الكلام في الإماء، التي حريتهن تكون بمثابة حصن يحفظهن من أن يتجاوز حدوده أحد دون إذنهن، إلا أنه من الواضح أن المراد بها في الآية الحاضرة هو ذوات الأزواج.
إن هذا الحكم لا يختص بالنساء المحصنات المسلمات، بل يشمل المحصنات حتى غير المسلمات، أي أنه يحرم الزواج بهن مهما كان دينهن.
نعم يستثنى من هذا الحكم فقط النساء المحصنات الكتابيات اللاتي أسرهن المسلمون في الحروب،
فقد اعتبر الإسلام أسرهن بمثابة الطلاق من أزواجهن، وأذن أن يتزوج بهن المسلمون بعد انقضاء عدتهن أو يتعامل معهن كالإماء كما قال سبحانه: إلا ما ملكت أيمانكم.
ولكن هذا الاستثناء (استثناء منقطع يعني أن هذه النساء المحصنات اللاتي وقعن أسيرات في أيدي المسلمين لا يعتبرن محصنات لأن علاقتهن بأزواجهن قد انقطعت بمجرد وقوعهن أسيرات، تماما كما تنقطع علاقة النساء غير المسلمات بأزواجهن باعتناقهن الإسلام في صورة استمرار الزوج السابق على كفره،
فيكن في مصاف النساء المجردات من الأزواج (أي غير المحصنات).
ومن هنا يتضح أن الإسلام لا يسمح مطلقا بأن يتزوج المسلمون بالنساء المحصنات حتى الكتابيات وغيرهن من أهل الديانات الأخرى، ولهذا قرر لهن العدة، ومنع من الزواج بهن في تلك الفترة.
وفلسفة هذا الحكم تتمثل في أن هذا النوع من النساء إما يجب أن تعاد إلى دار الكفر، أو يبقين هكذا بدون زوج بين المسلمين، أو تقطع علاقتهن بالزوج السابق، ويتزوجن من جديد بزوج آخر،
وحيث أن الصورة الأولى تخالف الأسس التربوية الإسلامية،
كما أن الصورة الثانية عملية ظالمة،
ولهذا لا تبقى إلا صورة واحدة وهي الصورة الثالثة.
ويظهر من بعض الروايات التي ينتهي إسنادها إلى أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت في سبايا غزوة أوطاس وأن النبي (صلى الله عليه وآله ) سمح للمسلمين بأن يتزوجوا بهن بعد التأكد من كونهن غير حبالى أو يعاملن كما تعامل الأمة،
وهو يؤيد الصورة الثالثة….
ثم أن الله سبحانه أكد هذه الأحكام الواردة في شأن المحارم من النساء ومن شابههن حيث قال:
كتاب الله عليكم وعلى هذا لا يمكن تغيير هذه الأحكام أو العدول عنها أبدا.
ثم إنه يشير سبحانه إلى حلية الزواج بغير هذه الطوائف من المذكورات في هذه الآية والآيات السابقة إذ يقول:
وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين أي أنه يجوز لكم أن تتزوجوا بغير هذه الطوائف من النساء شريطة أن يتم ذلك وفق القوانين الإسلامية وأن يرافق مبادئ الفقه والطهر ويبتعد عن جادة الفجور والفسق.
وعلى هذا يكون معنى " محصنين " في الآية والذي هو إشارة إلى حال الرجال هو " عفيفين "،
وعبارة " غير مسافحين " تأكيد لهذا الوصف، لأن السفاح (الذي هو وزن كتاب) يعني الزنا وأصله من السفح وهو صب الماء أو الأعمال العابثة والأفعال الطائشة وحيث أن القرآن يستخدم - في مثل هذه الموارد - الكنايات يكون المراد من السفاح الزنا واللقاء الجنسي الغير المشروع.
وجملة أن تبتغوا بأموالكم إشارة إلى أن العلاقة الزوجية إما يجب أن تتم من خلال الزواج مع دفع صداق ومهر،
أو من خلال تملك أمة في لقاء دفع قيمتها
كما أن عبارة " غير مسافحين " في الآية الحاضرة لعلها إشارة إلى حقيقة أن الهدف من الزواج يجب أن لا يكون فقط إطفاء الشهوة، وتلبية الرغبة الجنسية، بل الزواج قضية حيوية هامة تهدف غاية جد سامية يجب أن تكون الغريزة الجنسية في خدمتها أيضا، ألا وهو بقاء النوع البشري، وحفظه من التلوث والانحراف.
يقول سبحانه: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة أي أنه يجب عليهم دفع أجور النساء اللاتي تستمتعون بهن، وهذا القسم من الآية إشارة إلى مسألة الزواج المؤقت أو ما يسمى بالمتعة، ويستفاد منها أن أصل تشريع الزواج المؤقت كان قطعيا ومسلما عند المسلمين قبل نزول هذه الآية، ولهذا يوصي المسلمون في هذه الآية بدفع أجورهن.
وحيث أن البحث في هذه المسألة من الأبحاث التفسيرية والفقهية والاجتماعية المهمة جدا يجب دراستها من عدة جهات هي:
1 - القرائن الموجودة في هذه الآية التي تؤكد دلالتها على الزواج المؤقت.
2 - إن الزواج المؤقت كان في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينسخ.
3 - الحاجة بل والضرورة الاجتماعية إلى هذا النوع من الزواج.
4 - الإجابة على بعض الإشكالات.
سنذكر بعض هذه النقاط لان الكلام يطول فيها و عليكم بمراجعة البحوث المفصله في ذلك …
وأما بالنسبة إلى النقطة الأولى فلابد من الالتفات إلى أمور:
أولا: إن كلمة المتعة التي اشتق منها لفظة " استمتعتم " تعني الزواج المؤقت، وبعبارة أخرى المتعة حقيقة شرعية في هذا النوع من الزواج، ويدل على ذلك أن هذه الكلمة استعملت في هذا المعنى نفسه في روايات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) وكلمات الصحابة مرارا وتكرارا ثانيا: إن هذه اللفظة إذا لم تكن بالمعنى المذكور يجب أن تفسر حتما بمعناها اللغوي وهو " الانتفاع " فيكون معنى هذا المقطع من الآية هكذا: " إذا انتفعتم بالنساء الدائمات فادفعوا إليهن أجورهن " في حين أننا نعلم إن دفع الصداق والمهر غير مقيد ولا مشروط بالانتفاع بالزوجات الدائمات بل يجب دفع تمام المهر - بناء على ما هو المشهور بين الفقهاء - أو نصفه على الأقل إلى المرأة بمجرد العقد للزواج الدائم عليها.
ثالثا: إن كبار " الصحابة " و " التابعين " مثل ابن عباس العالم (المفسر الإسلامي الكبير) وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعمران بن الحصين، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة والسدي، وجماعة كبيرة من مفسري أهل السنة، وجميع مفسري أهل البيت،
فهموا من الآية الحاضرة حكم الزواج المؤقت إلى درجة أن الفخر الرازي - رغم ما عهد عنه من التشكيك الكثير في القضايا المرتبطة بالشيعة وعقائد هم قال بعد بحث مفصل: والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول أنها منسوخة وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا، وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه، إنما الذي نقوله أن النسخ طرأ عليه
رابعا: اتفق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهم أعلم الناس بأسرار الوحي، على تفسير الآية المذكورة بهذا المعنى (أي بالزواج المؤقت) وقد وردت في هذا الصعيد روايات كثيرة منها.…