قال الامام علي امير المؤمنين عليه السلام: (انا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة).
وقال سلام الله عليه مخاطبا كميل عندما سأله : سيدي ما الحقيقة قال الامام عليه السلام: ما لك والحقيقة؟
قال كميل: او مثلك يخيب سائلا قال الامام: (الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة...) ارجو توضيح معنى الحديثين وثبتنا جميعا على التسليم في مقاماتهم عليهم السلام.
الأخ أبا ميثم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ البحث حول الأحاديث التي ذكرتموها أساساً من وجوه: أوّلاً: إنّ إسناد مثل هذه الروايات ليس بذلك الحدّ من الصحّة والتوثيق, فللبحث عن أسانيدها مجال للمتتّبع. فنحن لم نعثر على مصدر في تراثنا الحديثي لما نسبته أوّلاً إلى أمير المؤمنين(عليه السلام). نعم، هناك عبارة شبيهة بها أوردها رجب البرسي (كان حيّاً سنة 813هـ) في (مشارق أنوار اليقين) في خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام) مرسلة، وفيها: (أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه)( مشارق أنوار اليقين: 270، فصل: آثار عليّ بالكون)؛ هذا وقد ورد النص ذكرته في سؤالك في بعض المؤلّفات المتأخّرة، ولكن هذا لا يعني شيئاً في إثباتها. أمّا ما أوردته من خطاب أمير المؤمنين(عليه السلام) لكميل(رضي الله عنه)، فقد أورده السيّد حيدر الآملي(ق8هـ) في (جامع الأسرار)(جامع الأسرار ومنبع الانوار: 29 المقدّمة، و170 القاعدة الرابعة) مرسلاً أيضاً. ولكن هذا لا يعني إلغاء المتن بالمرّة, بل بمعنى عدم حجّيتها أي لا نتيّقن بأنّها بأكملها صدرت عن الإمام(عليه السلام)، فيحتمل أن يكون قد تغيّر بعض ألفاظها أو عبائرها. ثانياً: بناءاً على ما ذكرنا فإنّنا نأخذ بالقدر المتيقّن من المعاني والمفاهيم التي اشتملت عليها هذه الروايات والتي تؤيّدها سائر النصوص الدينية من الكتاب والسُنّة, ثمّ نطرح ما لا يستقيم ويتوافق مع هذه المسلّمات القطعيّة الصدور. ثالثاً: إنّ أمثال هذه الروايات ــ مثل خطبة البيان والتطنجية ــ وإن كان ظهوراتها ربّما يشمّ منها رائحة الغلوّ، ولكن يمكن تفسيرها على ضوء القواعد العقليّة والكلاميّة والنصوص القرآنيّة والروائية الصحيحة والمعتبرة سنداً ومتناً. وعلى سبيل المثال فرواية كميل يمكن تنزيلها على أنّ الإمام(عليه السلام) يريد أن يوضّح ويبيّن منازل التوحيد فيمثّل ويشير إلى ذلك، حتّى يكون في مستوى فهم السائل، كما يقال: ((المعقول ينظّر بالمحسوس))، ولبيان ما وراء الكلمات مجال واسع بين شرّاحها لط أن تراجعه في مضانّه. وأنّ الكلام المنسوب إلى عليّ أوّلاً، وكذا ما نقلناه عن رجب البرسي يمكن أن يراد به: أنّ الإمام(عليه السلام) لا بديل ولا نظير له في الوجود, وهذا مطلب صحيح وواضح وموافق لكافّة أدلّة إمامته(عليه السلام) العقليّة والنقلية. والمهمّ في هذا المقام أن لا نقع في أخطاء الصوفيّة والغلاة في تفسير هكذا روايات بمجرّد نظرة ساذجة لظاهرها. رابعاً: إنّ منازل الأئمّة والمعصومين(عليهم السلام) لا ينحصر ثبوتها أو إثباتها بروايات وأحاديث معيّنة, بل إنّ مراتبهم السامية هي أجلّ وأعظم من أن ينالها أو يحصرها مستوى الفكر البشري بحسب الأدلّة العقلية والنقلية. فما ذكرناه في هذا المجال ليس إلاّ بحث في المنهج العلمي, فلا يستنتج منه ــ والعياذ بالله ــ إنكار مقاماتهم المعنويّة, بل صفوة القول أنّ الاعتدال في تفسير النصوص هو الطريق المستقيم الذي يدعو إليه الأئمّة الهداة(عليهم السلام). ودمتم في رعاية الله