( 17 سنة ) - العراق
منذ 4 سنوات

دخول الجن جسم الإنسان

هل صحيح أن الجن يمكن أن تدخل جسم الإنسان، أم أنه خرافة؟


لايخفى أن إبليس لعنة الله عليه هو من الجن، وأن له ذريةً وقبيلاً، فقد قال تعالى: (( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ... المزید))، وقال أيضاً : (( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ )). ومعروف أن للشيطان تأثيراً على الإنسان بالوسوسة والإغواء بإلقاء المعاني في نفسه، ولكن يبقى للإنسان الاختيار من الأخذ بقول الملائكة التي أيضًا تُلقي في روعه الإلهامات، أو يختار قول الشيطان ووسوسته. فلا يكون بذلك للشيطان سلطان على الإنسان، لذا قال تعالى: ((وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكم )) هذا ما يتمسك به القائلون على عدم قدرة النفوذ والسيطرة من قبل الجان على الإنسان. بالإضافة إلى أمر آخر وهو أن الأنبياء والعلماء يدعون الناس إلى لعن الشيطان والبراءة منه، فوجب أن تكون العداوة بين الشياطين وبينهم أعظم أنواع العداوة، فلو كانوا قادرين على النفوذ في بواطن البشر، وعلى إيصال البلاء والشرّ إليهم لوجب أن يكون تضرّر الأنبياء والعلماء منهم أشد من تضرر كل أحد، ولمّا لم يكن كذلك علمنا أنه باطل... (انظر بحار الأنوار : 60 / 331). أما من يرى أن للجنّ قدرة على النفوذ في بواطن البشر، فيستدل بما يأتي: 1- أنه إن كان الجن عبارة عن موجود ليس بجسم ولا جسماني، فحينئذ يكون معنى كونه قادراً على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه، وذلك غير مستبعد، وإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف كان نفاذه في باطن بني آدم غير ممتنع قياساً على النفس وغيره. 2- قوله تعالى: (( لا يَقُومُونَ إلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ)). 3- قوله (عليه السلام): (إن الشيطان ليجري من بني آم مجرى الدم).4- 4- ما رُوِيَ عَنْ أَبِي اَلصَّبَّاحِ اَلْكِنَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ اَلْبَاقِرَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَقُولُ: خَدَمَ أَبُو خَالِدٍ اَلْكَابُلِيُّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) بُرْهَةً مِنَ اَلزَّمَانِ، ثُمَّ شَكَا شِدَّةَ شَوْقِهِ إِلَى وَالِدَيْهِ، وَ سَأَلَهُ اَلْإِذْنَ فِي اَلْخُرُوجِ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ): يَا كَنْكَرُ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا غَداً رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ، لَهُ قَدْرٌ وَ جَاهٌ وَ مَالٌ، وَ مَعَهُ اِبْنَةٌ لَهُ قَدْ أَصَابَهَا عَارِضٌ مِنَ اَلْجِنِّ، وَ هُوَ يَطْلُبُ مُعَالِجاً يُعَالِجُهَا، وَ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ مَالَهُ، فَإِذَا قَدِمَ فَصِرْ إِلَيْهِ أَوَّلَ اَلنَّاسِ، وَ قُلْ لَهُ: أَنَا أُعَالِجُ اِبْنَتَكَ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَطْمَئِنُّ إِلَى قَوْلِكَ، وَ يَبْذُلُ لَكَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ قَدِمَ اَلشَّامِيُّ وَ مَعَهُ اِبْنَتُهُ، وَ طَلَبَ مُعَالِجاً، فَقَالَ لَهُ أَبُو خَالِدٍ: أَنَا أُعَالِجُهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً، فَضَمِنَ أَبُوهَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَادَهُ أَبُو خَالِدٍ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): يَا أَبَا خَالِدٍ إِنَّهُ سَيَغْدِرُ بِكَ، قَالَ: قَدْ أَلْزَمْتُهُ اَلْمَالَ، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَخُذْ بِأُذُنِ اَلْجَارِيَةِ اَلْيُسْرَى وَ قُلْ: يَا خَبِيثُ يَقُولُ لَكَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ: اُخْرُجْ مِنْ بَدَنِ هَذِهِ اَلْجَارِيَةِ وَ لاَ تَعُدْ إِلَيْهَا، فَفَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ، فَخَرَجَ عَنْهَا، وَ أَفَاقَتِ اَلْجَارِيَةُ مِنْ جُنُونِهَا، وَ طَالَبَهُ بِالْمَالِ، فَدَافَعَهُ، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ، أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ يَغْدِرُ، وَ لَكِنْ سَيَعُودُ إِلَيْهَا غَداً، فَإِذَا أَتَاكَ فَقُلْ: إِنَّمَا عَادَ إِلَيْهَا لِأَنَّكَ لَمْ تَفِ بِمَا ضَمِنْتَ لِي، فَإِنْ وَضَعْتَ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) عَالَجْتُهَا عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَصَابَهَا مِنَ اَلْجِنِّ عَارِضٌ، فَأَتَى أَبُوهَا إِلَى أَبِي خَالِدٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو خَالِدٍ: ضَعِ اَلْمَالَ عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، فَإِنِّي أُعَالِجُهَا عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً، فَوَضَعَ اَلْمَالَ عَلَى يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، وَ ذَهَبَ أَبُو خَالِدٍ إِلَى اَلْجَارِيَةِ، وَ قَالَ فِي أُذُنِهَا كَمَا قَالَ أَوَّلاً، ثُمَّ قَالَ: إِنْ عُدْتَ إِلَيْهَا أَحْرَقْتُكَ بِنَارِ اَللَّهِ، فَخَرَجَ وَ أَفَاقَتِ اَلْجَارِيَةُ وَ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، فَأَخَذَ أَبُو خَالِدٍ اَلْمَالَ، وَ أَذِنَ لَهُ فِي اَلْخُرُوجِ إِلَى وَالِدَيْهِ، فَخَرَجَ بِالْمَالِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى وَالِدَيْهِ) . الخرائج و الجرائح ج۱ ، ص٢٦٢ ويمكن أن نقول في تصور الجمع بين تلك الأدلة ماحاصله: إن المسّ والجنون لا يسع أحد إنكاره ، وقد ورد ذكره غير مرة في القرآن الكريم وكذا في الروايات، إلا أن النفوذ يمكن أن يكون على مستويات، فهو حيناً مجرد طرح ووسوسة لا يستجيب لها الإنسان بأي استجابة، وأحياناً استجابة ذات حدٍّ معين، وأحياناً الاستيلاء الكامل، وهناك حالة من حالات الاستيلاء الكامل هي حالة المسّ الذي تصفه الآية، فتجعل الإنسان متخبطاً، ولعلها هي الحالة التي تُخرج البشر عن حالة الاستواء وتجعله أقرب إلى حالة المرض، وأما إصابة الضعفاء والجهال به فلأنّ الضعف والجهل نوع استعداد يستغله الجن في التصرف والعبث في بني آدم ، ومن أسبابه كذلك اختلال الذهن وارتجاج الدماغ وحصول أمزجة نفسية وأمراض سوداوية، فجميع هذه الأمور بمثابة السبب المعدّ لحدوث الإصابة بمسّ الجن، والله تعالى أعلم .

7