أوْسُ الجَعْفَرِيُّ ( 21 سنة ) - السعودية
منذ 3 سنوات

آية الإفك

ذكر بعض علمائنا بأنّ آية الإفك نزلت في عائشة، وفي الحقيقة أنّها نزلت في مارية القبطية، ومِن مَن ذكر أنّ آية الإفك نزلت في عائشة الحلي وغيره فما ردكم على هذا؟


۱. بعض علماء أهل السنّة ينقلون قضيّة الإفك في مارية ونزول الآية بشأنها ؛ نعم لا يذكرون من الذي قذفها. فما هو الخبر الذي كان فيه شأن نزول آيات الإفك؟ ذلك ما يتضح لنا من الروايات الآتية: في تبرءة من نزلت آيات الإفك فقد أخرج مسلم في صحيحه برقم(٢٧٧١)عن أنس: ان رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله (ص) فقال رسول الله لعلي: اذهب فاضرب عنقه، فاتاه علي فإذا هو في ركي (4) يتبرد فيها، فقال علي: اخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكف علي عنه ثم اتى النبي فقال: يا رسول الله انه لمجبوب ماله ذكر. وأخرج ابن سعد في طبقاته عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: كانت أم إبراهيم سرية للنبي (ص) في مشربتها وكان قبطي يأوي إليها ويأتيها بالماء والحطب فقال الناس في ذلك: علج يدخل على علجة، فبلغ ذلك رسول الله فأرسل علي بن أبي طالب فوجده علي على نخلة فلما رأى السيف وقع في نفسه فألقي الكساء الذي كان عليه وتكشف فإذا هو مجبوب، فرجع علي إلى النبي فأخبره فقال: يا رسول الله أرأيت إذ أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى غير ذلك أيراجعك؟ قال: نعم، فأخبره بما رأى من القبطي، قال: وولدت مارية إبراهيم فجاء جبرائيل عليه السلام إلى النبي (ص) فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأن رسول الله (ص) إلى ذلك. وأخرج أيضا عن محمد بن عمر: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر، عن أبيه، عن علي مثل ذلك غير أنه قال: خرج علي فلقيه وعلى رأسه قدرة مستعذبا لها من الماء، فلما رآه علي شهر السيف وعمد له فلما رآه القبطي طرح القربة ورقى في نخلة وتعرى فإذا هو مجبوب، فأغمد علي سيفه، ثم رجع إلى النبي (ص) فأخبره الخبر فقال رسول الله (ص): أصبت ان الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. ۲. جميع روايات أهل السنّة التي وردت بشأن عائشة مرويّة عن عائشة وأمّها ـ أمّ رومان ـ ، ومن المعلوم أنّهما يقعان مورد الاتّهام حيث أنّه لم يرو هذه القضيّة إلّا عائشة وأمّها ، فمن أين نعلم أنّها لم ترد أن تغيّر الحقيقة وتدفع عن نفسها تهمة قذف مارية ؟! ثمّ انّ الروايات المرويّة بشأن عائشة فيها تهافت وتعارض وإختلاف شديد ، وكلّ رواية تكذب الأخرى. راجع كتاب أمّ المؤمنين عائشة للسيّد مرتضى العسكري. ۳. لا يختصّ روايات الشيعة بالنسبة لقذف عائشة مارية القبطيّة برواية واحدة بل هناك روايات عديدة نذكر بعضها : (١) تفسير علي بن إبراهيم القمي : « وأمّا قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) [ النور : ۱۱ ] ، فإنّ العامّة روت أنّها نزلت في عائشة ، وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة ، وأمّا الخاصّة فانّهم رووا انّها نزلت في مارية القبطيّة وما رمتها به عائشة ». (٢) قال السيّد المرتضى في الغرر : روى محمّد بن الحنفيّة عن أبيه عليه السلام : كان قد كثر على مارية القبطيّة ـ أمّ إبراهيم ـ الكلام في ابن عمّ لها قبطي كان يزورها ويختلف إليها ، فقال لي النبي صلّى الله عليه وآله : خذ هذا السيف وانطلق فان وجدته عندها فاقتله. قلت : يا رسول الله أكون في أمرك كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فقال لي النبي صلّى الله عليه وآله : بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فأقبلت متوشحاً بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف ، فلمّا اقبلت نحوه عرف أنّي أريده فأتى نخلة فرقى إليها ثمّ رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا انّه أجب أمسح ماله مما للرجل قليل ولا كثير. قال فغمدت السيف ورجعت إلى النبي صلّى الله عليه وآله فأخبرته ، فقال : الحمدلله الذي يصرف عنّا أهل البيت. وعليه يصدق قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ). وقد ورد أنّ آية الافك نزلت في السنة الثامنة أو التاسعة ، وفي هذه السنة مات إبراهيم. والذي يبعّد انّ آية الافك نزلت في حقّ عائشة أمور : أوّلاً : كيف يأخذ النبي صلّى الله عليه وآله إحدى زوجاته في الحروب ؟ فهل كان النبي صلّى الله عليه وآله شهوانيّاً لا يصبر عن النساء حتّى في الحرب ، مع أنّ الحرب لا يعرف نتيجتها وقد يكون الغلبة مع العدوّ فتقع زوجة النبي صلّى الله عليه وآله في الأسر ؟ ثانياً : الرواية لم ينقلها أحد من الصحابة وهي منقولة عن عائشة فقط التي تقع في موقع الاتّهام حيث تذكر فضيلة لنفسها. ثالثاً : قضيّة افك مارية ذكرها جمع من المفسّرين والمحدّثين وإن لم يذكروا أنّ التي قذفتها هي عائشة. رابعاً : الروايات والأقوال متضاربة في صفوان الذي كان مع عائشة والذي وقع مورد الاتّهام ، فبعضها تقول انّه كان مجبوباً وخصياً وبعضها تقول انّه كان له زوجة وأولاد. خامساً : كيف يغفل ويتغافل النبي صلّى الله عليه وآله في الرجوع عن زوجته مع انّ صاحب الغيرة لا يترك زوجته ولا يتحرّك من موضعه إلّا بعد أن يطمئنّ من وجودها معه.… سادسا: وأمّا من قال بهذه المقالة من علماء السنة كمسلم في (صحيحه : 8 / 119 النسخة المشكولة ، والحاكم في مستدركه : 4 / 39 ، وابن الأثير في كامله : 2 / 313 ، وابن سعد في طبقاته : 8 / 154 ، والطبراني في اوسطه ـ مجمع الزوائد : 9 / 161 عن الطبراني في الاوسط ـ ، والسيوطي في دره المنثور : 6 / 140 ، وغيرهم) ، فقد ذكروا روايات أيضاً تدل على أنّ مارية القبطية هي المتّهمة في قضية الافك . سابعا: انّ من العجيب حقاً والملفت للنظر أن نجد في الروايات السنّية أن ممّن اتّهم مارية القبطيّة عائشة نفسها، وانّها قد أصابتها الغيرة الشديدة!! حتى ان ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : (( ما غرت على امرأة الاّ دون ما غرت على مارية … )) ( الطبقات الكبرى لابن سعد : 8 / 212 راجع أيضاً انساب الاشراف : 1 / 449 )، وهي التي نفت الشبه بين ابراهيم وبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكر ذلك السيوطي في (الدر المنثور)، ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن موقف عائشة حين مات ابراهيم : (( … ثم مات ابراهيم فابطنت شماتة وإن أظهرت كآبة … )) ( شرح نهج البلاغة : 9 / 195 ) . هذا ما يذكره بعض علماء السنة حول القضيّة وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضد مارية ، كما ذكرت ذلك المصادر السنية ، والمحصّلة: هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء رسولنا الكريم؟ ألا يقتضي التثبت والتروي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه. ثامنا: ما نقل عن العلامة أعلى الله مقامه غير دقيق؛ لأنّه قال في جواب السؤال عن المقذوفة (ما عرفت لأحد من العلماء خلافاً في أن المراد بها عائشة) فيحتمل أنه أراد القاذفة لما ثبت في أحاديثنا أنها هي التي قذفت مارية وقد ذكرنا بعضاً منها أعلاه. أمّا إذا قصد أنّ المقذوفة هي عائشة فهو أمر بعيد خصوصاً وأنّ الروايات عندنا قد دلّت على أنّ الآيات نزلت في مارية.

4