( 19 سنة ) - العراق
منذ 4 سنوات

عصمة النبي والامام وسبب اختيار الله له

سؤالي فيما يخص العصمة، هل عصمة النبي(صلى الله عليه وآله )أو الإمام (عليه السلام)هي عصمة من الولادة، أي وهبهُ الله العصمة منذ ولادته، أم هي مكتسبة ؟ وإشكالي هنا في حال كانت منذ الولادة فلماذا اختير الإمام عن سائر الخلق، أو ما سبب اختياره وهبة العصمة له؟


قبل الجواب نذكر لكم تعريف العصمة، عَرَّف علماؤنا العصمة: بأنها لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة مع قدرته عليهما. قال تعالى: ((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)) (النساء:113). وهذا اللطف الإلهي يكون للمعصومين من الأنبياء والاوصياء لا يفرق فيه بين كونها صغيرا او كبيرا فلا يمكن صدور المعصية من النبي او الامام (عليهم السلام) في كل حياته والسبب في ذلك ان فرض معصيته في أي زمن الازمان يجعل الناس تنفر منه فيما لو ادعى النبوة او الامامة فان من كان يعصي ويكذب ويصدر منه الذنب وجاء وقال اني نبي فان هذا لا يكون مصدقا بعد ان قلت بجواز انه يعصي ولذا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان معروفا قبل البعثة بالصادق الأمين، فلو لم يكن كذلك لما كان مصدّقا عند قومه، ولكان متهما وكل ما يأتيهم به من الله يمكن أن يتهموه بانك كنت تكذب سابقا والان قد تكون كاذبا أيضا ولا يمكن ان يكون قدوة للناس فان الذي تصدر منه المعاصي في السابق والآن يقول لهم أنا نبي أو إمام فاقتدوا بي، فإنك تشعر أن هكذا شخص لا يمكن ان يكون قدوة للناس في دينهم وإذا كان كل هذا انتفت الحكمة من إرساله نبياً للناس أو تنصيبه إماماً للناس فيسمى بنقض الغرض فان الغرض هو هداية الناس وأن يأخذون بكلامه وأن يقتدوا به وفرض المعصية السابقة تنفي كلا الأمرين، ولا تكون هناك فائدة من إرساله وتنصيبه. أما سؤالكم أنه لو كان معصوماً من الصغر فلماذا اختاره الله تعالى عن سائر خلقه؟ فالجواب عليه هو: أن الله تعالى لا يعطي العصمة بالمجان ولا يجعلها في أيٍّ كان، بل الله تعالى لعلمه بأن هؤلاء لن يرتكبوا في حياتهم معصية، وقبل أن يولدوا يعلم بكل تفاصيل حياتهم، وأن هؤلاء سوف يختارون كل طاعة ويتركون كل معصية لشدة ما سوف يحصلون عليه من الإيمان، فعطاء الله تعالى لهم إنما كان لامتيازاتهم الخاصة التي يحصلون عليها باختيارهم وهذا ما بيّنه الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في أول دعاء الندبة : (اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ وَصَلَّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْليماً، اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ، بَعْدَ اَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ في دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرِجِها،) فالدعاء يبين أن الله شرط عليهم، ويأتي الجواب في تتمت الدعاء: (فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفاءَ بِهِ) فبعد أن شرطوا لله تعالى، والله تعالى علم بعلمه الغيبي أنهم يوفون بما أخذوا على أنفسهم كانت النتيجة: (فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِىَّ، وَاَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الذَّريعَةَ اِلَيْكَ وَالْوَسيلَةَ اِلى رِضْوانِكَ) فيتضح أن الله تعالى لمّا علم منهم الوفاء بما شرطه عليهم كانت لهم هذه المقامات العالية، وهي أن الله قَبِلهم، وأنه تعالى قرّبهم إليه، وقدّم لهم الذكر العليّ، والثناء الجلي، وكان سببا لهبوط الملائكة عليهم، وزادهم تكريما بنزول الوحي عليهم، وليس المراد من الوحي في الائمة (عليهم السلام) الوحي النبوي، فإنه انقطع برحيل النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وأعطاهم العلم، وجعلهم بعد أن علم الوفاء بكل ما يريده منهم ذريعة ووسيلة الى نيل الرضوان الالهي. فيلاحظ أنه تعالى أعطاهم كل هذه المقامات، ورفدهم بكل هذا العطاء لعلمه بوفائهم، وما هذا إلا لأن المهام التي توكل إليهم مهام عظيمة، ولأجله آتاهم اللطف الإلهي بعصمتهم وتطهيرهم من الرجس تطهيرا.

5