مرتضى - بلجيكا
منذ 5 سنوات

 آيات للتوسل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في البلد الذي أعيش فيه غالبية المسلمين هم من أهل السنة والجماعة, في يوم من الأيام صار بيني وبينهم نقاش, حول قضية زيارة قبور الأنبيآء والأوصيآء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, ومعارضة ذلك مع النص الصريح للقرآن الكريم, مجمل أو أقوى ما إستدلوا به أهل السنة هي أنهم إدعوا : دعاء الأموات شرك صريح وهذا الدليل من القرآن الكريم: (( وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ إِن تَدعُوهُم لَا يَسمَعُوا دُعَاءكُم وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم وَيَومَ القِيَامَةِ يَكفُرُونَ بِشِركِكُم وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبِيرٍ )) يخبر الله تعالى أن الأموات مايملكون حتى القطمير. والقطمير : هو قشر أبيض رقيق جدا على نواة التمرة وقال أنكم تدعون الأئمة عند القبور والله عز وجل قال (( وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ )) , وقال أن الله قال أنهم لا يملكون من قطمير ولا يسمعون لدعآئكم ولا ينفعونكم, وأنتم مشركين بالله بهذا العمل بصريح القرآن (( وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم وَيَومَ القِيَامَةِ يَكفُرُونَ بِشِركِكُم )) , فأئمتكم الذين تدعونهم في قضآء حوائجكم سيتبرأون منكم ويكفرون بشرككم. و قال أيضا : (( انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين )) الحقيقة أجبته بجواب, ولكن لا أظن أن جوابي بذاك القدرة التي يسكته, قلت له الأمر كله في الأية التي أتيت بها وهي : (( وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ إِن تَدعُوهُم لَا يَسمَعُوا دُعَاءكُم وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم وَيَومَ القِيَامَةِ يَكفُرُونَ بِشِركِكُم وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبِيرٍ )) الأمر كله منوط بهذه الفقرة (( تَدعُونَ مِن دُونِهِ )) فنحن لا ندعوهم من دون الله عز وجل, بل من توجه إليهم فقد توجه إلى الله لأنهم خلفآء الله, وهذا معنى من معاني خليفة الله, وإلا فما معنى خليفة الله, مضافا إلى ذلك فنحن نتقرب بهم إلى الله عز وجل ليشفعوا لنا في قضاء حوائجنا, فقطع علي كلامي وإستدل بهذه الآية الكريمة (( الا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار )) أجبته أولا وقلت له أن هذه الآية أيضا مثل سابقتها, نحن لم نتخذهم أولياء من دون الله, لأنهم أصلا أولياء الله بنص القرآن الكريم (( انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) وأجبته ثانيا بآية التوسل, قلت له أن الله أمرنا بالتوسل (( اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا )) , وقلت له أننا ندعوا الله بهم وبوسيلتهم لأنهم وكما قال الله عز وجل (( ايهم اقرب )) فهم المقربون, أن الولاية من الولي أي القرب فهم أولياء الله وأحبائه بنص القرآن الكريم مضافا إلى أن إتخاذ الوسيلة قد قرنت بالتقوى في آية أخرى (( يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون )) , أي من كان يتقي الله يبتغي إلى ربه الوسية ألا وهي أقرب خلق الله إليه أوليآئه عليهم أفضل الصلاة والسلام, محمد وآل محمد الأطيبين الأطهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, مضافا إلى آيات الكثيرة في الشفاعة, فنحن ندعوعهم ليشفعوا لنا عند الله في قضآء حوائجنا وغفرىن ذنوبنا كما أمر الله أن ناتي المعصوم ونستغفر الله عنده (( ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )) , فهذا المجيئ إليه صلى الله عليه وآله الأطهار, لطلب الإستغفار منه إلينا, زيارة منا إليه, فالمجيئ هو الزيارة والقرآن الكريم أقره, بل وجعل لها آداب للزيارة (( يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ )) . فقطع علي كلامي وقال, إنك تدعوهم, ولكنهم لا يسمعون بنص القرآن الكريم, لأنهم موتى (( فانك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين )) , وأن الله حذر من أن تتخذ القبور أماكن للدعآء, بقوله تعالى, حيث يمكن أن يعبدوا أصحاب القبور والعياذ بالله : (( وقالُوا لا تَذَرُنَّ آلهتكُم ولا تَذرُنَّ وَدّاً ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ وَيعُوقَ ونَسرا )) قلت له أولاء هؤلاء أولياء الله وهم أحياء عند ربهم لأنهم شهدآء : (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون )) (( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون )) ثانيا هناك آية صريحة بإقرار جواز بناء المساجد التي هي أماكن ذكر الله والدعآء والتبتل إليه على قبور أولياءه ’ في شأن أصحاب الكهف: (( وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا ريب فيها اذ يتنازعون بينهم امرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم اعلم بهم قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا )) ولكنه عاند مرة أخرى, إلتزم بقول أنهم حتى لو سمعوكم لا يستجيبوا لكم, بدليل: (( إِن تَدعُوهُم لَا يَسمَعُوا دُعَاءكُم وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم )) قلت له أن الإستجابة من الله عز وجل, نحن ندعوا أولياء الله لأنهم أقب الخلق إلى الله كما أمرنا الله بإتخاذهم وسيلة إليه في نجاح حوائجنا بشفعاتهم, فهم لا يملكون من عند أنفسهم شيئا, هؤلاء عباد مكرمون وهم بأمره يعملون. فقطع علي قائلا : (( ام اتخذوا من دون الله شفعاء قل اولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون )) أجبته بهذه الآية الكريمة, بأن الشفاعة أصل قرآني : (( هل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )) رجع وقام يكرر كلامه السابق وأضاف : (( ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهُم ماتَ أبَداً وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ إنَّهُم كَفَرُوا بِاللهِ ورَسُولهِ وماتُوا وَهُم فاسِقُونَ )) قال هذا نهي صريح على عدم القيام على القبر (( وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ )) وزيارته. قلت له أن إستدلاله عكس ذلك تماما إذ أن هذه الفقرة تثبت زيارة قبور المؤمنين, ويستثني من هذه الزيارة زيارة قبور المنافقين, حيث أن هذه الآية نازلة فيهم وأن الصلاة على المنافقين منهي عنه, ولكن في المقابل أمر الله رسوله بأن يصلي على المؤمنين (( خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم )) الحقيقة جاوبته على قدر ما أستطيع, وحاولت أن أؤصل له قضية الزيارة والدعآء عند المراقد الشريفة. ولكن لم أستطع إقناعه, فظل يردد تلك الآية التي أشرت إليها في بداية هذه الرسالة, وظل يشنع علينا ويتهمنا بالكفر والغلو,فتوجهت بالسؤال إليكم, لعل في بيانكم ما يخرسه, حيث أخشى أن من الضعفاء من من هم معنا أن يتأثروا به. أريد أن تؤصولوا هذه الفكرة, أي أصل القرآني لزيارة قبور الأوليآء والمعصومين عليهم أفقضل الصلاة والسلام ودعآء الله بهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وأسألكم خالص الدعآء بحق فاطمة الزهرآء سلام الله عليها


الأخ مرتضى المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هناك جملة أمور يخلط فيها القوم خلطاً ينم عن جهل فظيع بتفسير القرآن الكريم ومفاهيمه, بل جهل كبير بلغهة العرب وآدابها. ونحن هنا سنتعرف معك على هذه الأمور التي يخلط فيها القوم - وبالقدر الذي ذكرته في رسالتك وحوارك مع الطرف الآخر -, وسنجعل ذلك في نقاط: النقطة الأولى: دعواه بأنّ دعاء الأموات شرك صريح, وهذا الدليل من القرآن الكريم: (( وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ )) (فاطر:13). نقول: نحن لا ندعو أمواتاً بل ندعو - (والمراد بالدعاء هنا الطلب بالتشفع) - أحياءً عند ربّهم يرزقون, بدليل قوله تعالى: (( وَلاَ تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ )) (آل عمران:169). وقد ثبت عندنا أن الأئمة (عليهم السلام) بالإضافة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والزهراء (عليها السلام) قد قضوا شهداء (وهذا البحث محل أثباته مكان آخر), الأمر الذي يعني أنهم من الأحياء الذين هم عند ربهم يرزقون بنص هذه الآية,ومن لوازم الحياة السمع والبصر والإدراك, وهذا المعنى قد نصّت عليه نفس الآية الكريمة والآية التي بعدها بذكرها الأفعال الإدراك: (يُرزَقُونَ), (فَرِحِينَ), (يَستَبشِرُونَ), بل قوله تعالى: (( يَستَبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِّن خَلفِهِم )) (آل عمران:170), نص في إدراك أحوال من خلفوهم في الحياة الدنيا, وهو دحض لكل دعاوى عدم السماع, وعدم الإدراك التي يتبجح بها القوم مستدلين بذلك بآيات وردت في خصوص دعاء المشركين لأصنامهم, والتي هي بعيدة كل البعد عن توسل المؤمنين بأهل البيت (عليهم السلام) هذا أولاً. وثانياً: لقد ثبت بنص قرآني جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّاً وميّتاً, وهو قوله تعالى: (( وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُم جَآؤُوكَ فَاستَغفَرُوا اللّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً )) (النساء:64). فهذه الآية تحث على المجيء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ظلم النفس, واستغفار الله عنده, واستغفار الرسول (ص) للجائي, ليتحقق الجزاء وهو وجدان الله تواباً رحيماً.. والحضور عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس معناه حضوراً جامداً من غير كلام ولا سؤال, بل هو صريح في طلب الاستغفار لهم من عند الله سبحانه وتعالى, وهذا المعنى يتضمنه مدلول الفعل (استَغفَرَ) المصاغ على وزن (استفعل) للطلب, (أنظر مغني اللبيب - لأبن هشام الأنصاري 2/523). فالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يطلب لهم المغفرة لمجرد حضورهم الشكلي ما لم يفصحوا عن نيتهم ويعترفوا بذنبهم ويطلبوا من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل الله لهم بالمغفرة وقوله تعالى (( فَاستَغفَرُوا اللّهَ )) صريح في طلب المغفرة وسؤالها, وكذلك معنى قوله: (( استَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ )) , يكون صريحاً في الطلب من النبي (ص) وسؤاله بأن يسأل الله لهم بالمغفرة فيكون شفيعهم في هذا الطلب, وقد يقول القائل : إن المراد من قوله (( استَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ )) إنهم قد أذنبوا ذنباً في حق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنهم يأتون ليطلبوا من الرسول(ص)أن يغفر لهم. قلنا: أنه لو كان الأمر كذلك, للزم أن يقول: وغفر لهم الرسول.لا: أستغفر لهم الرسول. لأن (استغفر) معناه طلب لهم المغفرة.. وهذا المعنى واضح, ولا موجب للمغالطة فيه. فإن قلت: هذا المعنى يختص بحياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وأمّا بعد مماته فلا يجوز ذلك. قلنا: منشأ عدم الجواز ما هو؟ هل تريد أنه مستفاد من نفس الآية الكريمة, كيف وهي تدل على خلاف ذلك فقد فهم منها العلماء العموم في الحالتين, أي حالة الحياة وحالة الممات. قال تقي الدين السبكي الشافعي - من أعلام الشافعية - في سياق حديثه عن الآية الكريمة: ((الآية وإن وردت في أقوام معينين في حالة الحياة, فتعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في الحياة وبعد الموت)). ولذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين, واستحبوا لمن أتى إلى قبره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتلو هذه الآية, ويستغفر الله تعالى. وحكاية العتبي في ذلك مشهورة, وقد حكاها المصنفون في المناسك من جميع المذاهب, والمؤرخون, وكلهم أستحسنوها, ورأوها من آداب الزائر, وما ينبغي له أن يفعله, وقد ذكرناها في أواخر الباب الثالث. (شفاء السقام/181). وأما حكاية العتبي فقد رواها النووي في (المجموع), ناقلاً استحسان العلماء لها, قال في بيان ما يستحب أن يقول من يزور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ وقف أمام القبر الشريف مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), ما نصه: ((ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربّه سبحانه وتعالى, ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا - يعني الشافعية - عن العتبي مستحسنين له, قال: كنت جالساً عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله, سمعت الله يقول: (( وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُم جَآؤُوكَ فَاستَغفَرُوا اللّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً )) (النساء:64), وقد جئتك مستغفراً من ذنبي, مستشفعاً بك إلى ربي, ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ***** فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ***** فيه العفاف وفيه الجود والكرم)) (المجوع 8/274). بل لنا أن نثبت جواز الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مماته, من غير هذه الآية ... المزید روى ابن حجر في (فتح الباري 2/465), قال: ((روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر, قال: أصاب الناس قحط شديد في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتي الرجل في المنام فقيل له: (أئتِ عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون)).. انتهى. فهذا الفعل حصل في زمن عمر بن الخطاب, وبمحضر من الصحابة وقد علموا به, ولم ينكروا على صاحبه هذا الفعل, وهذا يعني أقرار منهم له, وهو يدل على أجماع سكوتي منهم, فيكون حجّة في حق من يرى حجية هذا الإجماع. بل ورد هناك توسل وتشفع بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسند صحيح رواه حفاظ أهل السنة, في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد مماته, وإليك الحادثتين: التوسل والتشفع به (صلى الله عليه وآله وسلم) حال حياته الشريفة: روى الترمذي في أبواب الدعاء من جامعه بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أدع الله أن يعافيني قال: (إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك), قال: فادعه, قال (فأمره أن يتوضاً فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليه بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفّعه فيّ), قال الترمذي: حديث حسن صحيح (5:229). ففي هذا الحديث الدلالة واضحة على التوسل, والتشفع, ودعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - أي مناداته (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب شفاعته - ؛ إذ قوله: يا محمد أني أتوجه بك إلى ربي, صريح في مناداته (صلى الله عليه وآله وسلم)التي يسميها القوم دعاءً, وقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة, صريح في التوسل, وقوله: اللهم فشفعه فيَّ, صريح في التشفع, فقد جمعت هذه الحادثة الأمور الثلاثة: التوسل والتشفع والمناداة - التي يسميها القوم دعاءً -. وأما سند الحديث, فقد نصَّ الترمذي - كما تقدم - على صحته, وقال الطبراني بعد ذكر طرق الحديث: والحديث صحيح (أنظر المعجم الصغير 1/183). وكذا نقل تصحيح الطبراني ووافقه الحافظ الهيثمي في باب صلاة الحاجة من مجمع الزوائد (أنظر مجمع الزوائد - للهيثمي - 2/279). وكذلك رواه الحاكم في عدة مواضع من (المستدرك على الصحيحن: 1/458- 519, 707) وصححه على شرط الشيخين, ووافقه الذهبي عليه, ووافقه على تصحيح الحديث أيضاً النووي في باب أذكار صلاة الحاجة من كتاب الأذكار, والحافظ في أمالي الأذكار, والحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى, ونقل تصحيحه عن الترمذي والحاكم والحافظ أبي عبد الله المقدسي صاحب المختارة, وغيرهم. وبالجملة فالحديث صحيح بإجماع الحفاظ, لا مطعن فيه ولا مغمز. ودلالته على التوسل والتشفع والدعاء المباشر للتوسل به أو المتشفع واضحة. وقد أستدلَّ حافظ المغرب المحدّث أبو الفضل الغماري في كتابه (الرد المحكم المتين) على جواز التوسل بهذا الحديث من أثني عشر وجهاً, فراجع ثمّة. وأما التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتشفع به والاستغاثة, بمعنى منادته في قضاء الحاجة, بعد موته (صلى الله عليه وآله وسلم), فقد دلَّ عليه نفس الخبر الذي رواه عثمان بن حنيف بالسند الصحيح المتقدم: بأن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له, وكان عثمان لا يلتفت إليه في حاجته, فشكا ذلك إلى عثمان بن حنيف فقال له أئتِ الميضأة فتوضأ ثم أئتِ المسجد فصل ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي الرحمة, يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي, وتذكر حاجتك. فصنع الرجل ما قال له عثمان بن حنيف, ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله وقال ما حاجتك فذكر حاجته فقضاها له, ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة, وقال: ما كانت لك من حاجة فأئتنا, ثم أن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته في. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره.. (الحديث). رواه الطبراني وصححه بعد ذكر الطرق التي روي فيها, وأقره الهيثمي عليه (أنظر مجمع الزوائد 2/279. وأنظر في هذا الجانب ما ذكرناه على موقعنا في حرف التاء/ التوسل/ السؤال الخاص: هل هناك فرق بن الحي والميت؟ النقطة الثانية: تباين حقيقة الشرك عن حقيقة التوسل والتشفع والاستغاثة لغة وشرعاً. ينبغي أن يُعلم أن حقيقة الإشراك في اللغة تباين حقيقة كل من التوسل والاستغاثة والدعاء, لأنَّ الإشراك معناه اعتقاد شريك مع الله في الإلوهية, وهو كفر - تعالى الله عن ذلك علّواً كبيراً - ولهذا فسّر كثير من أهل اللغة الإشراك بالكفر, لأنّه كفر بالله وجحد لوحدانيته. وأمّا التوسل فهو التقرب إلى الغير, يقال توسّل فلان بكذا إذا تقرب إليه بشيء, والوسيلة ما يتقرب به, ومنه قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ )) (المائدة:35), وقوله تعالى: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ )) (الإسراء:57). والاستغاثة معناها طلب الغوث والنجدة, قال تعالى: (( فَاستَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِن عَدُوِّهِ )) (القصص:15), أي طلب أغاثته ونجدته. والدعاء معناه النداء وطلب الإقبال, يقال دعا فلاناً إذا ناداه طالباً إقباله عليه, ومنه: (( لاَ تَجعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعَاء بَعضِكُم بَعضاً )) (النور:63). ودعا الله ناداه بابتهال وخضوع, ومنه: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) (البقرة:186). نقول: فإذا كانت هذه الحقائق متباينة, فكيف ساغ للقوم - الوهابية ومن يدور في فلكهم - أن يجعلوها بمعنى واحد, ولا يفرّقون بين معانيها لغةً وشرعاً, هذا أولاً. وثانياً: إن الإشراك الذي حصل من المشركين الذين ذمّهم القرآن هو عبادتهم للأنبياء والملائكة والأولياء بناءاً على اعتقادهم فيهم أنهم يشاركون الله في الإلوهية, وأنَّ لهم تأثيراً مستقّلاً في الأشياء, لذلك ترى القرآن في معرض الرد عليهم يقرر دلائل وحدانية الله وانفراده بالإلوهية, وأنّه المنفرد بالإيجاد والإبداع, ولو ذهبنا نسرد الآيات في ذلك لطال بنا المقام وخرجنا إلى حد الإملال, لأنَّ ما في القرآن مما يتعلق بالتوحيد والرد على المشركين كله في هذا المعنى, وهو كثير, ومع ذلك لا تجد فيه أشارة إلى التوسل والتشفع والاستغاثة, بالشكل الذي يفعله المسلمون اليوم وقبل اليوم, لأنّه لم يكن من عمل المشركين ولا كان معروفاً لهم, فبطل أن يكون داخلاً في تلك الآيات لابالعموم ولا بالخصوص ولا بنوع من أنواع الدلالات. وثالثاً: إنَّ الآيات التي ذمّت عُباد الأصنام إذا قلنا بعموم تناولها لأهل التوسل والتشفع والاستغاثة - كما يقول الوهابية - فلا يخلو حالها من أحد أمرين, إما أن تتناولهم حقيقة أو مجازاً. والأول لا سبيل إليه لنا, لانّا بيّنا في أشارة سابقة أنّ حقيقة الإشراك تباين حقيقة التوسل والتشفع والدعاء, فلم يبق إلا الثاني وهو باطل لأمرين: الأول: إنَّ المجاز لا بد له من علاقة وقرينة وهما مفقودتان هنا. الثاني: إن تلك الآيات قد استعملت في معناها الحقيقي الذي هو الإشراك بالله, كما بينا في الأمر الثاني من هذه النقطة, فلا يجوز استعمالها أيضاً في المعنى المجازي الذي هو التوسل والتشفع وما في معناهما, لأنَّ المقرر في علم الأصول أنَّ اللفظ لا يجوز استعماله في الحقيقة والمجاز معاً, هذا مذهب جمهور أهل العربية, وجميع الحنفية ومحققي الشافعية وجمع من المعتزلة, قال الشوكاني وهو الحق, ودلائل هذا القول مبسوطة في كتب الأصول والبيان فلا نطيل الكلام بذكرها. النقطة الثالثة: تحقيق معنى العبادة من الأمور التي التبست على الوهابية, أو بالأحرى لبّسوها على أنفسهم, وأرادوا أن يلبّسوها على الآخرين أيضاً, وإن لم تكن هي كذلك, مسألة أن من توسل أو تشفع أو استغاث بولي من أولياء الله من الأموات أصبح عابداً له, صار مشركاً بالله.. وقد بينا سابقاً الفرق بين المعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ: الشرك, التوسل, التشفع, الاستغاثة, الدعاء.. وفي هذه النقطة نريد أن نبين معنى العبادة.. وهل حقّاً أن كل من نادى شخصاً ليس من أهل الدنيا كأن يكون نبيّاً أو إماماً أو وليّاً صالحاً من أولياء الله, صار عابداً له؟! وفي هذا الجانب نقول: إن العبادة تعني في اللغة الذل والخضوع.. ومن ذلك قولهم: بعير معبد أي مذلل, وطريق معبد, أي مسلوك مذلل.. ونقلت في الشرع إلى معنى جديد كغيرها من الألفاظ المنقولة كالصلاة والصيام والزكاة والحج, التي كانت في اللغة لمطلق الدعاء والإمساك والنمو والقصد.. فالعبادة بمعناها اللغوي الذي هو مطلق الذل والخضوع والانقياد ليس شركاً ولا كفراً قطعاً, وإلاّ لزم الكفر للناس جميعاً من لدن آدم إلى يومنا هذا.. لأنّ العبادة بمعنى الطاعة والخضوع لا يخلو منها أحد فيلزم كفر المملوك والزوجة والخادم والولد والأجير والرعية والجنود. بل وكفر الأنبياء لأطاعتهم آبائهم وخضوعهم لهم, وقد أوجب الله سبحانه طاعة الأبوين وخفض الجناح لهما, وقال لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( وَاخفِض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنِينَ )) (الشعراء:215). وأوجب طاعة العبيد لمواليهم وسماهم عبيداً, وطاعة الأنبياء, وجعل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم, وأمر بطاعته وإطاعة أولي الأمر منا وقرنها بإطاعته تعالى إلى غير ذلك.. كما ورد في الشرع أن العاصي عبد الشيطان, وأنه عبد الهوى, وأن الإنسان عبد الشهوات, وأن من أصغى إلى ناطق فقد عبده. وورد إطلاق العبادة على دعاء الله في القرآن بقوله: (( ادعُونِي أَستَجِب لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) (غافر:60). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الدعاء مخ العبادة). ولكن ليس المراد بالدعاء هنا معناه اللغوي قطعاً وهو النداء, وإلا لكان كل من نادى أحداً وسأله شيئاً صار عابداً له.. فالمراد به نداء الله تعالى وسؤاله, فمن دعا مخلوق على أساس أنه قادر على كل شيء, وأنّه المالك الحقيقي كان عابداً له. أمّا من دعاه ليشفع له إلى الله بعد ثبوت أن الله جعل له الشفاعة فلا يكون عابداً ولا فاعلاً ما لا يحل. والنتيجة: إن العبادة الاصطلاحية - أي أن يكون الشخص عابداً حقيقة بالمعنى الشرعي للعبادة - يستلزم أن يتوفر شرطان: الأول: أن يكون معتقداً بإلوهيته.. فخضوع مثل الخادم والزوجة والجندي والولد, وإن سمّي عبودية لغةً, لكنه لا يسمى عبادة بالمعنى الشرعي لهذه الكلمة. الثاني: أن يكون خاضعاً لما يعتقد بإلوهيته.. فمثل الشيطان (لعنه الله) لا يسمى عابداً, رغم أنه مقر بأن الله خالقه وأنه ألهه, لكنه ليس من أهل الخضوع والتذلل لطاعة الله, فلا يسمى عابداً. فإذا توفر هذان الشرطان في شخص ما عند توسله وتشفعه ودعاءه, ككونه يعتقد بأن المتوسل به أو المتشفع به أو المستغاث به هو إله مستقل بالملك والتأثير وكان خاضعاً له, سمي ذلك الشخص عابداً لذلك الشيء, وكان كافراً إن كان المتوسل به أو المتشفع أو المستغاث به من المخلوقين... وما عدا ذلك لا يمكن أن يطلق على الشخص المتوسل والمستغيث والمتشفع بالأنبياء والأولياء والتوسط بهم إلى الله في قضاء الحاجات, أنه عابدٌ لهم أو مشركٌ أو ما شابه ذلك, فهذا مما لا تساعد عليه لا اللغة ولا الشرع, ولا سيرة المسلمين منذ صدر الإسلام إلى اليوم. ونكتفي بذكر هذه النقاط الثلاث, وما ورد فيها من بيانات موجزة في رد بدعة الوهابية التي تعتبر أن كل من دعا أو توسل أو استغاث بالأنبياء أو الصالحين صار عابداً لهم ومشركاً.. وإلا فالموضوع فيه تفاصيل كثيرة... وربما تجدون على موقعنا: (حرف التاء/ التوسل), ما ينفعكم بشكل أوسع مما ذكر هنا.. ودمتم في رعاية الله

4