logo-img
السیاسات و الشروط
unknown ( 27 سنة ) - العراق
منذ سنة

تفسير الآية

السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته يقول تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} سورة النساء الآية 5. ما تفسير الاية الكريمة بالتفصيل؟


السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب جاء في تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٤ - الصفحة ١٦٩-١٧٢: السفه خفة العقل وكأن الأصل في معناه مطلق الخفة فيما من شأنه أن لا يخف ومنه الزمام السفيه أي كثير الاضطراب وثوب سفيه أي ردئ النسج ثم غلب في خفة النفس واختلف باختلاف الأغراض والمقاصد فقيل سفيه لخفيف الرأي في الأمور الدنيوية وسفيه للفاسق غير المبالي في أمر دينه وهكذا. وظاهر ما يتراءى من الآية أنه نهى عن الاكثار في الانفاق على السفهاء وإعطائهم من المال أزيد من حاجاتهم الضرورية في الارتزاق غير أن وقوع الآية في سياق الكلام في أموال اليتامى التي يتولى أمر إدارتها وإنمائها الأولياء قرينة معينة على كون المراد بالسفهاء هم السفهاء من اليتامى وأن المراد بقوله أموالكم في الحقيقة أموالهم أضيف إلى الأولياء بنوع من العناية كما يشهد به أيضاً قوله بعد وارزقوهم فيها واكسوهم وإن كان ولابد من دلالة الآية على أمر سائر السفهاء غير اليتامى فالمراد بالسفهاء ما يعم اليتيم وغير اليتيم لكن الأول أرجح. وكيف كان فلو كان المراد بالسفهاء سفهاء اليتامى فالمراد بقوله أموالكم أموال اليتامى وإنما أضيفت إلى الأولياء المخاطبين بعناية أن مجموع المال والثروة الموجودة في الدنيا لمجموع أهلها وإنما اختص بعض أفراد المجتمع ببعض منه وآخر بآخر للصلاح العام الذي يبتنى عليه أصل الملك والاختصاص فيجب أن يتحقق الناس بهذه الحقيقة ويعلموا أنهم مجتمع واحد والمال كله لمجتمعهم وعلى كل واحد منهم أن يكلأه ويتحفظ به ولا يدعه يضيع بتبذير نفوس سفيهة وتدبير كل من لا يحسن التدبير كالصغير والمجنون وهذا من حيث الإضافة كقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم: النساء - 25 ومن المعلوم أن المراد بالفتيات ليس الإماء اللاتي يملكها من يريد النكاح. ففي الآية دلالة على حكم عام موجه إلى المجتمع وهو أن المجتمع ذو شخصية واحدة له كل المال الذي أقام الله به صلبه وجعله له معاشا فيلزم على المجتمع أن يدبره ويصلحه ويعرضه معرض النماء ويرتزق به ارتزاقاً معتدلاً مقتصداً ويحفظه عن الضيعة والفساد ومن فروع هذا الأصل أنه يجب على الأولياء أن يتولوا أمر السفهاء فلا يؤتوهم أموالهم فيضيعوها بوضعها في غير ما ينبغي أن توضع فيه بل عليهم أن يحبسوها عنهم ويصلحوا شأنها وينموها بالكسب والاتجار والاسترباح ويرزقوا أولئك السفهاء من فوائدها ونمائها دون أصلها حتى لا ينفد رويداً رويداً وينتهى إلى مسكنة صاحب المال وشقوته. ومن هنا يظهر أن المراد بقوله وارزقوهم فيها واكسوهم أن يرتزق السفيه في المال بأن يعيش من نمائه ونتاجه وأرباحه لا من المال بأن يشرع في الأكل من أصله على ركود منه من غير جريان ودوران فينفد عن آخره وهذه هي النكتة في قوله فيها دون أن يقول منها كما ذكره الزمخشري. ولا يبعد أن يستفاد من الآية عموم ولاية المحجور عليهم بمعنى أن الله لا يرضى بإهمال أمر هؤلاء بل على المجتمع الإسلامي تولى أمرهم فإن كان هناك واحد من الأولياء الأقربين كالأب والجد فعليه التولي والمباشرة وإلا فعلى الحكومة الشرعية أو على المؤمنين أن يقوموا بالامر على التفصيل المذكور في الفقه كلام في أن جميع المال لجميع الناس هذه حقيقة قرآنية هي أصل لاحكام وقوانين هامة في الإسلام أنى ما تفيده هذه الآية أن المال لله ملكاً حقيقياً جعله قياماً ومعاشاً للمجتمع الانساني من غير أن يقفه على شخص دون شخص وقفاً لا يتغير ولا يتبدل وهبة تنسلب معها قدرة التصرف التشريعي ثم أذن في اختصاصهم بهذا الذي خوله الجميع على طبق نسب مشرعة كالوراثة والحيازة والتجارة وغير ذلك وشرط لتصرفهم أمورا كالعقل والبلوغ ونحو ذلك. والأصل الثابت الذي يراعى حاله ويتقدر به فروعه هو كون الجميع للجميع فإنما تراعى المصالح الخاصة على تقدير انحفاظ المصلحة العامة التي تعود إلى المجتمع وعدم المزاحمة وأما مع المزاحمة والمفاوتة فالمقدم هو صلاح المجتمع من غير تردد. ويتفرع على هذا الأصل الأصيل في الاسلام فروع كثيرة هامة كأحكام الانفاق ومعظم أحكام المعاملات وغير ذلك وقد أيده الله تعالى في موارد من كتابه كقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا: البقرة - 29 وقد أوردنا بعض الكلام المتعلق بهذا المقام في البحث عن آيات الانفاق من سورة البقرة فليراجع هناك. قوله تعالى وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا قد تقدم استيفاء الكلام في معنى الرزق في قوله تعالى وترزق من تشاء بغير حساب: آل عمران - 27 وقوله وارزقوهم فيها واكسوهم كقوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن البقرة - 233 فالمراد بالرزق هو الغذاء الذي يغتذى به الانسان والكسوة ما يلبسه مما يقيه الحر والبرد غير أن لفظ الرزق والكسوة في عرف القرآن كالكسوة والنفقة في لساننا كالكناية تكنى بها عن مجموع ما ترتفع به حوائج الانسان المادية الحيوية فيدخل فيه سائر ما يحتاج إليه الانسان كالمسكن ونحوه كما أن الاكل ذو معنى خاص بحسب أصله ثم يكنى به عن مطلق التصرفات كقوله فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا الآية. وأما قوله وقولوا لهم قولا معروفا فإنما هو كلمة أخلاقية يصلح بها أمر الولاية فأن هؤلاء وإن كانوا سفهاء محجورين عن التصرف في أموالهم غير أنهم ليسوا حيوانا أعجم ولا من الانعام السائمة بل بشر يجب أن يعامل معهم معاملة الانسان فيكلموا بما يكلم به الانسان لا بالمنكر من القول ويعاشروا بما يعاشر به الانسان. ومن هنا يظهر أن من الممكن أن يكون قوله وقولوا لهم قولا معروفا كناية عن المعاملة الحسنة والمعاشرة الممدوحة غير المذمومة كما في قوله تعالى وقولوا للناس حسنا: البقرة - 83. دمتم في رعاية الله

1