logo-img
السیاسات و الشروط
( 35 سنة ) - العراق
منذ 4 سنوات

الثقة بالله تعالى

السلام عليكم كيف نعرف نحن عندنا ثقة بالله تعالى أم لا ؟ وكيف أقوي الثقة بالله تعالى؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته الثقة باللّه هي مادة الحياة ونعيمها التي تؤدي إلى الشعور بالطمأنينة كلما شعرنا بأن هناك يداً في الغيب تتلطف بنا وتأخذنا نحو التوفيق والسداد، ولكن بشرط أن نكون عند حُسن ظن الله تعالى بنا ونسعى في سبيل الارتقاء نحو الكمال لا أن نتكل من غير عمل، فالانطلاق والتغيير عادة يكون من أنفسنا نحن، ومن صور الثقة والتوكل التي نتحدث عنهما أولئك (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)، ونجد أهل البيت (عليهم السلام)قد أهتموا ببيان هذا المعنى من التوكل على الله والثقة به فنجد الإمام محمد الجواد "عليه السلام" قد أكد على الثقة بالله والتوكل عليه مبيناً أثرهما في حياتنا قائلاً: " الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا المؤمن" وقال: (إنه مَن وثق بالله أراه السرور) و(مَن توكل على الله كفاه الأمور) وقال عليه السلام: (التوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو). وكذلك نجد اعلى درجات التوكل على الله والثقة بعرزة وظاهرة في مدرسة عاشوراء والعلة في ذلك هو حقيقة التوكل التي تحملها الذات الحسينية المشرّفة. ولذلك: نجده عليه الصلاة والسلام يظهر لنا في مدرسة عاشوراء عامل الثقة بالله ودوره في الهزيمة والنصر في جميع مجالات الحياة، فيعيد بيانه في دعائه مرتين؛ فيقول: «اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمرٍ نزل بين ثقة وعدة». (الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص579). وفي ذلك يقول العلامة الطباطبائي قدس سره: (إن معنى التوكل على الله أنه ليس اعتمادا عليه سبحانه بإلغاء الأسباب الظاهرية بل سلب الاعتماد القطعي على الأسباب الظاهرية لأن الذي يبدو للإنسان منها بعض يسير منها دون جميعها، والسبب التام الذي لا يختلف عن مسببه هو الجميع الذي يحمل إرادته سبحانه. فالتوكل هو توجيه الثقة والاعتماد على الله سبحانه الذي بمشيته تدور رحى الأسباب اللائحة عليه من غير أن يلغي شيئا منها فيركب مطية الجهل). (تفسير الميزان: ج9، ص177). وحينما ظهر أن الثقة تنمو في النفس وتؤدي دورها من خلال حسن التوكل على الله عز وجل لزم من ذلك معرفة طريق تحصيل التوكل، والذي يمكن معرفته من خلال النقاط الآتية التي خلص إليها العلامة النراقي قدس سره: 1ــ بعد تقوية التوحيد والاعتقاد بأن الأمور بأسرها مستندة إليه سبحانه، وليس لغيره مدخلية فيها، أن يتذكر الآيات والأخبار المذكورة الدالة على فضيلته ومدحه، وكونه باعث النجاة والكفاية. 2ــ أن يتذكر أن الله سبحانه خلقه بعد أن لم يكن موجودا وأوجده من كتم العدم، وهيأ له ما يحتاج إليه، وهو أرأف بعباده من الوالدة بولدها، وقد ضمن بكفايته من توكل عليه، فيستحيل أن يضيعه بعد ذلك ولا يكفيه مؤونته ولا يوصل إليه ما يحتاج، ولا يدفع عنه ما يؤذيه، لتقدسه من العجز والنقص والخلف والسهو. 3ــ كما ينبغي له أن يتذكر الحكايات التي فيها عجائب صنع الله في وصول الأرزاق إلى صاحبها، وفي دفع البلايا والأسواء عن بعض عبيده، والحكايات التي فيها عجائب قهر الله في إهلاك أموال الأغنياء وإذلال الأقوياء وكم من عبد ليس له مال وبضاعة ويرزقه الله بسهولة، وكم من ذي مال وثروة هلكت بضاعته أو سرقت وصار محتاجا، وكم من قوي صاحب كثرة وعدة وسطوة صار عاجزا ذليلا، بلا سبب ظاهر، وكم من ذليل عاجز صار قويا واستولى على الكل، ومن تأمل في ذلك، يعلم أن الأمور بيد الله فيلزم الاعتماد عليه والثقة به. 4ــ والمناط: أن يعلم أن الأمور لو كانت بقدرة الله سبحانه من غير مدخلية للأسباب والوسائط فيها، فعدم التوكل عليه سبحانه ــ والثقة بغيره غاية الجهل، وإن كانت لغيره سبحانه من الوسائط والأسباب مدخلية فالتوكل من جملة أسباب الكفاية وإنجاح الأمور، إذ السمع والتجربة شاهدان بأن من توكل على الله وانقطع إليه كفاه الله كل مؤونة. فكما أن شرب الماء سبب لإزالة العطش، وأكل الطعام سبب لدفع الجوع، فكذا التوكل سبب رتبه مسبب الأسباب لإنجاح المقاصد وكفاية الأمور، وعلامة حصول التوكل، ألا يضطرب قلبه، ولا يبطل سكونه بفقد أسباب نفعه وحدوث أسباب ضره. فلو سرقت بضاعته، أو خسرت تجارته، أو تعوق أمر من أموره، كان راضيا به، ولم تبطل طمأنينته، ولم تضطرب نفسه، بل كان حال قلبه في السكون قبله وبعده واحدا، فإن من لم يسكن إلى شيء لم يضطرب بفقده، ومن اضطرب لفقد شيء سكن إليه واطمأن به. (جامع السعادات للنراقي: ج3، ص186، 187). إذن: ميزان الثقة في النفس وفي الآخر هو الله سبحانه وتعالى فمتى ما عظم إيماننا بالله وأيقنا بأنه مسبب الأسباب ومهيئ السبل وبيده مقادير الحياة والموت، والغنى والفقر، والصحة والمرض، عرفنا كيف نتعامل مع أنفسنا ومع من حولنا، وعرفنا كيف نبني الحياة ونحدد المستقبل، لأن المستقبل خاضع للمقدمات، ومداره مدار التوكل على الله تعالى. وأيقنا أن الفشل والنجاح، والهزيمة والنصر، تنبع من معرفتنا بأنفسنا، ومواطن ضعفها وقوتها، ومحاسنها ومساوئها، وطرق تقويمها، ففاقد الشيء لا يعطيه لغيره وفاقد الإيمان بالله لا يعطي الثقة لنفسه ولا لأحد من حوله، ومصيره دائما الهزيمة والفشل. ولذا نراه مضطرباً ومتردداً يحيطه الخوف ويؤرّقه الحذر، وما ذاك إلاّ لاختلال التوكل على الله تعالى.

9