لقد وجه لي احد الوهابية الذي اناظره كلاما عن الحديث عندهم وعلى ماذا يستندون ومن هذا القول :
ان كل كتاب فيه اسناد سواء من مصنفات أهل السنة أو غيرهم ، إذا توفرت على هذه الشروط الخمسة فهي مقبولة عندنا نحن (أهل السنة والجماعة) فرسان علم الحديث :
والشروط هي :
1- عدالة الراوي .
2- اتقانه في الحفظ وضبطه لمرياته .
3- اتصال سنده الى قائله .
4- ألا يكون سنده ومتنه شاذا .
5- ألا يكون في سنده ومتنه علة خفية قادحة توجب ضعف الرواية .
ثم اكمل قائلا : أي رواية تتوفر فيها هذه الشروط نحن نقبلها ، سواء كانت في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما .
ثم اردفه بسؤال : ذكر الحر العاملي في بعض كتبه شروط صحة الرواية عند الإمامية ، وهي تكاد ان
تكون نفس الشروط التي عندنا نحن أهل السنة والجماعة ، إلا أنه زاد شيئا وهو : أن يكون الراوي إماميا .السؤال هو :
نريد فقط رواية واحدة تثبت الإمامة لأولئك الإثناعشر الذين تعبدونهم ، من كتب الشيعة الإمامية تنطبق عليها هذه الشروط ؟
ورواية واحدة تنطبق عليها تلك الشروط ، من معصوم واحد من أئمتكم ، يقول أن القران الذي بين أيدينا محفوظ من التحريف ؟
وصلى الله على محمد وآل محمد
الأخت شاجان المحترمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: ينبغي أن تنبهوا من تناقشوه وتناظروه أن يلتزم الأدب ولا يتعدى على المقابل ورموزه وآرائه وان يحترموه مثل ما يريد أن يحترم.
أما هذا الشخص الذي تجاوز بقوله (تعبدونهم) فانه تجاوز أدب الحوار واحترام المخالف والمناظر له فيجب أن ينبه على ذلك أولا. ثانياً: أما قوله بأنهم فرسان علم الحديث، فهذا ادعاء يحتاج إلى دليل، بل الدليل على خلافه، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار تعديلهم وتوثيقهم وروايتهم عن الخوارج والنواصب وجعلهم في أعلى درجات الصحة وترك الرواية عن الشيعة أو تضعيفهم غالبا وعدم الرواية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الا نادرا وعدم الاحتجاج بحديثهم أن خالفوا روايات النواصب والحكومات. ثالثاً: أما الشروط التي ذكرها وادعى أن الشيخ الحر العاملي أضاف اليها كون الراوي إماميا، فهذا مصطلح للحديث الصحيح ولا يساوق الحجية، إذ أن حديث الثقة مهما كان مذهبه نحتج به، بل نقل غير واحد من جهاذبة المذهب أن على ذلك إجماع الإمامية.
كالحر العاملي نفسه في (خاتمة الوسائل /الفائدة الثامنة) وشيخ الأصوليين مرتضى الأنصاري في (رسائله/ مبحث حجية خبر الواحد) والشيخ المظفر في كتابه (أصول الفقه/ مبحث حجية الخبر الواحد).
وبالتالي فان هناك فرقاً مبنائيا بيننا وبينهم في مسألة الحجية، فنحن عندنا تكون الحجية مساوقه للوثاقة أو الوثوق، وهم عندهم مساوقة للعدالة، والعدالة تعني كونهم من مذهبهم إذ أن المبتدع عندهم فاسق فيكون مخالفا لشرط العدالة فيسقط حديثه خصوصا إذا كان رافضيا أو داعية إلى مذهبه وبدعته مصرحا بها مشهورا ومعروفا و مجاهرا بها بين الناس. رابعاً: والمهم هنا أن قوله زاد على هذه الشروط الحر العاملي شرط ( كون الراوي أماميا )، خطأ واضح منه وقلب للحقائق! إذ أن هذا القول هو عينه شرطهم الأول من كون الراوي عادلا أي سنيا وغير مبتدع أو فاسق، فلم يزد الشيخ العاملي (قد) شيئا على شروطهم، بل كما قلنا أننا نحتج بحديث المخالفين ونسميه (الحديث الموثق) إن ثبتت وثاقة الرواة وشرط كون الراوي إماميا لا علاقة له بالحجية وإنما هو اصطلاح لأقسام الحديث، فلا نسمي ولا نطلق الصحة إلا بشروط الحديث الصحيح التي تتضمن كون الراوي إماميا.أما غير الإمامي فعندنا يجوز الاحتجاج بحديثه أيضا وهو بمنزلة حديث الإمامي الثقة بل أفضل وأقوى من حديث الإمامي الممدوح غير المصرح بتوثيقه، لان حديث الاخير يسمى عندنا حسن وهو أدنى درجة من الحديث الصحيح والموثق مع كون الثلاثة تقوم بها الحجة ويمكن الاستدلال بها أو إثبات حكم شرعي عن طريقها ناهيك عن تفضيله على حديث الإمامي المجهول أو المهمل أو الضعيف، فانظر الحق واحكم بانصاف! خامساً: أما ماطلبه بخصوص إثبات الإمامة، فأدلتنا في العقائد مبنية على العقل أولا ثم القطع واليقين كالتواتر مثلا ولا تقبل الظن في العقائد كما قال تعالى: (( وَمَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ الحَقِّ شَيئًا )) (النجم:28) وانكاره عز وجل على من يتبع الظن: (( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلَّا يَخرُصُونَ )) (الانعام:116). فحديث الآحاد حتى لو بلغ أعلى درجات الصحة فلا يمكن أن يكون دليلا برهانيا مقبولا تقام عليه عقيدة ويؤسس عليه دين أو مذهب لأنه ظنّي الثبوت. ولو راجع كتبنا وأدلتنا في الإمامة لوجد الأدلة الكثيرة والأحاديث المتواترة والتي تقوم بها الحجة البالغة والله يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم. ومع ذلك مما تقدم في بيان حجية الخبر عندنا سوف تجد عشرات أو مئات الأحاديث التي تنطبق على ما ذكرت من شروط تثبت إمامة الأئمة (عليهم السلام) وتجد مثالاً لما طلبت على صفحتنا (الأسئلة العقائدية/النص على الأئمة). سادساً: أما مسألة عدم التحريف فلدينا ما يشير إلى ذلك بروايات عديدة:
1- رواية الكافي الشريف (8/53) عن الإمام الباقر(عليه السلام) يقول فيها : (وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه) فهذه الرواية تصرح بأن حروف القرآن وكلماته محفوظة وانما وقع التحريف في المعنى والتأويل.
2- ورواية الكافي أيضا (8/308) ونهج البلاغة وغيرها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الأسلام إلا اسمه).
3- وردت أحاديث عديدة قد تصل الا حد التواتر في فضل قراءة القرآن عن أئمتنا المتأخرين كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام )، وهذا يدل على إقرارهم لهذا القرآن الذي بين أيدينا وأنه كلام الله حقا.
4- وردت أحاديث تصل إلى حد التواتر أيضا تأمرنا بعرض الرواية والخبر على كتاب الله تعالى وردها إن خالفته أو ناقضته. وهذا يدل على الاعتراف بالقرآن وأنه لم يحرف أبدا وان كل ما فية هو كلام الله تعالى، بالإضافة إلى إن روايات التحريف تصطدم مع القرآن وتعارضه تماما كقوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9) وقوله تعالى: (( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) (فصلت:41-42).
5- وردت أحاديث صحيحة السند ايضاً يسأل الإمام (عليه السلام) عن اسم الإمام علي والأئمة (عليهم السلام) في القرآن ويثبت الإمام (عليه السلام) بأنه لا يوجد أسم أحد الأئمة (عليهم السلام) في القرآن.
فقد روى الكافي الشريف أيضاً في صحيحة أبى بصير فال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (النساء:59) قال: (نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليه السلام) فقلت له: إن الناس يقولون فما له لم يسم عليا أهل بيته في كتاب الله.
قال (عليه السلام) فقولوا لهم : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر لهم ذلك ... المزید).
وهذه الصحيحة تثبت عدم وجود اسم علي (عليه السلام) في القرآن فلا سورة ولاية ولا نورين ولا بلغ ما انزل اليك في علي ولا ولا...
وقال السيد الخوئي (قد) بعد هذه الرواية في كتابه (البيان ص232): ((فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات وموضحة للمراد منها وأن ذكر اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير أو بعنوان التنزيل مع عدم الأمر بالتبليغ.
ويضاف إلى ذلك أن المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا بذكر اسم علي في القرآن ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك ابلغ في الحجة...)).
وقال السيد الخوئي (قد) أيضا (ص234) في معرض رده على روايات التحريف بالاستدلال بأحاديث العرض على كتاب الله تعالى وطرحها إن عارضته بقوله: ((ما رواه الشيخ الصدوق بسنده الصحيح عن الصادق (عليه السلام): الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه...)).
وما رواه الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله ((القطب الراوندي)) بسنده الصحيح إلى الصادق (عليه السلام): (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه...).
وغير هذه الروايات الصحيحة كثير يثبت بأن القرآن محفوظ وهو الأصل في التشريع وكل تشريع يتفرع عنه بعد أن يعرض عليه وهذا العرض والإحالة يثبت عدم تحريف القرآن الكريم أو تغيير شيء من آياته.
ودمتم في رعاية الله