معنى (السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه)
{السعيد سعيد في بطن امه والشقي شقي في بطن امه }اولا :هل النص وارد في في النصوص والروايات المعتبرة ام لا ؟
ثانيا : على فرض وروده فكيف يمكن توجيهه ..ألا يقتضي الجبر وعدم الاختيار بحيث ان الظروف سوف
تؤدي الى سعادته او شقائه فيسير لما قدر له ..؟؟
ثالثا : ما معنى السعادة والشقاء المتصورة في هذا النص ؟؟
الاخ الجعفري المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد الاستعانة بالله نقول: لعلك تتخيل أن معنى السعادة والشقاوة في هذا الحديث أمران ذاتيان في أصل تكوين السعيد والشقي بحيث لا يسع السعيد أن يصير شقياً ولا يسع الشقي أن يصير سعيداً وأن الله تعالى خلقهما وهما في بطن أمهما سعيداً وشقياً فلابد للسعيد أن يختار الطاعات ولابد للشقي أن يختار المعاصي، فهما مجبران على سلوك سبيلي السعادة والشقاء ولا يمكن أن يتخلّفا عما هو ذاتي لهما.
وليس لنا الحق السؤال عن علة تلك السعادة وتلك الشقاوة فيهما لأن الذاتي لا يعلل وهذا ما انتهى إليه جملة من الفحول منهم أكابر علمائنا كصاحب الكفاية الشيخ محمد كاظم الخرساني (قده) وتبعه جملة من أجلاء تلامذته.
ولكن التأمل في مضمون هذا الحديث بعد التسليم بصحة صدروه عن المعصوم (عليه السلام) يقود إلى عكس النتيجة التي توصل إليها أولئك الأعلام.
إذ كل مخلوق لابد له من اعتبارين: اعتبارٌ من خالقه وهي جهة وجوده، واعتبارهٌ من نفسه وهي جهة ماهيته وكل من الوجد والماهية محدثين وكل محدث يحتاج في بقائه إلى مدد، فالفاعل سبحانه يمدّد من نوعه، كما يمد الطين من الطين والماء من الماء والهواء من الهواء، فلكل ميلُ إلى نوع مدده، فالوجود الذي هو نور ميل إن المدد من نوعه الذي هو النور وهو الطاعات وأنواع الخيرات، وللماهية التي هي ظلمة ميل إلى المدد الذي من نوعها الذي هو الظلمة وهو المعاصي وأنواع الشرور، فمقتضى السعادة هو الوجود ومقتضى الشقاء هو الماهية، وهما معاً متحققان في كل إنسان إلا أن ميل بعض الناس إلى مقتضى السعادة أكثر من ميلهم إلى مقتضى الشقاء وبالعكس، وهذا الميل ليس على نحو العلة التامة التي لا تتخلف بل هو على نحو المقتضي، والتجربة خير شاهد على هذه الحقيقة فنرى بعض الناس يستمرون بمقتضى ميلهم إلى فعل الطاعات إلى إتيان الأفعال الحسنة ثم يختم لهم بالعاقبة السيئة، وبعض الناس يميلون في أكثر حياتهم لفعل المعاصي والمنكرات ثم يختم لهم بالعاقبة الحميدة.
فلو كان ذلك الميل على نحو العلة التامة لأمتنع أن يختم لهما إلاّ بما يقتضيه ميلهما.
فمعنى الحديث الشريف إذن هو: ((أن السعيد يميل إلى فعل مقتضى السعادة من الخيرات والطاعات وهو في بطن أمه، والشقي يميل إلى فعل مقتضى الشقاء من الشرور والمعاصي وهو في بطن أمه، إلا أن ذلك الميل ليس على نحو العلة التامة وإلا لأمتنع التكليف، إذ التكليف العام يقتضي إمكان أن يسعد كل من يتبع مقتضى السعادة وأن يشقى كل من يتبع مقتضى الشقاء باختياره وإن كان على خلاف ما يميل إليه)) هذا هو الوجه الذي نرجحه وقد قادنا إليه التأمل فأنظر فيه فإنه من توفيقات الله عز وجل
ودمتم في رعاية الله