ابو الزين - الأردن
منذ 4 سنوات

 معنى (السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه)

بقيت بعض المسائل المتعلقة من تعقيبات صديقي الأشعري في المسألة: يقول: إنّ هناك تعارض بين القول باستناد جميع الأفعال إلى الله تعالى وبين القول بالترابط العقلي بين الأسباب والمسببات والعلل والمعلولات, وإلا لاحترق سيدنا ابراهيم (عليه السلام) . قال لي : ان الشيخ شلتوت لم يفهم مذهب الاشاعرة, والكلام معه ليس هو التصور الحقيقي لمسألة الكسب عند الاشاعرة, فالعبد كما سبق القول كاسب وفاعل ومريد لاكتساب هذا الفعل الذي رتب الله على اختيار ذلك الفعل عقاباً أو حساباً .... وليس الحساب مرتب على خلق حرمه الله تعالى أو أمر الله به . ويردف : وكما أن الانسان لا يسمى مجبوراً على منتهى اختياره لفعله وعدم قدرته على تغييره, كذا لا يسمّى مجبوراً عندما يخلق الله تعالى له فعلاً يأمره مرة باكتسابه ومرة بتركه ثم يجعل ذلك الفعل منتهى كسبه وإرادته دون مدخلية لله تعالى في إجباره مع ذلك الكسب . ويقول : نحن لا ننكر أن الله سبحانه وتعالى جعل للانسان إرادة وقدرة بهما يتم الكسب, ولكن هل هذه الارادة والقدرة جواهر قائمة بالعبد مستقلة عن الله تعالى أو أعراض غير فانية مستقلة عن الله تعالى بها يتم ايجاد الانسان لأفعاله ؟ أم هي عرض يخلقه الله تعالى في الانسان عند إرادته الاكتساب من غير إجبار من الله تعالى على ذلك ؟ فالانسان ليس مجبراً, لا ظاهراً ولا باطناً .


الأخ أبا الزين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في الحقيقة أن الأفعال والأعمال كلها مستندة إليه عزوجل من جهتين : من جهة ايجاد سلسلة العلل والمعاليل, ومن جهة إعطاء الوجود والقدرة إلى كل شيء, أي أن خالقية الله تبارك وتعالى تؤثر في جانبين : الجانب الطولي, والجانب العرضي لعالم الوجود, وبتعبير علمي أدق : إن الله عزوجل له شأن الخلق في العلة الأولى والموجود الأول, وأيضاً له إعطاء الفيض الوجودي في كلّ آنف لكل موجود له الخلق الأمر . ثم مما ذكرنا يظهر أن استناد الأفعال إلى الله تعالى يمكن أن يتصور من زاوية النظر إلى إحدى الجهتين الطولية والعرضية, وفي نفس الوقت لا ينفي خيار العبد بالنسبة لتلك الافعال, فان العبد يختار الفعل الفلاني ويعمل به, ولو أن القدرة على ذلك الفعل قد منحت من جانب الباري عزوجل, وحتى ولو أن ذلك العمل يعتبر معلولاً للفاعل, وهذا العبد الفاعل هو أيضاً معلولاً لعلل ومعاليل متسلسلة تنتهي أخيراً إلى الله تبارك وتعالى . وملخص القول : أن العبد مع كلّ هذه المواصفات ذو اختيار وإرادة في ذلك الفعل, فالعمل ينسب إليه . وأما ما ذكر من عدم احتراق إبراهيم (عليه السلام) كنقض لقانون العلية فليس وارداًً, إذ كما قلنا ان إعطاء الفيض الوجودي في كل لحظة لكل شيء هو بيد الله تعالى, فوجودية النار وصفة إحراقها كلها منوطة بأمره, فعندما لا يرى مصلحة في وجودها أو وجود صفتها, لا يبقى لها أثر في عالم الوجود, فقانون الترابط العقلي بين العلل والمعلولات هو في الحالات العادية التي اقتضتها التجربة البشرية وتعاودت عليها, ومن البديهي أن معاجز الانبياء (عليهم السلام) هي خرق للعادة, وإلا لم تتصف بالاعجاز, فلا يكون مشمولاً لقانون العلية المتداولة وإن كانت هي بنفسها لها علل غائية وتكوينية أخرى غير معروفة عندنا . وأما مسألة الكسب, فكما ذكرنا ليست له صورة واضحة عند الجميع, ولكن القدر المشترك بين كافة الانظار هو عدم اعطاء دور الخيار والحرية للانسان في مرتبة العمل, فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول القوشجي وهو من أعلامهم :( والمراد بكسبه اياه مقارنته لقدرته وارادته, من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاً له ) . ثم كما قلنا سابقاً : إن التعريف الصحيح للفعل هو : توجيه القدرة نحو المراد, فان كان الكسب ـ بحسب نظرهم ـ يتولى هذه المهمة فهو, وإلا فلا شأنية للكسب في تحمل العقاب أو إعطاء الثواب . ولا نعلم وجهاً صحيحاً للكسب بعد مرحلة خلق الأفعال, إذ لو خلقت الأفعال والأعمال من قبل فهذا يعني أن القدرة وجهت فيها نحو المطلوب والمأمورية, وحينئذف فما هو دور الكسب في مصداقيتها ؟ ثم إن هنا اشكالاً ظريفاً آخر, وهو أن الأشاعرة بهذا الرأي يجب أن يلتزموا بخلق هذه الافعال قديماً بما أنهم يرون صفات الباري عزوجل قديمة, وعليه فان أعمال العباد سوف تكون ازلية وغير حادثة, ثم يرد عليهم محذور تعدد القدماء وشبهة الجبر العويصة. وأما الحديث عن الارادة والقدرة فهو كما ذكرنا لكم, أي أنهما مخلوقان مودعان عند الانسان, فعندما يوجههما نحو موضوع أو يصرفهما عنه سوف يكون مطيعاً أو عاصياً . ودمتم في رعاية الله