الزمخشري : لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير أجنبيّة عنها ، بيّن لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يصنع بما أفاء اللّه عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوماً على الأقسام الخمسة ، ونقل عنه هذا الكلام الرازي في تفسيره. ونقل القرطبي قول جماعة منهم الشافعي : أن معنى الآيتين واحد.
ممّا تقدم اتّضح أنّ حكم الفيء غير حكم الغنيمة ، فالغنيمة هي ما يحصل عليه المسلمون من المشركين والكفار المحاربين بالقتال فيأخذونه عنوةً وبحدّ السيف ، وهي تُقسّم إلى خمسة أسهم : أربعة للمحاربين ، وواحد يقسم على ستة أسهم ، أما الفيء فإنّه كلّه لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خالصاً دون المسلمين يصرفه في موارده كيف يشاء ، لأن الفيء يسلّط اللّه تعالى رسوله عليه دون أن يكون للمسلمين يدٌ في تحصيله.
وفي ذلك يقول الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالى : والذي نذهب إليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة ، فالغنيمة : كل ما أخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله الى دار الإسلام ، وما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفيء : كل ما أُخذ من الكفار بغير قتال ... وكان ذلك للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين. (١)
وذكر الرازي في معنى الآية أن الصحابة طلبوا من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر اللّه الفرق بين الأمرين ، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأوجفتم عليها الخيل والركاب ، بخلاف الفيء فإنكم ما تحمّلتم في تحصيله تعباً ، فكان الأمر فيه مفوضاً إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يضعه حيث يشاء.
ولقد ورد : أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول اللّه ، ألا تخمّس ما أصبت من بني النضير كما خمّست ما أصبت من بدر؟
فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا أجعل شيئاً جعله اللّه عزّوجلّ لي دون المؤمنين بقوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ..... ) الآية ، كهيئة ما وقع فيه السّهمان للمسلمين ».
والفيء يكون للإمام الحق بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يعمل به كما كان يعمل به رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكن هذا الحقّ غصب من أهله بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وجرى عليه ما جرى على غيره من الأموال التي خصّها اللّه تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأهل بيته من بعده.
وقد تعدّى ذلك إلى ما وهبه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لأهل بيته من أموال الفيء ، ومن مصاديقه فدك ، وهي قرية بناحية الحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وأرضها كانت لليهود ، فأفاءها اللّه تعالى على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلحاً سنة ٧ هـ دون أن يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
وقد ورد أن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم منح فدك إلى ابنته الزهراء عليهاالسلام في حياته حينما نزلت الآية « وآت ذا القربى حقّه » على ما رواه المحدّثون والمفسرون عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري.
وحينما توفّي رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وضعت سلطة الخلافة يدها على نحلة الزهراء عليهاالسلام في فدك ، وأخرجت وكيلها منها ، وجعلتها من مصادر بيت المال وموارد ثروة الدولة كما زعمت.