فاضل فخر الدين - كندا
منذ 5 سنوات

 كتب الحديث التي يرجع اليها الشيعة

هل صحيح ان الرسول(ص) امر بعدم تدوين او كتابة الحديث!! ان كان صحيح، فلماذا،و ان لم يكن صحيح، فلم لم يدون الحديث كله. سؤالي الثاني، يروى في صحاح اهل السنة عن ان الامام علي (ع) قال ان النبي لم يترك شئ (سوى كتاب الله و ما في هذه الصحيفة) فهل هي بعض احاديث ام ماذا، فإن صح لم لم يدون الحديث كله.


الأخ فاضل المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد تعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشكل إيجابي مع عملية الكتابة ويعرف ذلك من خلال السنة التقريرية والسنة الفعلية له (صلى الله عليه وآله) ففي السنة التقريرية يقول السيد محمد رضا الجلالي في تدوين السنة النبوية: كان في عصره (صلى الله عليه وآله) بعض الكتاب يمارسون الكتابة في المدينة منهم سعد بن الربيع وبشير بن سعد بن ثعلبة وكان هو (صلى الله عليه وآله) بحاجة إلى الكتاب إذ كان يراسل الملوك ويكتب الوجود والمعاهدات فكان من الضروري وجود كتّاب مجدين لدى حضرته المنيفة (صلى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى أن كتابة القرآن الكريم بشكل دائم ودقيق كانت تستدعي وجود كتاب محسبين. وكان الصحابة يكتبون الحديث من دون تحرج ولولا معرفتهم أباحته لم يكونوا يفعلون ذلك مع أنه مما لا ريب فيه أن جميع تلك المحاولات كانت بمرأى من الرسول (صلى الله عليه وآله) ومسمع بل كان بعضها بأمرمباشرمنه وتوجيه، فسكوته عليها وعدم منعه عنها يدل على رضاه بعملهم، وهذا ما يسميه علماء الأصول (السنة التقريرية). وقال في السنة الفعلية: تدوين السنة الشريفة - السيد محمد رضا الجلالي - ص 50 - 52 قد واجه الرسول صلى الله عليه وآله موضوع الكتابة، بشكل إيجابي منذ بداية الإسلام، فقام بأعمال تدل بوضوح على رغبته الأكيدة في تعميمها، وقد تناقل أهل العلم مواقف عديدة له نذكر منها: 1- أنه (صلى الله عليه وآله) أدخل الكتابة في قضية سياسية عسكرية، حيث جعل فداء الأسرى من المشركين، من كان يعرف منهم الكتابة والقراءة، أن يعلم كل منهم عشرة من أولاد المسلمين، فيكون فداؤه ذلك. روى الماوردي عن عكرمة أنه قال: بلغ فداء أهل بدر أربعة آلاف، حتى إن الرجل ليفادى على أنه يعلم الخط. قال الماوردي: لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره، وجلالة قدره، وظهور نفعه وأثره. 2- وأمر صلى الله عليه وآله بعض صحابته بتعليم الخط في المدينة، ومنهم: عبد الله بن سعيد بن العاص، وكان كاتبا محسنا. 3- وأمر النبي صلى الله عليه وآله بعض الصحابة بكتابة الأحاديث الشريفة المسموعة منه، أو سائر أخبار المسلمين وحوادث عصر النبوة، وخاصة الأحكام الشرعية والأقضية الصادرة منه (صلى الله عليه وآله ). 4- وكذلك أملى الرسول صلى الله عليه وآله على بعض أصحابه ما كتبوه، من أحاديثه وأقواله. ويمكن أن يعتبر هذا النواة الأولى لكتابة الحديث. ودلالة هذه السنة على جواز التدوين، وإباحته منذ البداية، أقوى من غيرها: 1- لأن النبي صلى الله عليه وآله هو القائم بها، وقد تمت على يده وتحت إشرافه المباشر. وهذا أوضح دلالة مما تم كتابته في عصره، وسكوته عليه، وتقريره له. 2- أن السنة الفعلية، أقوى دلالة من القولية، لعدم قبولها للتأويل أو التفسير المختلف فيه. وقال في ص 287: تدوين السنة الشريفة - السيد محمد رضا الجلالي - ص 287 - 296 إن أهم ما استند إليه المانعون لصحة المنع عن التدوين، هو النصوص المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله، التي تضمنت نهيه عن كتابة الحديث. وقبل أن نعرض تلك النصوص، لا بد من تقديم ملاحظة هامة، وهي: أن المانعين - رغم حرصهم على إثبات المنع، وإعطائه صبغة شرعية دينية. ومحاولتهم إسكات المعارضين بحجج متفاوتة - لم نجد بينهم من استند إلى هذه النصوص، ولا من نسب المنع إلى الشرع. فلم نجد في ما نقل عن عمر - وهو رائد المانعين وعمدتهم - أن نسب المنع إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وإنما التجأ هو وغيره من المانعين إلى تبريرات أخرى للمنع، ومصالح بنظرهم. ولا ريب، أن المنع لو كان مستندا إلى الشرع الكريم، لكان أحسن ذريعة للمانعين، كي يلجأوا إليها، ويتمسكوا بها، لإسكات المعارضين المبيحين. وهذه الملاحظة مما تدعنا نشكك في صدور تلك المجموعة من النصوص المنسوبة إلى الشرع، ونرتاب في نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله، بعد أن نجد أسانيدها معللة بعلل الاضطراب والضعف، مما يكفي لرفع اليد عنها، مع قطع النظر عن معارضتها لكل الأدلة التي قامت على إباحة التدوين. وقد ذكرنا هنا الروايات التي وردت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله كما هو ظاهر أسانيدها، دون الموقوفة على الصحابة، أو المنقطعة المروية عن التابعين، وذكرنا كل مجموعة من الأحاديث بعنوان راويها من الصحابة، وهي: 1- أحاديث أ بي سعيد الخدري: الحديث الأول: عن همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وآله، قال: لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن، فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه. وقد روي هذا الحديث عن همام مرفوعا، بألفاظ أخرى، كما يلي: -: لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، من كتب. -: لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، فمن كتب. -: لا تكتبوا عني شيئا، فمن كتب. -: لا تكتبوا عني، فمن كتب. ولو أعرضنا عما يرى في هذا النص من الاضطراب في المتن، بإثبات ( إلا ) تارة و ( سوى ) ثانية و ( غير ) ثالثة، وحذفها جميعا تارة أخرى! فذلك أمر يدل على عدم ضبط الراوي! فمن الممكن القول بأن الراوي إنما نقل الحديث بالمعنى، وأنه لم يغير شيئا ذا أهمية، ولم يحذف ماله أثر في مقصود الحديث!. إلا أن المهم ورود المناقشات التالية فيه، نذكرها ضمن أمور: الأمر الأول: المناقشة السندية: إن هذا الحديث لم يروه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله إلا همام بن يحيى. قال الخطيب: تفرد همام بروايته هذا الحديث عن زيد بن أسلم هكذا مرفوعا، ويقال: إن المحفوظ رواية هذا الحديث، عن أبي سعيد - هو - من قوله، غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله. ونقل عن البخاري وغيره: أن حديث أبي سعيد - هذا - موقوف عليه، فلا يصح الاحتجاج به ونسبه ابن حجر إلى بعض الأئمة. أقول: لا شك أن مثل هذه المناقشة في سند الحديث يؤدي إلى سقوطه عن الحجية في قبال الأحاديث السالمة عن مثل هذه المناقشة، والمسلم رفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله، والدالة على إباحة التدوين. قال الحازمي - في الوجه العشرين، من وجوه الترجيح بين الخبرين اللذين تعذر الجمع بينهما -: أن يكون أ حد الحديثين متفقا على رفعه، والآخر قد اختلف في رفعه ووقفه على الصحابي، فيجب ترجيح ما لم يختلف فيه، على ما اختلف فيه، لأن المتفق على رفعه حجة من جميع جهاته، والمختلف في رفعه على تقدير الوقف، هل يكون حجة أم لا ؟ فيه خلاف، والأخذ بالمتفق عليه، أقرب إلى الحيطة. وأقول: ليست المناقشة فيه بالخدشة في صحته، كما توهمه الشيخ أحمد شاكر، حيث قال: قد أجاب العلماء عن حديث أبي سعيد بأجوبة، فبعضهم أعله بأنه موقوف عليه. ثم قال: وهذا غير جيد، فإن الحديث صحيح. وذلك: لأن العلة في الحديث، لا تسقطه عن الصحة، ولذا أثبت مسلم هذا الحديث في صحيحه، لكنه على فرضه ( صحيح معلول غريب ). والعلة تسقط الحديث عن الحجية. مع أن هذا الحديث معلول - أيضا - بالغرابة، حيث إن تفرد همام عن زيد ... المزید يجعل أحاديث إباحة الكتابة الصحيحة أرجح منه، فليس فيها التفرد الذي في هذا الحديث. ولعل من أجل هذه العلة، ومن أجل غرابة الحديث بانفراد همام في رفعه، لم يورده البخاري في صحيحه، ولا غيره من أصحاب الصحاح، عدا مسلم. وأما ما رواه الخطيب، من متابعة سفيان الثوري لهمام، في رواية الحديث - مرفوعا - عن زيد. ففيه: أن في سنده النضر بن طاهر، وقد ضعفوه جدا، ونسبوه إلى السرقة، وقالوا: ربما أخطأ ووهم. فلا يصح الاستناد إلى هذه المتابعة في إثبات رفع ذلك الحديث. وأخيرا، العجيب في الأمر أن أبا سعيد - الذي روى الحديث المرفوع - هذا - في كراهة الكتابة - لا نجده يرى علة لهذا المنع، إلا أنه لا يريد أن يجعل الحديث كالقرآن في مصاحف، ولا يذكر أن العلة هي أن الرسول صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك. وهذا يؤيد ما قيل من أن الحديث الذي نقلوه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إنما هو موقوف عليه. الأمر الثاني: المناقشة في الدلالة: قال ابن الديبع - بعد أن عزا الحديث إلى مسلم - ما نصه: وقد قيل: إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صفحة واحدة، فيختلط به، فيشتبه. وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر هذا المعنى، فقال: وأجاب العلماء بأن المنع إنما هو عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، خوف اختلاطهما على غير العارف في صدر الإسلام. واستفادة هذا المعنى - من الحديث - واضحة، إذا لاحظنا أن أبا سعيد راوي الحديث هو من أنصار هذا التبرير لمنع التدوين، والذي سنفصله في الفصل الثاني، هنا. وحاصله أن المنهي عنه إنما هو تدوين الحديث إلى جنب آيات القرآن، وفي صفحة واحدة، فالرسول إنما نهاهم عن ذلك خشية اختلاط الحديث بالقرآن. ويؤيد أن هذا الحديث غير ناظر إلى منع تدوين الحديث بقول مطلق: أن مسلما صاحب الصحيح، الذي أورد هذا الحديث إنما أورده في باب ترجمه بعنوان، باب التثبت في الحديث ولم يعنونه بباب المنع من كتابة الحديث، مثلا. فترجمة الباب - وهي تدل على ما فهمه المؤلف - لا تدل على ما يستفاد من ظاهر هذا الحديث، وإنما على مجرد المحافظة عليه، كما هو ظاهر. الأمر الثالث: شذوذ الحديث: أن ما يدل عليه الحديث، وهو النهي عن عموم كتابة غير القرآن لعموم الناس أمر لم يعمل به، قطعا. فكثير من الناس قد كتبوا، وكثير من الحديث قد كتب. وهذا بنفسه دليل على عدم الالتزام بما يدل عليه ظاهر الحديث، وأن العمل قد تحقق على خلافه، فلا بد - لو أريد التصديق به، والتسليم به سنديا - من تخصيصه بما دل على الجواز من الأحاديث، أو رفع اليد عنه. وقد اعترفوا بأن العلماء لم يلتزموا بما يدل عليه: قال شاكر: قد أجاب العلماء عن حديث أبي سعيد بأجوبة وذكرها واختار منها ما ذكره بقوله: والجواب الصحيح أن النهي منسوخ بأحاديث أخرى دلت على الإباحة... مع استقرار العمل بين أكثر الصحابة والتابعين، ثم اتفاق الأمة بعد ذلك على جوازها، كل هذا يدل على أن حديث أبي سعيد منسوخ. أقول: وسيأتي تفصيل هذا، في مناقشتنا العامة لأحاديث النهي الشرعي، في نهاية هذا الفصل. والغريب أن بعض المحققين جعل نفس هذا الحديث دليلا على أن تدوين الحديث بدأ في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، وقال: فألفاظ الحديث تدل على وجود من كان يدون الحديث في حياة الرسول الأولى. فالحديث على هذا ( شاذ ) لم يعمل به، ومثله لا يمكن الاستدلال به، سيما مع معارضته للأحاديث الصحاح الدالة على خلافه. الحديث الثاني، من أحاديث أبي سعيد الخدري: 1- عن سفيان بن عيينة، عن ابن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وآله أن أكتب الحديث، فأبى أن يأذن لي. 2- وبالسند: عن أبي سعيد الخدري، قال: استأذنا النبي صلى الله عليه وآله في الكتابة، فأبى أن يأذن لنا. 3- وعن سفيان بن عيينة قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله في أن يكتبوا، فلم يأذن لهم. وهذا الحديث، مع غض النظر عن الاضطراب في نصه - حيث ورد في الأول: استأذنت... لي، وفي الثاني: استأذنا... لنا، وفي الثالث: استأذنوا... لهم - فإنه يرد عليه: أولا: المناقشة السندية: حيث أن راويه - بجميع نصوصه - هو سفيان بن عيينة، الموسوم بالتدليس. وقد ظهر تدليسه في خصوص هذا الحديث، حيث روى النصين الأولين عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وروى النص الثالث عن زيد بن أ سلم نفسه! وهذا التدليس مضر بالصحة، لضعف عبد الرحمان فلا يمكن الاعتماد على هذا الحديث. وثانيا: المناقشة في الدلالة: فالمفروض في نصوص الحديث تخصيصها بكلمات: ( لي ) و ( لنا ) و ( لهم ) فالنهي الوارد في الحديث خاص بأصحاب أحد هذه الضمائر، وبما أن تعيين أحدها خاصة مشكل، فالالتزام بالأخص وهو ( لي ) هو القدر المتيقن، فيكون خصوص أبي سعيد قد نهي عن كتابة الحديث، وهذا لا يكون دليلا على النهي العام عن كتابة الحديث. ولو كان النهي عاما لم يحتج إلى التقييد بكلمات: ( لي ) و ( لنا ) و ( لهم ) وهو واضح. مع أن قوله في الحديث: فأبى أن يأذن، يقرب ذلك، فإن كلمة أبى، تفيد شدة الامتناع وذلك إنما يتحقق بالامتناع بعد المعاودة، فقد يكون أبو سعيد قد منع عن الكتابة أولا، فلما استأذن ثانيا أبى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يأذن له، لأمر ما، هو (صلى الله عليه وآله) أعلم به. نتيجة الاستدلال بأحاديث أ بي سعيد: قال المعلمي: لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي صلى الله عليه وآله، فالمروي... عن أبي سعيد روايتان: إحداهما: فيها الرفع إلى النبي صلى الله عليه وآله، ولم يذكر فيها امتناع أ بي سعيد. وهذا إما أنه خطأ، والصواب ( عن أبي سعيد من قوله ) كما قال البخاري وغير ه. وإما محمول على أمر خاص. وثانيتهما: رواية أبي نضرة عن أبي سعيد امتناعه هو، وليس فيها أن النبي صلى الله عليه وآله نهى. 2- أحاديث أبي هريرة: 1- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: خرج علينا رسول الله(صلى الله عليه وآله)- ونحن نكتب الأحاديث - فقال: ما هذا الذي تكتبون ؟ قلنا: أحاديث سمعناها منك. قال: أ كتابا غير كتاب الله تريدون ؟ ما أضل الأمم من قبلكم إلا ما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله. قال أبو هريرة: أ نتحدث عنك، يا رسول الله ؟. قال: نعم، تحدثوا عني، ولا حرج، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. 2- وروى أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: كنا قعودا نكتب ما نسمع من النبي صلى الله عليه وآله، فخرج علينا، فقال: ما هذا ؟ تكتبون ؟ فقلنا: ما نسمع. فقال: اكتبوا كتاب الله، أمحضوا كتاب الله، أ كتاب مع كتاب الله، أمحضوا كتاب الله - أو - خلصوه. قال: فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد، ثم أحرقناه بالنار. قلنا: أي رسول الله، أ نتحدث عنك ؟ قال: نعم، تحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. قال: فقلنا: يا رسول الله، أنتحدث عن بني إسرائيل ؟ قال: نعم، تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فإنكم لا تحدثون عنهم بشئ إلا وقد كان فيهم أعجب منه. وبالسند، مثله، وأضاف: قلنا: فنحدث عن بني إسرائيل ؟ قال: حدثوا ولا حرج، فإنكم لم تحدثوا عنهم بشئ إلا وقد كان فيهم أعجب منه. قال أبو هريرة: فجمعناها في صعيد واحد فألقيناها في النار. قال الخطيب: هذا لفظ حديث القطيعي، والآخر بمعناه، إلا أنه قال فيه: أكتاب مع كتاب الله، أمحضوا كتاب الله، وأخلصوه. 3- وبالسند، عن أبي هريرة، قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله أن ناسا قد كتبوا حديثه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم، إنما أنا بشر، من كان عنده منها شئ فليأت به. فجمعناها، فأخرجت، فقلنا: يا رسول الله، نتحدث عنك ؟ قال: تحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. والمناقشة في هذه الأحاديث من وجوه: الأول: سنديا: فكلها ضعيفة بعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فلا يعتمد عليها. الثاني: دلالة: حيث إن النص الثاني صريح في النهي عن كتابة الحديث إلى جنب القرآن، لقوله صلى الله عليه وآله : أمحضوا كتاب الله، وأخلصوه. وليكن هذا قرينة على المراد من قوله: أكتاب مع كتاب الله ؟ في هذا النص الثالث والنص الأول. وسيأتي أن هذا هو التبرير الآخر الذي ذكروه لمنع التدوين، وسيأتي تفصيله في الفصل الثاني من هذا القسم. الثالث: معارضة أبي هريرة لذلك عمليا: إن هذه الروايات مرفوضة عمليا من قبل أبي هريرة نفسه، حيث التزم هو كتابة الحديث، وعرف عنه أنه أجاز ذلك وأباحه، كما أثرت عنه صحف وكتب. وقد ذكرنا جميع ذلك في الفصل الرابع من القسم الأول ونقلنا ما روى هو بأسانيد صحيحة من أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبو هريرة لم يكتب، فلذلك كان عبد الله أكثر حديثا منه. فالالتزام بدلالة هذه الأحاديث على المنع من التدوين، ينافي كل ذلك. 3- أحاديث زيد بن ثابت: 1- عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: قال زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. 2- وبالسند، عن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يكتب حديثه. وهذان الحديثان واضحا الدلالة على المنع، إلا أنهما لا يتمان سندا: ففي السند كثير بن زيد، قالوا فيه: ليس بالقوي، ضعيف، فيه لين، فلا يحتج به، إذن. والمطلب بن عبد الله كان كثير التدليس والإرسال. قال الرازي: عامة روايته مرسل وقال المعلمي: لم يدرك زيدا. وقد جعل روايته عن أبي هريرة، المتوفى سنة ( 57 - أو - 59 ه )مرسلة، وكذلك قيل: إن روايته عن عائشة مرسلة مع أنها توفيت سنة ( 57 ه ) فتكون روايته عن زيد بن ثابت، المتوفى سنة ( 55 ه ) وقيل قبلها مرسلة قطعا. وقد حكم بعضهم بانقطاع الحديث. المناقشات العامة في الأحاديث المرفوعة الناهية: ذلك مجموع الأحاديث الناهية عن تدوين الحديث، والمرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله، وهي كلها - كما عرفت - ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها للاحتجاج على ما ادعوه من حرمة التدوين في الشرع المبين، عدا حديث واحد عد صحيحا، أدرجه مسلم في جامعه، لكنه معلل بالترديد بين الوقف والرفع، ولذلك لم يورده البخاري في صحيحه، وهذه العلة - وإن لم تخرجه عن الصحة - إلا أنها تسقطه عن الاحتجاج بها، في قبال الصحاح الكثيرة الدالة على إباحة التدوين. قال الدكتور رفعت: وعلى هذا فلم يسلم من الضعف - في هذه الأحاديث جميعها - إلا حديث واحد، تفرد به رواته، وقيل فيه إنه موقوف على الصحابي (وهو حديث أبي سعيد الخدري). ويقول صاحب الأنوار الكاشفة: أ ما أحاديث النهي فإنما هي حديث مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد، وآخر متفق على ضعفه وهو المروي عن زيد بن ثابت. مع أن تلك الأحاديث تدور على نفر معدود من الصحابة كما عرفنا مفصلا، وهم عدد قليل، على حين نرى أن كثيرا من الصحابة قد كتبوا. ومن مجموع ذلك تبين مدى المبالغة في قول الدكتور الشيخ نور الدين عتر، حيث يقول: وردت الأحاديث عنه صلى الله عليه وآله في ذلك من رواية جماعة من الصحابة... ما لا يدع مجالا للتردد في صحة ثبوت ذلك عنه عليه السلام. ولو أعرضنا عن هذه المناقشة، وأعرضنا عن ما أوردناه على كل واحد من أحاديث النهي، واعترفنا بقابلية هذه الأحاديث للاعتماد، فإنها معارضة بروايات تدل على إباحة التدوين، وهي أصح سندا، وأوضح دلالة، وأكثر رواة عن النبي صلى الله عليه وآله، من روايات الأقوال والأفعال، وفيها ما يأبى التقييد والتخصيص، وقد تقدم ذكرها مفصلا في الفصل الثاني من القسم الأول. وقد أقر الجميع بورود أحاديث الإذن في الكتابة، وإباحة التدوين، وأنه آخر الأمرين، فيكون ناسخا للنهي قطعا كما سيأتي. قال الدكتور عتر: لا مجال للشك في إذنه (صلى الله عليه وآله )في الكتابة. فنقول: إذا كانت أحاديث المنع لا تتجاوز الآحاد، فإن أحاديث الإذن تبلغ الاستفاضة والشهرة، بلا ريب. بل قال الدكتور عتر: وردت أحاديث كثيرة، عن عدد من الصحابة تبلغ بمجموعها رتبة التواتر في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده (صلى الله عليه وآله). ونحن - وإن كنا على اطمئنان بورود أحاديث وقوع الكتابة، وعلى يقين من إباحة التدوين - إلا أن ادعاء التواتر لتلك الأحاديث لا يخلو من صعوبة، اللهم إلا أن يراد التواتر المعنوي! وبهذا تبين أن المعارضة بين أحاديث المنع، وبين أحاديث الجواز والإباحة، إنما هي معارضة صورية، فإن أخبار الآحاد لا تعارض المتواتر، بل ولا المشهور المستفيض! وعلى فرض قابلية أحاديث المنع للاعتماد في أنفسها، إلا أن هناك مانعا عن العمل بها، لإعراض الأمة - ولو بعد حين - عنها، إعراضا كليا، كاشفا عن عدم حجيتها، لما ثبت من تحقق إجماع الأمة - عمليا وقوليا - على جواز الكتابة، بل وكونها من الضروريات. وإجماعهم في نفسه حجة، كما ثبت في محله في أصول الفقه! وهذا كاف في إهمال أحاديث المنع، وعدم الاعتناء بها، فلا تصلح لمعارضة أحاديث الجواز، المتفق على العمل بمضامينها. فما بال بعض المعاصرين يحاول أن يوجه المنع من تدوين الحديث - بعد الرسول صلى الله عليه وآله بالاستناد إلى أحاديث المنع المنسوخة - على تقدير ورودها ورفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله ؟ أو المحكومة أمام أحاديث الجواز وإباحة التدوين. وأما نحن فنرى أن روايات المنع أحاديث موهونة، لم يصح رفع شئ منها، وإنما هي من صنع الحكام الذين استهدفوا السنة بمنع النقل والتدوين، ومن وضع الممالئين لهم من الصحابة، والتابعين لهم على تلك الأهداف.( تدوين السنة النبوية ). أما الروايات التي تذكر أنه ما كتب عن رسول الله سوى القرآن وصحيفة معارضه بروايات كثيرة تشير إلى أن الذي دون عن النبي الكثير من قبل الإمام علي (عليه السلام) حتى صار كتاباً ومن تلك الروايات ما ذكره السبحاني في أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - - ص 578 – 580: 1- روى أبو بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كنت عنده فدعا بالجامعة فنظر فيها أبو جعفر (عليه السلام) فإذا فيها: " المرأة تموت وتترك زوجها ليس لها وارث غيره قال: فله المال كله ". 2- روى أبو بصير المرادي قال: سألت أبا عبد الله عن شئ من الفرائض، فقال: " ألا أخرج لك كتاب علي (عليه السلام) " - إلى أن قال: - فأخرجه فإذا كتاب جليل وإذا فيه: " رجل مات وترك عمه وخاله فقال: للعم الثلثان، وللخال الثلث ". 3- روى عبد الملك بن أعين قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويا، فإذا فيه: " إن النساء ليس لهن من عقار الرجل - إذا هو توفي عنها - شئ فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا والله خط علي بيده، وإملاء رسول الله ". 4- روى محمد بن مسلم الثقفي: قال: أقرأني أبو جعفر كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله وخط علي فإذا فيها: " إن السهام لا تعول ". 5- روى عذافر الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر (عليه السلام) فجعل يسأله وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرما، فاختلفا في شئ، فقال أبو جعفر: " يا بني قم فأخرج كتاب علي " فأخرج كتابا مدرجا عظيما وفتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال أبو جعفر (عليه السلام): " هذا خط علي (عليه السلام)، وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". وهذه الروايات تكشف عن أن كتاب الفرائض الذي ذكر لعلي (عليه السلام) كان جزءا من كتابه الكبير. 6- روى ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلي في غيره مما أحل الله أكله " ثم قال: " يا زرارة هذا عن رسول الله ". وقد اقتصرنا على هذا المقدار ليعلم أن الكتاب أقدم جامع حديثي، أملاه النبي وكتبه الإمام علي، وكان الكتاب موجودا بين أئمة أهل البيت يرثونه كابراً عن كابر، يصدرون عنه في الإفتاء وشاهده غير واحد من أصحابهم، والكتاب وإن لم يكن موجودا بشخاصه بيننا، لكن روى أصحاب الجوامع الحديثية كالكليني. والصدوق والطوسي قسما كبيرا منه، وفرقوا أحاديثه على أبواب كتبهم على الترتيب المألوف. ثم قال إن هذه الرواية ( رواية الصحيفة ) مهما صحت ونقلها أئمة الحديث لا تقابل ما نقلناه عن أئمة أهل البيت حول كتاب علي ومواصفاته ومشاهدة جم غفير لهذا الكتاب وقد نقلنا النزر اليسير من الكثير وهذا الحديث وما شابهه في التعبير وضع لنفي ما عند علي من ودائع النبوة وعلوم النبي (صلى الله عليه وآله ). وأما السبب في عدم تدوين كل الحديث فهو بسبب عوامل عدّة منها منع تدوين الحديث من قبل الخلفاء الأوائل فقد أحرق أبو بكر خمس مائة حديث ومنع أبو بكر من رواية الحديث فقال: فلا تحدثوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله) شيئاً فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه وكذلك فعل عمر حتى كتب إلى الأمصار: ( من كان عنده منها شيء فليمحه ) وكذلك أحرق عمر كتب كثيرة بعد أن جمعها من الصحابة بعد أن ظنّ المسلمون أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف. وقد يحسن البعض الظن بعمر وأبي بكر حيث فعلا ذلك ؟ ولكننا نقول إنه كان من وراء هذا الحرق هدف مهم وهو إما إرجاعها جاهلية كما اتفقوا، أو أن في هذه الأحاديث فضائحهم التي تهدد سلطانهم. ودمتم في رعاية الله