السلام عليكم
لدي مناقشات مع احد الاخوة الوهابية في احد المنتديات بخصوص عدة مسأئل تتناول عقديتنا كاثني عشرية وكان ومن ضمن تلكم المسائل مسألة الحديث عند الاثني عشرية وحتى انقل لكم الموضوع كاملا سوف اورد كلامه بخصوص الموضوع قال الاخ :
فأول شيء يجب أن نتكلم عنه هو المصادر التي يرتكز عليها المذهب ويستمد منها شرعيته وأحكامه وعقائده
بالنسبة لنا كمتبعين للمذهب السني فنحن نعتمد على القرآن الكريم وما يصح من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام
ونهتم ونرى من الواجب علينا تنقيح ماوصل إلينا من الأحاديث ونبين الصحيح منها من الضعيف إذن لدينا
(1) كتاب الله تعالى ونعتبره واضحا صريحا في الأحكام والتشريعات ولانعترف بوجود تفسيرات باطنية يتم فيها لوي أعناق الآيات لتخدم مصالح فئات معينة ولتكون قاعدة وعذرا لتحريف الدين وإضلال الناس
نعم هناك محكم ومتشابه, ولله الحمد والمنة فأحكام الدين وأساسياته هي من المحكمات, فلسنا بحاجة لتأويلها وتفسيرها تفسيرات باطنية يضلنا فيها من يفسرها لنا.
(2) لدينا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام صحيحة منقحة مدققة, ولدينا علماء تخصصوا في علوم الحديث وتنقيته من أي كذب وتدليس ودسائس.
في المقابل ((وهو ما أود محاورتك حوله)), نجد أن المذهب الشيعي يختلف معنا في المصدرين كليهما, فالقرآن يرى بعض علماء الشيعة أنه تعرض للتحريف (إن لم يكن غالبيتهم) وأيضا فهم يفسرون آياته تفسيرات باطنية تختلف تماما عن المعنى الظاهر ونسبوا تفسيرها (الغير مقبول) للأئمة الأثني عشر الذين يزعمون أنهم يأخذون الدين عنهم كمصدر ثان بعد القرآن الكريم
عموما فهذا الموضوع تمت مناقشته كثيرا وأنا ذكرته لتوضيح النقطة التي ارغب في نقاشها فقط.
مايهمني هنا هو المصدر الثاني للتشريع عند الشيعة أو مايسميه الشيعة بالثقل الأصغر, الشيعة لديهم كتب كثيرة تخص الحديث الذي في مذهبهم يتوقف سنده دون أن يصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام
فالغالبية العظمى من أحاديثهم تقف عند جعفرالصادق عليه السلام, وأيضا فكتب الأحاديث عندهم غير منقحة ولا يستطيعون تنقيحها أبدا وإلا إنهار مذهبهم بكامله, فهم يبقونها كما هي ويكون تصحيح وتضعيف الحديث بحسب درجة معارضته لرغبات (المصحح والمضعف له).
من هنا فالمذهب الشيعي لايملك شيئا يستند عليه من الأساس, فالقرآن لديهم يحتاج لمن يفسره ويعتقدون جازمين أن الأئمة الإثني عشر فقط هم من يعرف تفسيره ويعتبرونهم معصومين تماما ((بل عصمة مطلقة لدى غالبية الشيعة )).
وأيضا فمن نقل عنهم تفسيراتهم للقرآن الكريم ونقل عنهم الأحاديث ليس معصوما بل وليس موثوقا ولا مقبولا بحسب تعريف الشيعة أنفسهم
قسم الشيعة الحديث في علم الحديث عندهم إلى اقسام منها (الصحيح والموثق والضعيف ) ويهمنا منها حاليا الصحيح وهو الذي يفترض أن يكون مصدرا للتشريع بجانب القرآن الكريم
وعلماء الحديث الشيعة أعطوا الحديث الصحيح تعريفا يخصه ويميزه عن غيره هو ((مارواه الإمامي العدل الثقة الضابط عن الإمامي العدل الضابط الثقة حتى يصل إلى المعصوم بدون وجود شيء يعارض صحة الحديث))
او بلفظهم النصي في تعريفهم له ((ما اتصل سنده بالعدل الإمامي الضابط عن مثله في جميع الطبقات حتّى يصل إلى المعصوم من غير شذوذ ولا علة )).
وهذا التعريف أوقع الشيعة في مشكلة عويصة جدا, فلا يوجد لديهم حديث واحد فيما يخص العقائد وأساسيات الدين يمكن تطبيق هذا التعريف عليه, ولا يوجد لديهم حديث صحيح حسب تعريفهم متصل السند للنبي عليه الصلاة والسلام ثم اضاف:
نشأة علم الحديث عند الشيعة
أول من صنف من الشيعة في علوم الحديث هو من يسمونه (الشهيد الثاني زين الدين العاملي الذي قتل عام 965هـ تقريبا ), والذي جاء في ترجمته ((وكان فقيها محدثا نحويا قارئا متكلما حكميا جامعا لفنون العلم ، وهو أول من صنف من الامامية في دراية الحديث ، لكنه نقل الاصطلاحات من كتب العامة )), وكذلك قال الحائري في (( مقتبس الأثر )) 3/ 73 ((ومن المعلومات التي لا يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني وإنما هو من علوم العامة ))
وأكد الحر العاملي ذلك جازما عندما قال عن تصنيف الحديث لديهم ((والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع )) وسائل الشيعة: 20/100
إذن فأول من ألف في علوم الحديث أخذ إصطلاحاته من كتب أهل السنة وأعتمد عليهم في مؤلفاته كما جزم بذلك علماء الشيعة انفسهم. ولماذا نشأ علم الحديث عند الشيعة؟؟
يجيب على هذا علامتهم الحر العاملي فيقول ((الفائدة في ذكره - أي السند - دفع تعيير العامة للشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم)) وسائل الشيعة 20/100
ويقول باقر الأيرواني (( والسبب في تأليف النجاشي لكتابه هذا تعيير جماعة من المخالفين للشيعة بأنه لاسلف لهم ولامصنف )) (دروس تمهيدية في القواعد الرجالية)
وإذن فتأليف الشيعة في علوم الحديث كان فقط لمنع تعيير العامة ((أهل السنة )) لهم لكون أحاديثهم غير معنعنة
من هنا تبدأ الكوارث والتخبطات في المذهب الشيعي, ولكون علوم الحديث لديهم وضعت وألفت لدفع تعيير العامة لهم ولعدم وجود حديث واحد يمكن أن تنطبق عليه شروطهم في الحديث الصحيح فقد أصبحوا يبحثون عن الضعيف من كتب أهل السنة لإثبات أساسيات دينهم وفضائل أئمتهم, فلا يمكن لهم إيجاد حديث صحيح في كتبهم بحسب شروطهم يثبت اصلا من اصول دينهم ((بإعترافهم هم أنفسهم)).
لذلك تألم شيخ طائفتهم الطوسي لحال الأحاديث لديهم وتضادها وتعارضها وإختلافها فقال ((لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده , ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه)).
وقال ((بأن هذا الاختلاف قد فاق ما عند المذاهب الأخرى ، وأن هذا كان من أعظم الطعون على مذهبهم وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الاختلاف والتناقض)) تهذيب الأحكام 1/132
وقال (دلدار علي) في كتاب (أساس الأصول ) ص 51 :
((إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده)) وأعترض بعض علماء الحديث لديهم على إشتراط العدالة في صحة الحديث
فقال الحر العاملي (( وهذا يستلزم ضعف كل الأحاديث عند التحقيق لأن العلماء لم ينصوا على عدالة أحد من الرواة إلا نادرا وإنما نصوا على التوثيق و هذا لا يستلزم العدالة قطعا ، كيف وهم مصرحون بخلافها حيث يوثقون من يعتقدون فسقه و كفره و فساد مذهبه )) الوسائل 30/260
وقال جعفر النجفي في كتابه (كشف الغطاء) ص 40 ، عن أهم اربعة كتب حديث لديهم (( كيف يعول في تحصيل العلم عليهم ، وبعضهم يكذب رواية بعض ، ورواياتهم بعضها يضاد بعضاً ، ثم إن كتبهم قد اشتملت على أخبار يقطع بكذبها كأخبار التجسيم والتشبيه وقدم العالم ، وثبوت المكان ، والزمان ))
وعاد الحر العاملي ليطعن بأحاديث الشيعة فقال (( الثقات الأجلاء من أصحاب الإجماع و غيرهم يروون عن الضعفاء و الكذابين و المجاهيل حيث يعلمون حالهم و يشهدون بصحة أحاديثهم )) الوسائل 30/206
وقال أيضا (( ومن المعلوم قطعا أن الكتب التي أمروا عليهم السلام بالعمل بها كان كثير من رواتها ضعفاء و مجاهيل )) الوسائل 30/244
وتتوالى ضربات علماء الحديث الشيعة لكتب الحديث لديهم
يقول الغريفي (إن كثيراً من الأحاديث لم تصدر عن الأئمة، وإنما وضعها رجال كذابون ونسبوها إليهم: إما بالدس في كتب أصحابهم، أو بغيره. وبالطبع لا بد وأن يكونوا قد وضعوا لها أو لأكثرها إسناداً صحيحاً كي تقبل حسبما فرضته عملية الدس والتدليس) (قواعد التحديث – الغريفي ص135)
ويقول محمد حسين فضل الله وهو من يسمى بآية الله العظمى (إن هناك فوضى أحاطت بالأحاديث الواردة عن الأئمة من وضاع الحديث الذين كانوا لا يكتفون بنقل الأحاديث الموضوعة بشكل مباشر، بل كانوا يدسونها في كتب أصحاب الأئمة الموثوقين كزرارة ومحمد بن مسلم وأمثالهما ليدخل الحديث الموضوع إلى الذهنية الإسلامية العامة من خلال هؤلاء الثقاة الذين لا يدخل الريب إلى ما ينقلونه عن الأئمة انطلاقاً من وثاقتهم) ( مجلة الفكر الجديد - مقالة لمحمد حسين فضل الله ص8)
ثم يأتي (هاشم معروف ) ليكمل الناقص فيقول ((وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرها نجد الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم. وبالتالي رجعوا إلى القرآن الكريم لينفثوا سمومهم ودسائسهم لأنه الكلام الوحيد الذي يتحمل ما لا يتحمله غيره. ففسروا مئات الآيات بما يريدون، والصقوها بالأئمة الهداة زوراً وبهتاناً وتضليلاً. وألّف علي بن حسان وعمه عبد الرحمن بن كثير وعلي بن أبي حمزة البطائني كتباً في التفسير كلها تخريف وتحريف وتضليل لا تنسجم مع أسلوب القرآن وبلاغته وأهدافه)) (الموضوعات في الآثار والأخبار ص 253) وعندما اجبتة بجواب ضن الاخ ان جوابي هو عبارة عن افتراضات فقال :
في بداية النقاش قلت أنك صاحب دليل وطلبت مني الأدلة فأتيتك بالكثير منها وإعترافات علماء مذهبك أنفسهم, ولكنك الآن تريد أن تحل الموضوع بالإفتراضيات, وتريد التخلي عن مسألة نك صاحب الدليل, وهذا (وأسمح لي بهذه الكلمة ) تهرب غير مقبول, فإعترافات علماء مذهبك تقطع عليك الطريق وتنفي إفتراضياتك, ولكي تكون على بينة ونقطع الشك باليقين أريد منك (إذا تكرمت) أن تقدم لنا أحاديث صحيحة (بشروط صحة الحديث عند علماء مذهبك) تكون متصلة السند للنبي عليه الصلاة والسلام وتخص عقائد وأساسيات مذهبك وأصوله, وأود تذكيرك بتعريف علماءك للحديث الصحيح ((ما اتصل سنده بالعدل الإمامي الضابط عن مثله في جميع الطبقات حتّى يصل إلى المعصوم من غير شذوذ ولا علة )) فهل لديك مثل هذه الأحاديث ويتصل سندها بالنبي عليه الصلاة والسلام؟؟؟؟
غالبية أحاديث مذهبك تروى عن الواقفية والنواصب وغيرهم, أو عمن لعنهم الإمام وصرح بذمهم, أو عمن ضعفهم علماء الحديث لديكم, والمشكلة الكبرى أن الأحاديث التي رويت عن هؤلاء هي الأحاديث التي تخص اصول المذهب وأساسياته.
اذا وضح السؤال من خلال هذه المقدمة فانا اريد جواب كافي يقطع الشك باليقين ويثبت عكس كلام الاخ الوهابي واتمنى ان يكون الجواب بشكل مفصل لان هذا الامر مهم جدا.
واتمنى الاجابة سريعا اخوتنا الافاضل القائمين على هذا المركز المبارك.
تحياتي واحترامي
الأخ حسنين المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- بالنسبة لإشكاله وشبهته حول القرآن الكريم نقول وبالله التوفيق.
أ - نعم بعض العلماء قد قالوا بوقوع التحريف في القرآن الكريم والجمهور ومشهور المذاهب بخلاف ذلك،فلا يصح إطلاق ونسبة التحريف للشيعة والأمر مثله مع ما عند السنة كما في (كتاب المصاحف) للسجستاني.
ب - من قال بالتحريف بالنقيصة يحتج بالقرآن الكريم ويأخذ دينه منه ويجتهد في بوتقة نصوصه وآياته ويحتج بظواهره وليس كما زعم هذا الأخ المحترم.
ج - إدعاء أن السنة لم يقولوا بالتحريف ليس صحيحاً، بل نقل أهل السنة الكثير من الأحاديث الروايات والآثار التي تثبت وقوع الزيادة والنقصان في القرآن الكريم.
د - كل من قال بالتحريف والتزمه من علماء الشيعة لم يقولوا بالزيادة وإنما قالوا بالنقيصة،وهذا يعني أنهم يعتقدون بقرآنية القرآن الموجود بين أيدينا ويقدسونه ويؤمنون بأنه كلام الله عز وجل ويأخذون منه الأحكام والعقائد والأخلاق والفقه ويجعلون ظواهر القرآن حجة ويتعبدون بتلاوته ويعتقدون بفضل حفظه ويحرمون لمس المحدث له وما إلى ذلك.
هـ - أما مسألة التفسير الباطني فهو ثابت عند الجميع للقرآن الكريم، حيث روى الهيثمي في (مجمع الزوائد 7 / 125) عن عبد الله بن مسعود ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انزل القرآن الكريم على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ونهى أن يستلقي الرجل (أحسبه قال في المسجد) ويضع إحدى رجليه على الأخرى. ثم قال الهيثمي: رواه البزار أبو يعلى في الكبير وفي رواية عنده: (لكل حرف منها بطن وظهر)، والطبراني في الأوسط باختصار آخره ورجال أحدهما ثقات وأخرجه ابن حبان في صحيحه (1/ 276).
ورواه أبو يعلى في مسنده (9/ 81) والطبراني في (الكبير 10/106)، عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله) بلفظ: (وإن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حدٍ مطلعٌ).
وهذا الباطن القرآني لا ينافي الظاهر أبداً ومذهب الشيعة معروف ظاهر لكل أحد وهو مذهب ظاهري لا باطني بالاتفاق.
فالباطن القرآني علم عميق فهمه وتحصيل مصاديقه وإدراك أفراده وانطباق مفاهيمه على تلك المصاديق التي لا تظهر غالباً لكل أحد إلا من آتاه الله علماً وفهماً ودقة.
وهذا الباطن أيضاً لا يلغي الظاهر من القرآن،ولذلك أنعقد الإجماع على حجية ظواهر القرآن الكريم مع القول بوجود التفسير الباطن لبعض آيات الكتاب العزيز.
فقد روى الكليني(ره) في (الكافي الشريف 2/ 599) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( ... المزید. وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم....)
وروى أيضاً في (الكافي 1/ 374): (إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك ائمة الجور، وجميع ما أحلَّ الله تعالى في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق).
وذكر البغوي من أئمة السنة في تفسيره (3/ 15) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (ثلاثة تحت العرش يوم القيامة القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن والأمانة والرحم تنادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله).
ووافق ما قلناه وما رويناه عن الكافي العلامة الزركشي في (البرهان في علوم القرآن 2- 154) حيث قال عن القرآن الكريم - : (ولكل وصف ظاهر وباطن وحدٌ ومطلعٌ فالظاهر التلاوة والباطن الفهم، والحد أحكام الحلال والحرام والمطلع - الإشراق - من الوعد والوعيد فمن فهم هذه الملاحظة بان له بسط الموازنة وظهر له حال المعاينة وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منه ظهر وبطن).
ثم قال الزركشي: وقد قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجهاً، وقال ابن مسعود : من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن، وقال ابن سبع في (شفاء الصدور): هذا الذي قاله أبو الدرداء وابن مسعود لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر، وقد قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم، وما بقي من فهمها أكثر وقال آخر: القرآن يحوي سبعة وسبعين الف علم ومائتي علم، إذ لكل كلمة علم ثم يتضاعف ذلك أربعة، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع..
و - وجعلكم القرآن الكريم واضحاً لكل أحد فيه تبيان كل شيء بوضوح وتفصيل دون الحاجة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيانه وتفسيره أمر باطل وغير مقبول، لان القرآن الكريم فيه المجمل وفيه المبين، زفيه المحكم وفيه المتشابه، وفيه الناسخ وفيه المنسوخ، وما إلى ذلك وقد قال تعالى فيه: (( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )) (المائدة:92).... وقال عز وجل (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا )) (الحشر:7) وقال عزَّ من قائل (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ )) (النحل :44)، فكل ذلك يؤكد الحاجة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولبيانه للقرآن دون الإكتفاء بفهم القرآن من دون رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتفسيره واسباب نزوله دون الرأي والهوى والفهم الساذج.
وأخيراً نقول بأن شبهة التفسير الباطني شبهة مردودة مكشوفة لا تغني ولا تسمن من جوع، حيث أن الشيعة بالاتفاق لا يجعلون التفسير الباطني للقرآن هو دليلهم وحجتهم وبرهانهم بل يكتفون في مقام الاحتجاج بالنصوص والظواهر، فلا علاقة إذن بين القول بالتفسير الباطني للقرآن وبين الاحتجاج والاكتفاء بالظواهر والنصوص فإفهم. 2- أما الكلام في السنة النبوية المطهرة فنقول لكم.
أ - أما قولكم: ((لدينا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام صحيحة منقحة مدققة)).
فهذا ادعاء عريض وزعم بلا دليل، بل خلاف الضرورة والبداهة، فلا توجد عند العامة أحاديث صحيحة منقحة مدققة،لأنَّ القليل من علمائهم من صنف في الصحيح وجمعه دون غيره كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأبو عوانة، ولكن هؤلاء غير معصومين بالاتفاق وقد أخطأوا في الحكم على الكثير من الأحاديث وخطّأهم فحول العلماء،وأخيراً جاء الألباني وصنف في الصحيح كصحاح السنن الأربعة والسلسلة الصحيحة وصحيح الجامع الصغير، وما إلى ذلك، ولكن السنة أنفسهم خطّأوه في كثير من تصحيحاته وخالفوه فيها وانتقدوه عليها بل اعترضوا على أصل تصنيفه في الصحيح وخصوصاً عمله في السنن الأربعة ، فأين نجد هذه السنة الصحيحة المنقحة المدققة كما يدعي ويزعم هنا؟!
فالخلاف حول أكثر الأحاديث مفتوح على مصراعيه ناهيك عمّن لم يصنف أصلاً ولم يجمع في الصحيح فقط بل جمع كل ما ورد كالسنن والمسانيد والمصنفات!
ب - وأما قولك: ((ولدينا علماء تخصصوا في علوم الحديث وتنقيته من أي كذب وتدليس ودسائس)).
فنقول لك: ونحن أيضاً لدينا علماء بل جميع علمائنا ميزوا وجمعوا الأحاديث وحكموا عليها بالصحة أو الضعف أو الكذب ناهيك عمن تخصص في علوم الحديث كالطوسي والصدوق والكشي والنجاشي وابن داود والكليني والعلامة وابن طاووس والشهيد الأول والثاني والمامقاني والحر العاملي والبحراني وغيرهم، بل عندنا كل فقيه هو مجتهد في الرجال وفي الحديث وله رأي اجتهادي لا تقليدي في كل راوي وفي كل رواية وله حكم خاص لا علاقة له بحكم غيره على الراوي والرواية مطلقاً ، وله مبانٍ وقواعد وأصول حديثية خاصة به توصل إليها عن قناعة تامة وبحث وتدقيق وتحقيق واجتهاد، أما فقهاء العامة فلم يتخصصوا في الحديث، ولم يعرفوه لأنهم لم يشترطوا في الفقيه والمجتهد بأن يكون مجتهداً في الحديث ولذلك نرى الفقهاء مدرسة في مقابل المحدثين ونرى أن ابا حنيفة بنى مذهباً كاملاً وأسس مدرسة فقهية على أقل من عشرين حديثاً هي التي صحت عنده فقط بحسب شروطه،نعوذ بالله من الضلال المبين!!
ج - وأما قولك: ((ما يهمني هنا هو المصدر الثاني للتشريع عند الشيعة أو ما يسميه الشيعة بالثقل الأصغر)).
فنقول:رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو من سمى أهل بيته وعترته بالثقل الأصغر في مقابل أو في معية القرآن الكريم الثقل الأكبر، فلم يسمهم الشيعة بذلك من عند أنفسهم ولم يكونوا مبتدعين، فقد وردت هذه التسمية وهذه اللفظة في أحاديث عند العامة أنفسهم نذكر منها:
-1- ما رواه أحمد في مسنده (3/ 14و 26و59) وغيره كابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 176) وابن أبي عاصم في ( السنة 630). عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
-2- ما رواه النسائي في كتابه (فضائل الصحابة ص15) عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لماّ رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: (كأني قد دعيت فأجبت اني قد تركت فيكم الثقلين أحدما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) ثم قال: (إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيدي عليَّ فقال: من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه...).
ورواه الحاكم في (المستدرك 3/ 109) وصححه على شرط الشيخين، وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى 5- 45 و 5/130).
-3- وما رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد 9/ 164) عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:....(... وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله.... وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)،قال الهيثمي : رواه الطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي قال أبو حاتم منكر الحديث ووثقه ابن حبان وبقية رجال أحد الاسنادين ثقات وأخرجه الهيثمي مرة أخرى في (10/ 363) وقال عنه: رواه الطبراني بإسنادين وفيهما زيد بن الحسن الأنماطي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وبقية رجال أحدهما رجال الصحيح ورجال الآخر كذلك غير نصر بن عبد الرحمن الوشاء وهو ثقة.
-4- وما رواه الطبراني في (المعجم الكبير 3- 66 و5- 167) عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني لكم فرط وإنكم واردون عليَّ الحوض... فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فقام رجل فقال يا رسول الله وما الثقلان؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا والأصغر عترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض،وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموها فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم).
وحسن الألباني طريق أبي سعيد الخدري أيضاً للشواهد فقال في الصحيحة (حديث 1761) في أثناء تحقيقه وتصحيحه لحديث العترة وبعد أن ذكر رواية ابي سعيد الخدري والتي فيها: ((.. الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر،...) إهـ.
فهذه الأحاديث الكثيرة هي التي أطلقت على أهل البيت بانهم أحد الثقلين وأنهم الثقل الأصغر في مقابل الثقل الأكبر وهو القرآن الكريم.
د - وأما قولك: ((الشيعة لديهم كتب كثيرة تخص الحديث الذي في مذهبهم يتوقف سنده دون أن يصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالغالبية العظمى من أحاديثهم تقف عند جعفر الصادق (ع) ).
فنقول لك: ماذا يفعل الشيعة إن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك وخلف في أمته من بعده الثقلين وهما الكتاب والعترة من أهل البيت (ع) ولم يقل لنا وسنتي،بل قال (صلى الله عليه وآله) كما أخرجه الهيثمي في (مجمع الزوائد 1/ 170) وقال: رواه الطبراني ورجاله موثقون، عن أبي أيوب الأنصاري قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالهاجرة وهو مرعوب فقال: (أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه).
فليس فيه طاعة وإتباع سنته (صلى الله عليه وآله) من بعده، فإذا جمعنا بين هذين الحديثين وحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب) وغيرها من الأحاديث الثابتة وجدنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي أمرنا بإتباع العترة من أهل البيت (ع) من بعده، وجعفر الصادق (ع) من أئمة أهل البيت (ع) وأعاظمهم فمن أحق منه بالرواية عنه وأخذ الدين منه؟! وقد روى العامة أنفسهم في ترجمته (ع) أنه كان يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني) كما كان جده باب مدينة العلم يقولها، ويروون عن الإمام الصادق (ع) أيضاً أنه كان يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي) وهذا القول من الصادق (ع) تصريح مطابق الواقع من كونه أكثر الأئمة (ع) حديثاً وتحديثاً، فقد ضيَّق الطغاة بعد ذلك على أبنائه من أئمة أهل البيت (ع) الشيء الكثير حتى سجن الإمام الكاظم (ع) عشرات السنين وغيب في ظلمات السجون حتى قتل في السجن، واستدعي جميع الأئمة من بعد الإمام الصادق (ع) فلم يبق أحد منهم بين الناس حراً طليقاً وإنما كانوا بين السجون والإقامة الجبرية تحت أنظار وحراسة الطغاة المشددة كما هو معلوم لكل أحد، فمن يحدث الناس ويعلمهم ويظهر لهم علوم أهل البيت(ع) أكثر من الإمام الصادق (ع) ومن سنحت له الفرصة التي سنحت له في أداء ذلك صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وأما قولك: ((يتوقف سنده دون رسول الله (صلى الله عليه وآله) )) فو من الكذب!فقد أطبقت الشيعة ان أحاديث الأئمة (ع) هي أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسندهم فيها: قال أبي عن أبيه عن جده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
هـ - وأما قولك: ((وأيضاً فكتب الأحاديث عندهم غير منقحة ولا يستطيعون تنقيحها أبداً وإلا انهار مذهبهم بكامله)).
فنقول في الجواب عن هذا: ذكرنا فيما تقدم أن أحاديثكم أيضاً غير منقحة ولا مصححة وإنما تدعون ذلك وتزعمون صحة أحاديثكم وتنقيحها وتمييز الصحيح من الضعيف منها.
وكل هذا مجرد إدعاء لا دليل عليه، بل الخلاف قائم والاختلاف كبير بين علمائكم في تصحيح رواية أو كتاب والاختلاف في ذلك على مصراعيه بين عالم وآخر، ونمثل لذلك انتقادات الدار قطني وغيره مثل الألباني إذ قد اعترضوا على بعض أحاديث البخاري ومسلم وردوها وضعفوها، وكذلك الحال بالنسبة إلى ابن حبان وابن خزيمة والحاكم حيث ألفوا في الصحيح وصححوا الكثير من الأحاديث التي يرفض علماء السنة غيرهم تصحيحها، وكذلك حال تصحيحات الألباني حيث أقاموا عليه الدنيا وأقعدوها حينما صحح وضعف السنن الأربعة وألف في الصحيح وفي الضعيف كلاً على حده، وخالفوه الرأي في الكثير من الأحاديث الصحيحة والضعيفة.
فهل أنهار مذهبكم حينما اختلفتم في ذلك ولم تستطيعوا الاتفاق على الأحاديث الصحيحة ولم تستطيعوا تنقيح الأحاديث أصلاً.
و- وقولك: ((فهم يبقونها كما هي ويكون تصحيح وتضعيف الحديث بحسب درجة معارضته لرغبات المصحح والمصنف له)).
فنقول: أنتم أولى بهذا الاتهام منا، حيث أنكم تروون عن الخوارج والنواصب ولا تروون عن الشيعة وتضعفونهم وتوثقون الخوارج والنواصب.
وقال ذلك واعترف به ابن حجر العسقلاني في كتابه (تهذيب التهذيب 8- 411) قال: وقد كنت أستشكل توثيقهم (علماء الرجال السنة) الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ولا سيما أن علياً ورد في حقه (لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق).
فالخوارج والنواصب مبغضون لعليَّ(ع) ومبغضه منافق بنص حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي رواه مسلم وذكره ابن حجر هنا والمنافق قد وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: إن حدث كذب!!
ومع ذلك ترى علماء العامة يوثقون النواصب عموماً ويضعفون الشيعة كثيراً كما اعترف ابن حجر بذلك.
وكذا الحال مع الخوارج فقد وثقوهم هكذا وبجرة قلم ولكونهم (الخوارج) يعتقدون أن مرتكب الكبيرة كافر والكذب كبيرة فالكاذب كافر فيجب أن يكونوا صادقين!!
ولكنهم أنفسهم قد نقلوا عن خارجي بل كبير الخوارج بعد أن تاب وخرج من الخوارج، فقال كما نقله الخطيب البغدادي في (الكفاية ص151) والقرطبي في تفسيره (1- 78) وابن حجر في (تهذيب التهذيب 8/ 114) و(لسان ميزانه 1/10): إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا (الخوارج) كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً.
وأما روايتهم عن الشيعة فمرة يشرقون معها وأخرى يغربون! حيث رأينا تصريح إبن حجر في توهينهم للشيعة مطلقاً.
وصرح إبن حجر كما في (تهذيب التهذيب 1/ 94) و(لسان الميزان 1/9) والذهبي كما في (ميزان الاعتدال 1/ 6) بقول آخر مثله حيث قالا عن الشيعة والرواية عنهم: ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
فلماذا لا يحتج بمن يطعن في أبي بكر وعمر عندهم ويحتج بمن يبغض علياً ويطعن فيه ويحاربه ويكفره!! (( إِن هَذَا إِلَّا اختِلَاقٌ )) (ص:7).
وما الدليل على هذا التمييز بين الخلفاء الراشدين عندكم مع إن لعلي (ع) ميزة عليهم وخصوصية دونهم، وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد صرح بأن من يبغضه فهو منافق، ومن سبه فقد سبَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن آذاه فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه ولي كل مؤمن بعده، وقد دعى له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، أما أبو بكر وعمر فلا يوجد نص واحد في الشريعة المقدسة يجعلهما كعلي (ع)، فما لكم كيف تحكمون؟!!
فهل الشيعة مزاجيون ويوثقون ويضعفون بحسب هواهم أم العامة هم من خالفوا الموازين الشرعية وتعصبوا لهواهم واتبعو أشهواتهم؟!
وفي مقابل توهينهم هذا للشيعة وعدم التأسف على ترك الرواية عنهم نرى أنهم يخالفون أنفسهم ويناقضون قولهم هذا بآخر،وهو بأنهم يجب أن لا يتخلوا عن الرواية عن الشيعة، فقد قال الذهبي في (ميزان اعتداله 1/ 5): أن البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّق، فهذا كثير في التابعين وتابيعهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينه. قول الذهبي هذا قد قاله في ترجمة أبان بن تغلب وقد وثقه رغم تشيعه وقال فيه: لنا صدقه وعليه بدعته، ووصفه بأنه شيعي جلد، وأبان من كبار علماء ورواة الشيعة ومن أعاظم تلاميذ الإمام زين العابدين (ع) والإمام الباقر والإمام الصادق (عليهم السلام) كما هو معلوم.
وكذلك فعلوا مع جعفر بن سليمان الضبي وهو شيعي معروف وقالوا عنه بأنه كان يسب الشيخين ويبغضهما ويصرح بذلك ومع ذلك فقد وثقوه،وروى عنه مسلم في صحيحه.
وكذلك الحال مع عباد بن يعقوب فقد ضعفوه وطعنوا فيه كونه رافضياً وداعياً للرفض، فقد قال فيه ابن حبان: كان رافضياً داعياً ومع ذلك كان يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك، وقال ابن ظاهر: هو من غلاة الروافض مستحق الترك لأنه يروي المناكير عن المشاهير.
وقال البوصيري في زوائد ابن ماجة بعد هذه النقولات: والبخاري وان روى عنه حديثاً واحداً، فقد أنكر الائمة في عصره عليه روايته عنه، وترك الرواية عنه جماعة من الحفّاظ. وعلّق بشار عواد معروف في تحقيقه وهامشه على (تهذيب كمال المزي 3/ 112): عبّاد لم يكن ضعيفاً فقد روى له البخاري في الصحيح مقروناً بغيره وروى عنه الترمذي وابن ماجة وإمام الأئمة ابن خزيمة وغيرهم، ووثقة أبو حاتم وابن خزيمة فالرجل مختلف فيه بسبب بدعته، لكن جمهرة النقاد متفقون على أنه كان صادقاً في الحديث كما سيأتي في ترجمته من هذا الكتاب،ومثل هذا لا يقال فيه ضعيف.
فلا ندري بعد بياننا لهذا التخبط الحاصل في أقوالهم في الشيعة من الذي يوثق ويضعف ويقبل ويرد بحسب رغباته وهواه؟!!ومن الذي لا يستطيع تنقيح كتبه أبداً وإلا انهار مذهبهم بكامله؟!!
ز - أما قولك: ((...فمن نقل عنهم (الأئمة المعصومين) تفسيراتهم للقرآن الكريم ونقل عنهم الأحاديث ليس معصوماً بل وليس موثوقاً ولا مقبولاً بحسب تعريف الشيعة أنفسهم)).
فنقول في الرد عليه:وكذلك من نقل تفسيرات النبي (صلى الله عليه وآله) للقرآن غير معصومين عندكم،فما الضير في ذلك!؟ النقل ليس تفسيراً حتى ينقض علينا بمثل هذا الكلام، فحينما يفسر الأئمة (ع) ويبينوا القرآن ويوضحوه للناس ويقوم الناس بنقله جيلاً عن جيل وتعليمه ونشره بين الناس فهل يعني ذلك عند عاقل في الكون أن هؤلاء النقلة المبلغين هم من فسر القرآن حتى ينقض علينا بذلك!؟ فما لكم كيف تحكمون!؟
أما الخلط والتدليس الذي ذكرتموه عن الرواية عن الثقاة والمقبولين فنسبينه في النقطة التالية إن شاء الله تعالى.
ح - فقولك: ((قسم الشيعة الحديث في علم الحديث عندهم إلى أقسام منها (الصحيح والموثق والضعيف) ويهمنا منها حالياً الصحيح وهو الذي يفترض أن يكون مصدراً للتشريع بجانب القرآن الكريم)).
فنقول:هذا الأمر في غاية الأهمية!!وهنا كذبوا وافتروا ودلسوا على الشيعة،أو على الأقل إن أحسنّا الظن (توهموا ) حينما جعلوا الصحيح مدار الحجية وعدمها فالحجية تشمل الأحاديث المتواترة والصحيحة والموثقة والحسنة والمعتبرة والمقبولة ولا تقتصر على الصحيحة المصطلحة في أقسام الآحاد البتة!
فلا تنحصر الحجية عندنا (يا كل من له عقل وتقوى) في صحيح المصطلح كما لا تنحصر الحجية عندكم في الصحيح المصطلح! فأبناء العامة يقسمون الحديث أيضاً إلى متواتر وآحاد ويقولون بحجية المتواتر،وقسموا الآحاد إلى صحيح لنفسه وصحيح لغيره وحسن صحيح وحسن لنفسه وحسن لغيره وهذه الأقسام كلها حجة عندهم ثم الضعيف ثم الموضوع وهذان القسمان ليسا بحجية.
ط - وأما قولك بعد نقل تعريف الحديث الآحاد الصحيح المصطلح: ((وهذا التعريف أوقع الشيعة في مشكلة عويصة جداً فلا يوجد لديهم حديث واحد فيما يخص العقائد وأساسيات الدين يمكن تطبيق هذا التعريف عليه،ولا يوجد لديهم حديث صحيح حسب تعريفهم متصل السند للنبي عليه الصلاة والسلام)).
فنقول في رده:يجب أن تفهم تعريف المتأخرين للحديث الآحاد الصحيح في مقابل الموثق الحجة والحسن الحجة والضعيف غير الحجة والمكذوب غير الحجة أيضاً.
فالمتقدمون الشيعة حتى القرن السابع تقريباً لا علاقة لهم بإشكالك هذا ولا يرد عليهم أصلاً.والمتأخرون لا يحصرون الحجية في هذا القسم من الأحاديث فلديهم المتواتر اللفظي والمتواتر المعنوي والصحيح والحسن والموثق والمعتبر والمقبول، كل هذه الأصناف هي حجة عندهم في مقابل الضعيف والموضوع والشاذ والمنكر والمعلول، فلا يجوز التدليس وإبهام الناس أن الشيعة أو متأخريهم تورطوا ووقعوا في مشكلة عويصة ولا ينطبق تعريفهم على حديث فلا يصح عندهم حديث، ولا يوجد عندهم شيء يثبت الدين،فتوهمتم وظننتم ان دينهم أو مذهبهم يمكن - بسبب هذا التعريف للحديث الصحيح مصطلحاً - أن ينهدم وينهار ولا يثبت فيه شيء!!
أما قولك: ((ولا يوجد لديهم حديث صحيح حسب تعريفهم متصل السند للنبي (ص)))، ففيه من الخطأ والخلط ما لا يقبل!حيث أن التعريف ينص على اتصال السند إلى المعصوم أي إلى أي معصوم والنبي (ص) أحد المعصومين بل أعظمهم فكيف يتصور أننا نخرج النبي (ص) واتصال السند به في تعريف الحديث الصحيح!؟
ي - وأما كلامك حول نشأة الحديث عند الشيعة وادعاؤك أن أول من صنف منهم في الدراية هو الشهيد الثاني تبعاً لبعض من توهم ذلك من المتأخرين!
فقد دلست الحقيقة لأن غير هؤلاء من المحققين قد نسبوا ذلك التأليف للعلامة الحلي (ت 730هـ ) وبعضهم نسبه لابن طاووس شيخ العلامة الحلي (ت 673هـ)، فلماذا نختار قول هذا المتوهم دون غيره من الأقوال الصحيحة؟! مع أن ابن طاووس له كتاب مصنف موجود ومطبوع ومنقول عنه عند جميع من ترجم له وهو كتاب (حل الإشكال) واستخرجه صاحب المعالم وسمّاه (التحرير الطاووسي).
مع وجود التدليس آخر قد استعمله هذا الناقل!وهو كلام الحر العاملي حيث نقله ليشهد لما قال،وادعى بأن الشهيد الثاني هو أول من صنّف في الدراية قائلاً: ((وأكد الحر العاملي ذلك جازماً عندما قال عن تصنيف الحديث لديهم ((والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع)) و(مسائل الشيعة: 20: 100).
فإن نقلك هذا عليه عدة مؤاخذات،منها:
الأولى هو إغماضك عن قول الحر العاملي (والاصطلاح الجديد) وهذا ينسف قولك وادعائك تماماً، حيث أنه يقصد منه مبنى المتأخرين دون المتقدمين فانتبه لقوله (الاصطلاح الجديد) واقرأ كلامه كله دون قطع ما تريد دون فهم.
والثانية: هو أن استشهادك بكلام الحر العاملي على ادعائك باطل لكون الحر نفسه يصرح بأن أول من ألف في ذلك هو العلامة وليس الشهيد الثاني،أي قبل ذلك بأكثر من مائتي عام، فقد قال الحر(قدس) في (خاتمة الوسائل / 199): أن اول من قرّر الإصطلاح في تقسيم الأحاديث هو العلامة (قدس) مع أنه كثيراً ما يبني العلامة على مسلك المتقدمين في تصحيح واعتبار الأحاديث.
فالعلاّمة (قدس) رغم تأليفه وتصنيفه في اصطلاح المتأخرين المشابه لاصطلاح العامة فإنه كما تراهم يصرحون إنه لم يعمل بذلك التقسيم بل عمل وفق مباني التقدمين من علماء مذهب الحق، ولنتعرف على مباني المتقدمين والمتأخرين لنقطع دابر شبهات المدلسين الذين يزعمون أننا لم نعرف علم الحديث والتصحيح والتضعيف إلا في القرن العاشر
فإذا علمنا وأثبتنا أن المتقدمين لهم مبانيهم ومصطلحاتهم الخاصة في التصحيح والتضعيف والحجية والتمييز بين الأخبار فإن ذلك يرد كل التدليس الذي أقيم ويقام هنا وهناك بادعاء أن الشيعة أخذوا علم الحديث والمصطلح من العامة فإن كل من ادعى ذلك وقاله فإنما يقصد مصطلح المتأخرين لا المتقدمين،فلا يثبت للعامة ما يدعونه من تأخرنا أو عدم علمنا بهذا العلم بل لو ثبت لهم كل ذلك لثبت لهم تأخر الشيعة في التصنيف في هذا العلم ليس أكثر، مع أنه قد ثبت أن الشيعة قد ذكروا طرق وكيفية وقواعد تصحيح وتضعيف الأحاديث والرجال والحجة وما يحتج به وما لا يحتج به، وذكروا ذلك في كتبهم ومصنفاتهم الحديثية والأصولية والفقهية والرجالية.
بل ثبت ان المتقدمين من علماء الشيعة ومنذ القرن الثالث الهجري - أي قبل العامة - قد قاموا بالتأليف في الرجال وأحوالهم وعلم الحديث والدراية!
فقد ذكر الشيخ الطوسي (ت 460هـ) في كتاب (العدة 1ـ 141): إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد وفلان كذاب وفلان مخلط وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد وفلان واقفي وفلان فطحي وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهّم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه بروايته، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تخزم فلولا أن العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز لما كان بينه وبين غيره فرق، وكان يكون خبره مطروحاً مثل خبر غيره...إهـ.
فهذا الكلام هو نفسه علم حديث ودراية ورجال وتمييز للآحاديث مع تضمنه الإشارة للتأليف في ذلك بالإضافة إلى أن التوثيق والتضعيف والتصحيح وعدم التصحيح كل هذه الأشياء داخلة في دراسة الحديث.
وقد ذكر بعض العلماء وأصحاب الفهارس والتراجم تآليف كثيرة في علم الحديث والدراية للكثير من العلماء والرواة والمؤلفين في القرن الثالث والرابع وما بعدها ولكنها لم تصل إلينا.
بل إن مؤسس علم الدراية والذي يتباهى به السنة هو أبو عبد الله الحاكم النيسابوري قد وصفوه بأنه رافضي خبيث مجاهر بالتبري من معاوية وتفضيل علي (ع) على الجميع وما إلى ذلك حتى وصفه الذهبي في (ميزان اعتداله 3/608) بقوله: الحافظ صاحب التصانيف إمام صدوق لكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة ويكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه فما هو ممن يجهل ذلك، وإن علم فهذه خيانة عظيمة، ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين.
وقد قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال: إمام في الحديث رافضي خبيث.
قلت (الذهبي): الله يحب الإنصاف، ما الرجل برافضي بل شيعي فقط.
ومن شقاشقه، قوله: أجمعت الأمة أن الضبي كذاب...وقوله: إن علياً وصي فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فامر مجمع عليه مات سنة 405هـ. إنتهى كلام الذهبي.
وبذلك يتبين ان الشيعة هم أول من أسس علوم الحديث والدراية عموماً وألفوا التأليف والكتب في ذلك،فكفاكم هذه المزايدات على الشيعة!!
ك - وأما قولك: ((وإذاً فتأليف الشيعة في علوم الحديث كان فقط لمنع تعيير العامة لهم لكون أحاديثهم غير معنعنه)).
فنجيب عنه: إن جعلك هذا القول سبباً لنشوء علم الحديث عند الشيعة زعم كاذب وتدليس فاضح حيث أن الشيخ الأيرواني بيّن سبب تأليف النجاشي (قده) لكتابه الذي ألفه رداً على من أتهم الشيعة بعدم اهتمامهم بالتأليف والعلم فذكر فيه كل من ألف كتاباً أو صنّف مصنفاً في علم الحديث، فهو يذكر الآف العلماء والرواة والمؤلفين الذين ألفوا سابقاً كتباً وأصولاً، وأثبت أصالة الشيعة في هذه العلوم واهتمامهم بالرجال والأسانيد حيث ألّفوا مئات بل الآف الكتب واعتمدوا علماء في نقل الحديث ممن ألّف وصنف وحقق ودقق وفقه الدين والحديث.
ومن الواضح جداً أن رد النجاشي على العامة بتأليف كتاب شيء وسبب نشأة علوم الحديث شيء آخر، حيث أن النجاشي أثبت وجود نشأة للتأليف والتصنيف لأسلاف الشيعة وقدمائهم في كتابه هذا ليرد على من يزعم عدم وجود سلف ومصنفات للشيعة منذ القدم (أي منذ القرن الأول والثاني والثالث)،وهذا أمر مغاير لابتداء الشيعة بالتأليف والتصنيف،فهذا تدليس ما بعده تدليس!!
وأما كلام الحر العاملي فهو من باب الاستدلال بالخاص على العام، وهو باطل بالإجماع، حيث أن قول الحر في إحدى فوائده التي ذكرها لعلم الحديث على مبناه وهو مبنى القدماء، فلا علاقة له بالمتأخرين ومبناهم في تفتيش جميع الأسانيد والكتب.
فقد قال الحر العاملي ذلك في (فوائده الأثني عشر) لخاتمة كتابه، وعلى وجه الخصوص ذكر هذا الكلام ضمن الفائدة التاسعة والتي عنون لها بقوله: ((في ذكر الأدلة على صحة أحاديث الكتب المعتمدة تفصيلاً)) ثم أكمل ذلك بقوله: ((ووجوب العمل بها، فقد عرفت الدليل على ذلك إجمالاً)) (كما أوضح ذلك في الفائدة السادسة).
ثم قال الحر: ((ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف، الذي تجدَّد في زمن العلامة وشيخه أحمد بن طاووس ثم قال: والذي يدل على ذلك وجوه: (وذكر إثنين وعشرين وجهاً ودليلاً منها): العاشر: أنا كثيراً ما نقطع - في حق كثير من الرواة -: أنهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث.
والذي لم يعلم ذلك منه، يعلم أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه، والفائدة في ذكره مجرَّد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانية، ودفع تعيير العامة الشيعة بأنَّ أحاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم))! إنتهى كلام الحر العاملي(قده).
فكلامه هنا كما هو واضح من الدليل السابق عليه (التاسع) أنه يتكلم عن أصل الموضوع والفائدة وهي دعواه صحة أحاديث الكتب التي اعتمدها ونقل عنها في كتابه، ولذلك فهو يذكر في الدليل التاسع أن أصحاب هذه الكتب التي اعتمدها يشهدون بأنهم ينقلون الأحاديث عن الأصول والكتب المعتمدة.
فما يقصده الحر العاملي من كلامه هنا هو خصوص نقل المتأخرين عن المتقدمين من أصحاب الأصول ويبرر ذكر السند بين المتأخر وصاحب الأصل بأنه يذكره للتبرك ولدفع التعبير ايضاً لكون الأصل ثابت بنقل هذا المتأخر أو ذاك لكون تلك الأصول متواترة مستفيضة مشهورة لا تحتاج إلى سند لها أصلاً، لأنه لا يستطيع أحد المتأخرين النقل عن صاحب أصلٍ ما ليس في الأصل ابداً لكون تلك الأصول منقولة محفوظة.
ولذلك قطع الإخباريون بصحة الكتب الأربعة وغيرها من الكتب التي تكون مستلة ومأخوذة من الأصول الأربعمائة المعتبرة والمعروضة على الأئمة والمصححة من قبلهم والمؤلفة في أزمانهم عليهم السلام حيث اعتبروا تلك الأمور دواعي لتصحيحها وقرينة واضحة على إقرار المعصومين لها.
ولذلك قال الحر في دليله التاسع: ((التاسع: ما تقدم من شهادة الشيخ والصدوق والكليني وغيرهم من علمائنا بصحة هذه الكتب والأحاديث وبكونها منقولة من الأصول والكتب المعتمدة)) ثم قوله (قده) بعد ذلك مباشرة: ((ونحن نقطع - قطعاً عادياً لاشك فيه -: إنهم لم يكذبوا، وانعقاد الإجماع على ذلك إلى زمان العلامة)).
فالدليل العاشر الذي أتى به المصنف (الحر العاملي) هو مكمل لدليله التاسع, وهو يتوافق مع مباني الإخباريين ويتكلم عن موضوع خاص وهو كون أصحاب الكتب المعتمدة والمعتبرة كالكتب الأربعة وغيرها هي كتب أخذت من الأصول الأربعمائة القديمة المصححة عندهم فنقلهم لها كان مستفيضاً بين علماء الشيعة ورواة حديثهم حتى أنه لم يكن يحتاج إلى إسناد بينه وبين تلك الأصول لكونه ثقة ولنقل غيره ما ينقله هو، وأشار إلى هذا المعنى بقوله: ((العاشر: إنّا كثيراً ما نقطع - في حق كثير من الرواة أنهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث....)) إلى آخر كلامه المنقول هنا كإشكال على الشيعة دون وضعه في محله واقتطاعه عن مكانه الحقيقي اللائق به.
وبذلك تبين بطلان الاستدلال بهذين القولين على هذا الزعم وعدم دلالتهما على المدّعى،حيث بيّنا أن قول الشيخ الأيرواني عن النجاشي كان على العكس تماماً من المدّعى، وكلام الحر العاملي كان حول عدم الحاجة إلى أسانيد المشيخة التي توصل أصحاب الكتب المعتبرة والمصححة عند الإخباريين بأصحاب الأصول الأربعمائة المصححة والمعمول بها في زمن الأئمة (ع) وبعدهم حتى زمان العلاّمة (قده) أو شيخه إبن طاووس!
فقولك: ((وإذن فتأليف الشيعة في علوم الحديث كان فقط لمنع تعيير العامة لهم لكون أحاديثهم غير معنعنة)) ليس في محله وقد أوضحنا بطلانه، بل لو فهم ما أراده الحر لاتضح له عكس مدّعاه حين ختم الحر كلامه بقوله بعد ذكره لتعيير العامة للخاصة من كون أحاديثهم غير معنعنة فأجاب عن ذلك قائلاً: ((بل منقولة من أصول قدمائهم)) فأوضح ان للشيعة المتأخرين سلفاً وأصولاً نقلوا عنهم تلك الأحاديث ولم يكن يروون ذلك بلا سند ولا سلف ولا أصول ولا كتب، فكلامه وقصده بعكس مدعاك.
ل - ومن ثم قال المشكل المغالط: ((من هنا تبدأ الكوارث والتخبطات في المذهب الشيعي ولكون علوم الحديث لديهم وضعت وألفت لدفع تعيير العامة لهم ولعدم وجود حديث واحد يمكن أن تنطبق عليه شروطهم في الحديث الصحيح فقد أصبحوا يبحثون عن الضعيف من كتب أهل السنة لإثبات أساسيات دينهم وفضائل أئمتهم..)).
فنقول:
لا والله لا توجد عندنا كوارث ولا تخبطات بل أعداء الشيعة في حيص بيص لأن فرقهم لا شرعية لها وقد قال تعالى: (( وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلاَفاً كَثِيراً )) (النساء:82)، وقد ألزم رسول الله (ص) الأمة أن تلتزم منهج أهل البيت وتتبعهم لكونهم قرناء القرآن ومعه يدورون حيث دار ولن يفترقا حتى يردا الحوض.
أما غير أهل البيت (عليهم السلام ) فعندهم التخبطات والتناقضات والكوارث التي لا حلَّ لها وما لها من قرار.
أما بالنسبة لعلوم الحديث، فقد أجبنا عن هذه الشبهة وهذا التدليس، ومشكلة العامة في الحديث والرجال أعمق بكثير من شبهتكم هذه علينا، حيث أنكم توثقون النواصب مع كونهم منافقين وتضعفون الشيعة مع أنهم مؤمنون كما قرر ذلك رسول الله (ص) بقوله لعلي (ع): (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) فراجع ما قلناه في النقطة(و) وما قاله ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب 8/411).
- أما مسألة صحة الأحاديث بحسب المصطلح الجديد، فهذا أمر تكلمنا فيه آنفاً وأثبتنا هناك في النقطة (ط) كذب هذه الأحدوثة ، وأن الحديث لا ينحصر في قسم الصحيح ولا ينحصر التصحيح على المبنى الجديد والتعريف الحديث، فهناك المتقدمين جميعاً ومبناهم في التصحيح الذي يختلف عن تعريف المتأخرين، وهناك أقسام أخرى للحديث الذي يعتبر ويحتج به كما بينّا.
- وأما قولك:((فقد أصبحوا يبحثون عن الضعيف من كتب أهل السنة لإثبات أساسيات دينهم وفضائل أئمتهم...))،فهذا نصب وافتراء وتدليس صارخ!! حيث أن أصول الاستدلال تقوم على قاعدة الإلزام كما تستدل أنت على النصراني من إنجيله وعلى اليهودي من توراته وليس من القرآن والسنة لتتم الحجة عليه،فلا يجوز لك قلب الحقائق والتدليس بهذا الشكل إن كنت تخاف الله وعذابه ولعنته.
وكيف تدعي وتتجرأ أو تزعم أن فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وأدلة أفضليتهم وإمامتهم ووجوب أتباعهم والتمسك بهم كلها ضعيفة عندكم؟!! فراجع فضائل أهل البيت والإمام علي (عليهم السلام) في صحاحك ثم تكلم!!
- وأما قولك:((فلا يمكن لهم إيجاد حديث صحيح في كتبهم بحسب شروطهم يثبت أصلاً من أصول دينهم))، فهذا كذب كما بيناه!ونحن لا نأخذ عقائدنا من أحاديث الآحاد وإن صحت أسانيدها فهي ظنية،وإنما نشترط في أدلة العقائد أن تكون قطعية وثابتة ومتواترة ناهيك عن ثبوتها بالعقل.
- وأما قولك:((باعترافهم هم أنفسهم))، وسوقك لبعض كلمات علمائنا الأعاظم في اختلاف الروايات وتعارضها فنقول:
الاختلاف والتعارض بين الروايات شيء، وثبوت المذهب وأصوله شيء آخر، فالكلام هنا غير الكلام هناك، فما هذا الخلط العجيب؟!
فاعتراف الشيعة بوجود أحاديث متعارضة شيء، وعدم ثبوت شيء من أساسيات الدين وفضائل أئمة المؤمنين (عليهم السلام) شيء آخر.
ثم إن التعارض بين الأخبار ليس سمة خاصة بالشيعة، وإنما هي حالة عامة موجودة في كل المذاهب لاختلاف ظروف الرواية فهي أمر طبيعي عام.
بل غيرنا أكثر ابتلاءاً بذلك منا! حيث الفت كتب ومجلدات تحاول معالجة تعارض الأحاديث مثل (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة، و (شرح مشكل الآثار) للطحاوي و(أختلاف الحديث) للشافعي، وغيرها.
فأقوال العلماء غير تأليف كتب كبيرة بمجلدات كثيرة في هذه المشكلة، فكيف يصح أن يطلق القول بأن عند مذهبنا من اختلاف الحديث أكثر من غيرنا؟!
مع العلم أن أحاديثنا أكثر عدداً من أحاديث الفرق الأخرى، ووجود التقية عندنا واستعمال الأئمة (ع) الواسع لها كل ذلك يسبب كثرة وقوع الاختلاف في الأحاديث مع الأسباب العامة المشتركة التي ذكرنا بعضها آنفاً.
فاختلاف الأحاديث والأخبار لا يمكن أن يكون مطعنا حقيقياً على الشيعة خصوصاً لوجود أسباب تبرر هذا الاختلاف في مذهبنا من أمثال التقية التي ننفرد بها، وكذلك ما صرح به الأئمة (ع) أنفسهم من جعل الخلاف بين الشيعة لحفظهم، بالإضافة إلى أسباب النقل والنقلة وبعد زمن الصدور والرواية بالمعنى، وما إلى ذلك من أسباب معروفة لدى الجميع.
ثم إن التعارض مثلما له مبررات وأسباب، فله علاجات وترجيحات، منها : أنه يقدم الصحيح الثابت على الضعيف غير الثابت، أو يقدم الأصح على الصحيح، أو الأشهر بين الأصحاب على الشاذ المفرد، أو يجمع بينهما بنحو من الأنحاء كأن يدل أحدهما على الوجوب والآخر على عدم الوجوب، أو التحريم والإباحة فيجمع بينهما حينئذٍ ليدلا على الاستحباب أو الكراهة، وغير ذلك من تعارض الظواهر ومعالجاتها.
ونقلك عن الشيخ الطوسي هذه الأقوال فيه تدليس عظيم وكذب صارخ لا يمكن قبوله أو تبريره!!حيث نقلت عن الشيخ الطوسي أنه قال :((هذا الاختلاف قد فاق ما عند المذاهب الأخرى، وأن هذا كان من أعظم الطعون على مذهبهم وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الاختلاف والتناقض)) ونسبته إلى كتابه (تهذيب الأحكام 1/ 132).
وحينما راجعنا كلامه هناك وجدنا أن كلامه يختلف عما نقلته وحصرته بين الأقواس اختلافا كبيراً لا يكاد يشبهه بالمرة بل هو يناقضه تماماً!!حيث قال الشيخ ناقلاً كلام أحد أصدقائه: ((ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا (والكلام لصديق الشيخ) وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا، وذكروا (المخالفون) أنه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الذي يدينون الله تعالى به ويشنعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع وينكرون أن هذا مما لا يجوز أن يتعبد به الحكيم ولا أن يبيح العمل به العليم، وقد وجدناكم (والكلام للمخالفين للشيعة) أشد اختلافاً من مخالفيكم وأكثر تبايناً من مباينيكم، ووجود هذا الأختلاف منكم مع أعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل)).
ثم قال صديق الشيخ الطوسي بعد ذلك مباشرة: ((حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهةُ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق لما أشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز عن حلِّ الشبهة فيه)).
ثم ردَّ صديق الشيخ الطوسي على مثل هؤلاء الراجعين عن القول والاعتقاد الحق بقوله: ((وهذا يدل على أنه دخل فيه على غير بصيرة واعتقد المذهب من جهة التقليد لأن الاختلاف في الفروع لا يوجب ترك ما ثبت بالأدلة من الأصول)).
ثم قال الشيخ: ((وذكر (يعني صديقه) أنه إذا كان الأمر على هذه الحالة فالاشتغال بشرح كتاب يحتوي على تأويل الأخبار المختلفة والأحاديث المتنافية من أعظم المهمات في الدين ومن أقرب القربات إلى الله تعالى، لما فيه من كثرة النفع للمبتدي والريض في العلم، وسألني (يعني صديقه نفسه) أن أقصد إلى رسالة شيخنا أبي عبد الله أيده الله تعالى الموسومة (بالمقنعة) لأنها شافية في معناها كافية في أكثر ما يحتاج إليه من أحكام الشريعة وأنها بعيدة من الحشو، وأن أقصد إلى أول باب يتعلق بالطهارة وأترك ما قدّمه قبل ذلك مما يتعلق بالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة لأن شرح ذلك يطول، وليس ايضاً المقصد بهذا الكتاب بيان ما يتعلق بالأصول، وأن أترجم كل باب على حسب ما ترجمه (شيخنا) وأذكر مسألة مسألة فأستدل عليها إما من ظاهر القرآن أو من صريحه أو فحواه أو دليله أو معناه، وإما من السنة المقطوع بها من الأخبار المتواترة أو الأخبار التي تقترن إليها القرائن التي تدل على صحتها، وإما من إجماع المسلمين إن كان فيها أو إجماع الفرقة المحقة، ثم أذكر بعد ذلك ما ورد من أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك وأنظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وأبين الوجه فيها إما بتأويل أجمع بينها وبينها، أو أذكر وجه الفساد فيها إما من ضعف إسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها فإذا أتفق الخبران على وجه لا ترجيح لأحدهما على الآخر بينتُ أن العمل يجب أن يكون بما يوافق دلالة الأصل أو ترك العمل بما يخالفه، وكذلك إن كان الحكم مما لا نص فيه على التعيين حملته على ما يقتضيه الأصل، ومهما تمكنت من تأويل فيه على التعيين حملته على ما يقتضيه الأصل، ومهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في إسنادها فإني لا أتعداه وأجتهدُ أن أروي في معنى ما أتأول الحديث عليه حديثاً آخر يتضمن ذلك المعنى إما من صريحه أو فحواه حتى أكون عاملاً على الفتيا والتأويل بالأثر وإن كان هذا مما لا يجب علينا لكنه مما يؤنس بالتمسك بالأحاديث، وأجري على عادتي هذه إلى آخر الكتاب وأوضح أيضاحاً لا يلتبس الوجه على أحد ممن نظر فيه (إنتهى طلب صديقه فقال الشيخ): فقصدتُ إلى عمل هذا الكتاب لما رأيت فيه من عظم المنفعة في الدين وكثرة الفائدة في الشريعة مع ما أنضم إليه من وجوب قضاء حق هذا الصديق أيّده الله تعالى...)) إلى آخر كلام الشيخ.
وكما هو واضح أنه ينقل كلام صديقه الذي ذاكره في هذه المسألة وعرض عليه التأليف في الرد على هذه الشبهة لا أن ذلك الكلام كان للشيخ مقرّاًً به متألماً منه كما صوّره وزعمه هذا الناقل المدلس!!هداه الله ووفقه للتوبة من الكذب على الحق وأهله آمين.(راجع ذلك في تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي1/2- 4).
وبذلك يتبين كذب الناقل وتدليسه في مواضع عديدة بعد أن نسبه جازماً للشيخ الطوسي مع وضوح كلام الشيخ بأن المتكلم والطالب هو أحد أصدقاء الشيخ وهذا بدوره نقل بشكل واضح عن المخالفين بعض الكلام الذي نسبه الناقل للشيخ الطوسي مع وضوح قول الشيخ بأن ذلك الكلام لمخالفي الشيعة، حيث قال الشيخ على لسان صديقه: ((... حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا وذكروا (أي المخالفون) أنه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالأختلاف الذي يدينون الله تعالى به ويشنعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ويذكرون أن هذا مما لا يجوز أن يتعبد به الحكيم... وقد وجدناكم أشد اختلافا من مخالفيكم وأكثر تبايناً من مباينيكم...)).
فهذا كله نقل لإشكال وكلام المخالف للشيعة فكيف ينسب للشيعة بل شيخ الطائفة؟!!
ثم إن في ذلك النقل للعبارة الثانية من التدليس والكذب الواضح!حيث أنها تختلف عما نقلناه هنا تماماً، وفيه من التحريف والتلاعب مالا يخفى، حيث جعله يحتمل أن يكون صادراً عن شيعي، فنسبه بألفاظ مختلفة تماماً عن عبارة الشيخ في مقدمة كتابه وجعلها من أقوال الشيخ، حيث قال عن الشيخ الطوسي: وقال: ((بأن هذا الاختلاف قد فاق ما عند المذاهب الأخرى وأن هذا من أعظم الطعون على مذهبهم وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب ل?