تفسير آية
يقول تعالى في سورة الروم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا..... (٢١)﴾. ما تفسير الآية؟ هل هي تشمل الرجال والنساء أم الرجال فقط بأن جعل لهم أزواجا يسكنون إليها؟ وإن كانت للرجال فقط فماذا عن النساء؟
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب جاء في كتاب: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج١٢، الصفحة (٤٩٤-٤٩٧): الآية تتحدث أيضاً عن قسم آخر من الآيات في الأنفس، التي تمثل مرحلة ما بعد خلق الإنسان، فتقول: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها. أي من جنسكم والغاية هي السكينة الروحية والهدوء النفسي وحيث أن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة، وبين جميع الناس عامة، يحتاج إلى جذب قلبي وروحاني، فإن الآية تعقب على ذلك مضيفة وجعل بينكم مودة ورحمة. ولمزيد التأكيد تختتم الآية بالقول: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. الطريف هنا أن القرآن - في هذه الآية - جعل الهدف من الزواج الاطمئنان والسكن، وأبان مسائل كثيرة في تعبير غزير المعنى "لتسكنوا" كما ورد نظير هذا التعبير في سورة الأعراف الآية 189. والحق أن وجود الأزواج مع هذه الخصائص للناس التي تعتبر أساس الاطمئنان في الحياة، هو أحد مواهب الله العظيمة. وهذا السكن أو الاطمئنان ينشأ من أن هذين الجنسين يكمل بعضهما بعضاً، وكل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه، بحيث يعد كل منهما ناقصاً بغير صاحبه، فمن الطبيعي أن تكون بين الزوجين مثل هذه الجاذبية القوية. ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن الذين يهملون هذه السُنة الإلهية وجودهم ناقص، لأن مرحلة تكاملية منهم متوقفة، (إلا أن توجب الظروف الخاصة والضرورة في بقائهم عزاباً). وعلى كل حال، فإن هذا الاطمئنان أو السكن يكون من عدة جهات " جسمياً وروحياً وفردياً واجتماعياً". ولا يمكن إنكار الأمراض التي تصيب الجسم في حالة عدم الزواج، وكذلك عدم التعادل الروحي والاضطراب النفسي عند غير المتزوجين. ثم أن الأفراد العزاب لا يحسون بالمسؤولية -من الناحية الاجتماعية- كثيراً.. ولذلك فإن الانتحار تزداد بين أمثال هؤلاء أكثر.. كما تصدر منهم جرائم مهولة أكثر من سواهم أيضاً. وحين يخطو الإنسان من مرحلة العزوبة إلى مرحلة الحياة الأسرية يجد في نفسه شخصية جديدة، ويحس بالمسؤولية أكثر، وهذا السكن والاطمئنان في ظل الزواج. وأما مسألة " المودة والرحمة " فهما في الحقيقة " ملاط " البناء في المجتمع الإنساني، لأن المجتمع يتكون من أفراد متفرقين كما أن البناء العظيم يتألف من عدد من الطابوق و " الآجر " أو الأحجار. فلو أن هؤلاء الأفراد المتفرقين اجتمعوا، أو أن تلك الأجزاء المتناثرة وصلت بعضها ببعض، لنشأ من ذلك المجتمع أو البناء حينئذ. فالذي خلق الإنسان للحياة الإجتماعية جعل في قلبه وروحه هذه الرابطة الضرورية. والفرق بين " المودة " و " الرحمة " قد يعود إلى الجهات التالية: 1 - المودة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين، ولكن في النهاية، وحين يضعف أحد الزوجين فلا يكون قادرا على الخدمة، تأخذ الرحمة مكان المودة وتحل محلها. 2 - المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم، أما الأطفال والصبيان الصغار، فإنهم يتربون في ظل الرحمة. 3 - المودة، غالبا ما يكون فيها " تقابل بين الطرفين "، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل، غير أن الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف، لأنه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحيانا، فأساس بقاء المجتمع هو " المودة " ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الايثار والرحمة. وبالطبع فإن الآية تبين المودة والرحمة بين الزوجين، ولكن يحتمل أن يكون التعبير " بينكم " إشارة إلى جميع الناس.. والزوجان مصداق بارز من مصاديق هذا التعبير، لأنه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلا بهذين الأصلين (المودة والرحمة) بل جميع المجتمع الإنساني قائم على هذين الأصلين وزوالهما من المجتمع - وحتى نقصانهما يؤدي إلى أنواع الارباك والشقاء والاضطراب الاجتماعي. دمتم في رعاية الله