السلام عليكم
عند فتح مكة هل صحيح ان ابو سفيان قد اسلم عندما جاء الى النبي محمد (ص) قرب فتح مكة عندما قال له النبي (ويحك الم يأن لك ان تعلم انه لا اله الا الله …….الى اخر الحديث).
وقال العباس بن عبد المطلب لابي سفيان (ويحك اسلم واشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ، قبل ان تضرب عنقك ).
واذا كان هذا الحديث صحيح الا يتنافى هذا مع قول الله تعالى (لا اكراه في الدين )؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
نقلت لنا المصادر التأريخية حادثة إسلام أبي سفيان، عند فتح مكة، فقد دخل العباس- وهو على بغلة بيضاء وقد اردف خلفه أبا سفيان- في معسكر المسلمين، وهو يقصد خيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من خلال نيران المسلمين التي أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله بإشعالها، وكان كلّما مرَّ بنار من نيرانهم قالوا: عمُّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلا يمنعون من مروره، حتى اذا لقيا عمر بن الخطاب في الاثناء ورأى عمر أبا سفيان خلف العباس على عجز البغلة، همَّ بقتله في المكان، ولكن عمّ النبي صلّى اللّه عليه وآله أجار أبا سفيان في الحال، ومنع بذلك عمر من إلحاق الأذى به، وهو في جواره. وأخيراً وصل العباسُ برفقة أبي سفيان الى خيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فترجّلاً، فاستأذن العباسُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله للدخول مع أبي سفيان عليه فأذن لهما، فوقعت مشادة كلامية شديدة بين العباس وعمر بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حول أبي سفيان وكان عمر يقول: أبو سفيان عدوُّ اللّه فلا بد أن يُقتَل، ولكن العباس كان يقول: يا رسول اللّه إنّي قد أجرته، فقطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله دابر هذه المناقشة عندما قال: "إذهب يا عَبّاس إلى رَحلك، فاذا أصبحتَ فأتِني به". فذهب العباسُ بأبي سفيان إلى رحله، فبات عنده ليلتَه كما أمر، فلما أصبح غدا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
أبو سفيان بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لما مثل أبو سفيان عند الصباح بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خيمته قال له النبي صلّى اللّه عليه وآله: "ويحَك يا أبا سفيان، ألم يأن لكَ أن تعلم أنه لا اله إلا اللّه؟". فقال أبو سفيان: بأبي أنت واُمي ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلَك واللّه لقد ظننتُ أن لو كان مع اللّه اله غيره، لقد أغنى عنّي شيئاً بعد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلمَ أنّي رسول اللّه"؟ قال: بأبي أنت واُمي ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلك، أما واللّه فإنَّ في النفس منها حتى الآن شيئاً!! فغضب العباس من شك أبي سفيان، ولجاجته وعناده فقال له: ويحك، أسلِم واشهد أن لا اله الا اللّه، وأن محمَّداً رسولُ اللّه قَبلَ أن يُضرَبَ عنقُك، فشهد أبو سفيان شهادة الحق، فأسلَم ودخل في عداد المسلمين.
إنّ إسلام أبي سفيان الذي حصل في جوٍّ من الرعب والتهديد وإن لم يكن بالاسلام الذي كان يريده رسولُ الاسلام صلّى اللّه عليه وآله ويطلبُه دينُه الحنيفُ، ولكنَّ مصالح معيَّنة كانت توجب أن يدخل أبو سفيان في عداد المسلمين كيفما كان ليرتفع بذلك اكبر سدّ، وينزاح اكبر مانع من طريق الدعوة الاسلامية، لأنَّ رجالاً مثل "أبي سفيان" و"أبي جهل" و"عكرمة" و"صفوان بن اُمية" وغيرهم، كانوا قد أوجدوا جوّاً من الرعب والخوف في مكة استمرَّ أعواماً عديدة، فلم يكن يجرؤ أحد من المكيين في مثل هذا الجوّ المشحون بالخوف أن يفكّر في الاسلام، أو يظهر رغبته في إعتناقه، والانضواء تحت لوائه.
فإذا لم يكن إسلام أبي سفيان الظاهريّ والسطحيّ مفيداً من حيث الواقع، ولكنه كان مفيداً جداً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وللذين كانوا تحت سيطرة أبي سفيان ونفوذ زعامته من جماهير مكة، وبالتالي لِمن كانت له علاقات قُربى معه.
ومع ذلك لم يسمح رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بإخلاء سبيل أبي سفيان لأنه لم يكن آمناً - وحتى مع إظهاره الاسلام - من جانبه قبل أن يتمَّ فتح مكّة، ولهذا أمر صلّى اللّه عليه وآله عمَّه العباس بأن يحبسه بمضيق الوادي عند ممر الجنود ليُبصر عظمة القوات الاسلامية، وكثافتها قائلاً: "يا عبّاس احبسه بمضيق الوادي عند خَطم الجبَل (أي انفه) حتى تمرَّ به جنودُ اللّه فَيراها".
ثم إن العباس قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: يا رسول اللّه إنَّ أبا سفيان هذا رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً.
واستجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهذا الطلب، ومع أن أبا سفيان كان قد عادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وألّب ضدَّه طيلة عشرين عاماً، وأثار في وجه دعوته الحروب والفتن الكثيرة، ووجّه بذلك ضربات كثيرة إلى الاسلام والمسلمين، فمنحه - رغم ذلك ولمصالح خاصة - مقاماً، وقال كلمته التاريخية في حقه ... المزید تلك الكلمةُ التي تكشف عن عظمة أخلاق رسول الاسلام صلّى اللّه عليه وآله وسمو روحه، وعمق حكمته اذ قال: "مَندخَل دارَ اَبي سفيان فهو آمِن. ومَن أغلقَ بابَه فهوَ آمِن. ومَن دخل المسجد فهو آمن. ومَن طرَحِ السلاح فهو امن"١.
----------------------------------------------------
١- السيرة النبوية: ج 2 ص 400 و 404، مجمع البيان: ج 10 ص 554 - 556، المغازي: ج 2 ص 816 - 818، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدي: ج 17 ص 268. السيرة النبوية: ج 2 ص 400 و 404، مجمع البيان: ج 10 ص 554 - 556، المغازي: ج 2 ص 816 - 818، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدي: ج 17 ص 268.