عليكم السلام و رحمة الله
يعتبر الحسد والعين من آفات النفس الإنسانيّة، حيث يشتركان في كونهما سلوكان خاطئان حرّمتهما الشرائع السماويّة لما لهما من آثارٍ سيئة، وأضرارٍ وخيمة على الفرد والمجتمع المسلم، وهما تعبيرٌ عن تطلعات النفس الخبيثة وطمعها في زوال النعمة عن أصحابها، وعلى الرغم من اشتراكهما في عددٍ من الوجوه إلاّ أنّهما يختلفون عن بعضهم في وجوهٍ أخرى…
١-يعرّف العلماء الحسد على أنّه تمنّي الحاسد زوال النعمة والخير عن المحسود المستحق لها، وربّما سعى هذا الحاسد لإزالتها ودفعها عن صاحبها، وقد ورد لفظ الحسد في القرآن الكريم في سورة الفلق في قوله تعالى: (وَمِن شَرِ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)،
بمعنى : الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود وانتقالها إلى الحاسد، وقيل: إن إرادة زوال نعمة فيها صلاح صاحبها حسد، وإرادة مثلها لنفسه من دون إرادة زوالها من صاحبها غبطة.قال بعض علماء اللغة: حد الحسد هو أن تغتاظ مما رزقه غيرك، وتود أنه زال عنه وصار إليك. والغبطة ألا تغتاظ ولا تود زواله عنه، وإنما تود أن ترزق مثله، وليست الغبطة بمذمومة. وقال الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ***** فالكل أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ***** - حسدا وبغيا - إنه لدميم
٢-أما العين فمعناها من عان الشيء فهو عائن، وشرعاً إعجاب النفس الخبيثة ونظرها إلى المعين، وقد ورد لفظ العين في السنة النبوية المطهرة في قوله عليه الصلاة والسلام: (العينُ حقٌّ ولو كان شيءٌ سابقَ القدَرِ لسبَقَتْه العينُ)
بعباره اخرى: أما العين: فهي قوة مؤثرة بالشر لدى بعض الناس، يحصل اثرها حال التعجب من شيء أو صفة، روي عن النبي صلى الله عليه وآله: ((إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر)) وعن الامام الصادق عليه السلام: ((العين حق، ولست تأمنها على نفسك ولا منك على غيرك، فإذا خفت ذلك فقل ثلاثا: ما شاء الله لا قوة الا بالله العلي العظيم)).
ويطلق الحسد عرفا على الاصابة بالعين، وان اختلف معناهما بحسب اللغة وجرى الاصطلاح على الفهم العرفي فصارا كالمترادفين معنى كما سيأتي توضيحها …
٣-الحسد أعم من العين، فلذلك يصحّ أن نقول أنّ كلّ عائنٍ حاسد، بينما لا يكون كلّ حاسدٍ عائن،
ولذلك جاءت آيات القرآن الكريم في الاستعاذة من شرّ الحسد لشمول العين في معناه وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
٤-العين تكون على شيءٍ مشاهد وموجودٍ فعلاً، بينما لا يشترط ذلك في الحسد، فقد يحسد الإنسان ما لم يره، أو يحسد قبل وقوع الشيء.
٥-العين مصدرها إنقداح شرر النظر المرتبط بالنفس الخبيثة، أما الحسد فمصدره تمني النفس ورغباتها. العين قد يقع ضررها على من يحبهم الإنسان من ولدٍ أو مالٍ أو غير ذلك، بينما الحسد لا يقع على من يحبّ الإنسان. العين أشدّ ضرراً من الحسد.
٦-ننقل اليك جانباً مما ذكره العلامة المجلسي في البحار بحسب مختاراته من مصادر الحديث الشيعية فيما يتعلق بالعين:
- عن زرارة قال: ينفث في المنخر اليمنى أربعا، واليسرى ثلاثا ثم يقول: " بسم الله لا بأس، أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، ولا يكشف البأس إلا أنت".
- عن الصادق عليه السلام قال: لو كان شئ يسبق القدر سبقته العين. لمن يصيبه العين: يقرأ فاتحة الكتاب ويكتب: " بسم الله أعيذ فلان بن فلانة بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن عين ناظرة واذن سامعة ولسان ناطق، إن ربي على صراط مستقيم، ومن شر الشيطان وعمل الشيطان وخبله ورجله، وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة.
عوذة العين: اللهم رب مطر حابس، وحجر يابس، وليل دامس، ورطب ويابس، رد عين العين عليه، في كبده ونحره وماله، فارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.
- جامع الأخبار: في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن بني جعفر يصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: نعم، فلو كان شئ يسبق القدر لسبقت العين. وقيل إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم كان يصفه، فيصرعه بذلك، وذلك بأن يقول للذي يريد أن يصيبه بالعين لا أرى كاليوم إبلا أو شاء أو ما أراد، أي ما أرى كابل أرها اليوم، فقالوا للنبي صلى الله كما كانوا يقولون لما يريدون أن يصيبوه بالعين عن الفراء والزجاج . قال الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الانسان هذه الآية: (( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزلِقُونَكَ بِأَبصَارِهِم لَمَّا سَمِعُوا الذِّكرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكرٌ لِلعَالَمِينَ )) (القلم:51-52).
- أمان الأخطار: من كتاب غنية الداعي تأليف علي بن محمد بن عبد الصمد باسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي من خاف شيطانا أو ساحرا فليقرأ ((إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمرِهِ أَلَا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ )) (الأعراف:54).
- جنة الأمان للكفعمي: قال: ذكر عبد الكريم بن محمد بن المظفر السمعاني في كتابه أن جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه وآله فرآه مغتما فسأله عن غمه فقال له: إن الحسنين أصابتهما عين، فقال له: يا محمد العين حق فعوذهما بهذه العوذة: " اللهم يا ذا السلطان العظيم، والمن القديم، والوجه الكريم، ذا الكلمات التامات والدعوات المستجابات، عاف الحسن والحسين من أنفس الجن وأعين الانس".
ومنه قال: في خط الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي رقية المعيون: " بسم الله العظيم الشأن، القوي السلطان، الشديد الأركان، حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، وليل دامس، وماء قارس في عين العائن، وفي أحب خلق الله إليه، وفي كبده وكليتيه، فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" .
- وفى زبدة البيان: أن جبرئيل عليه السلام رقى النبي صلى الله عليه وآله وعلمه هذه الرقية للعين: " بسم الله أرقيك، من كل عين حاسد، الله يشفيك" .
وعن الصادق (عليه السلام): إذا تهيأ أحدكم بهيئة تعجبه فليقرأ حين يخرج من بيته المعوذتين، فإنه لا يضره شئ بإذن الله تعالى.
- الجوامع للطبرسي: عن النبي صلى الله عليه وآله من رأى شيئا يعجبه فقال: " الله الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله " لم يضره شئ. وعن الحسن: أن دواء الإصابة بالعين أن يقرأ (( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا )). (بحار الأنوار، ج92 ص132-133)