السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تذكر بعض الروايات أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)نهى أحد أصحابه عن الزهد مع أنّ سيرته كلّها زهد وترك لملذّات الدنيا، فكيف نفسّر ذلك؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بعض العوام لا يعرفون حقيقة الزهد في الإسلام، فيظنون أنّ الزهد ترك الدنيا مطلقاً، واختيار العزلة والانزواء الدائم، وهذا أمر لا يقرّه الإسلام، بل الزهد في درجة عالية من تهذيب النفس وقصر الأمل، قال النبي (صلى الله عليه و آله): "ليس الزهد في الدنيا لبس الخشن، وأكل الجشب، ولكن الزهد في الدنيا قصر الأمل".(النوري،مستدرك الوسائل:ج١٢،ص٤٤).
وإلى هذا المعنى يرجع قول أمير المؤمنين (عليه السلام):"الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه:{لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}، فمَن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتي، فقد استكمل الزهد بطرفيه".(الحر العاملي،وسائل الشيعة:ج١٦،ص١٩).
وقد رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض أصحابه يترك الدنيا ويلبس العباء ويتنسّك وقد هجر أهله، فأرشده إلى حقيقة الحال، كما في قصة عاصم بن زياد و أخيه الربيع، روى سبط ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس، أنّه قال: جاء الربيع بن زياد الحارثي إلى علي (عليه السلام) فقال:يا أمير المؤمنين، أعدل لي أخي عاصم بن زياد. فقال: وما باله؟ فقال:لبس العباءة وتنسّك وهجر أهله.
فقال (عليه السلام): عليّ به. فجاء وقد ائتزر بعباءة وارتدى بأخرى أشعث أغبر. فقال له: ويحك يا عاصم! أَما استحييت من أهلك، أَما رحمت ولدك، أَلم تسمع إلى قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات} أترى الله أباحها لك ولأمثالك و جو يكره أن تنال منه، أَما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ لنفسك عليك حقاً. فقال عاصم: فما بالك يا أمير المؤمنين، في خشونة ملبسك، وجشوبة مطعمك، وإنّما تزينت بزيك. فقال (عليه السلام): ويحك، إنّ الله فرض على أئمة الحق أن يتّصفوا بأوصاف رعيتهم، أو بأفقر رعيتهم، لئلا يزدرى الفقير بفقره، وليحمد الله الغني على غناه".( محمد عبده، شرح نهج البلاغة:ج٢،ص١٨٨).