الأخت خديجة عاشورالمحترمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يجيز أحد من فقهائنا قتل أحد من المسلمين، بل هو كبيرة من الكبائر يستحق فاعلها أشد العقوبة، فلا أجر له ولاثواب، بل عذاب اليم، وكذلك دم الشيعي عند اخواننا أهل السنه .
وان تكفير أهل القبلة أمر مردود على صاحبه، ومرفوض كتاباً وسنة .. قال تعالى في كتابه الكريم : (( يا أيّها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا ... المزید)) (النساء:94) .
قال الواحدي في (أسباب النزول ص115) : اخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن ابراهيم الواعظ قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلاً في غنيمة له، فقال : السلام عليكم، فقتلوه، واخذوا غنيمته، فنزلت هذه الآية (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا )) تلك الغنيمة. رواه البخاري عن علي بن عبد الله، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان .
وأيضاّ ذكر الواحدي : عن ابن عباس قال : مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه غنم فسلم عليهم، فقالوا : ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم، فقاموا إليه فقتلوه ـ وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله تعالى : (( يا أيّها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا )) انتهى .
وفي (الدر المنثور/ للسيوطي ج2 ص 201) : أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (( ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمناً )) قال : حرّم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد أن لا إله إلا الله لست مؤمنا كما حرّم عليهم الميته فهو آمن على ماله ودمه فلا تردوا عليه قوله.
وفي (أحكام القرآن/ للجصاص ج2 ص361) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إياكم والظن فإنه اكذب) الحديث. وقال تعالى (( ولا تقف ما ليس لك به علم )) وقال: (( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الله أعلم بايمانهنّ )) ، ومعلوم أنه لم يرد حقيقة العلم بضمائرهنّ واعتقادهنّ وانما أراد ما ظهر من ايمانهنّ من القول، وقال تعالى: (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً )) وذلك عموم في جميع الكفار، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لأسامة بن زيد حيث قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله فقال: إنما قالها متعوذاً، قال : هلا شققت عن قلبه. (انتهى) .
وفي (فقه السنة/ لسيد سابق ج2 ص596) : وفي ميدان الحرب والقتال إذا أجرى المقاتل كلمة السلام على لسانه وجب الكف عن قتاله، يقول الله تعالى : (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً )) . انتهى . نقول: فما بالك بالذي يشهد الشهادتين؟! ويؤمن بالمعاد؟! ويأتي بما أوجب الله تعالى عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها من فروع الدين؟! هل يحق لأحد ـ ممن يدّعي الإسلام ـ أن يكفّره أو يقاتله أو يعتدي على ماله ويسبي ذراريه (وهو ما يفتي به علماء الوهابية بحق من خالفهم من المسلمين ويخصون بالذكر اتباع أهل البيت (عليهم السلام) يبتغون بذلك عرض الحياة الدنيا كما هو الواقع الذي تحكي عنه الآية السابقة، فبئس ما يصنعون) .
وقد ورد في السنة الشريفة من الأحاديث والمواقف الدالة على النهي الشديد عن تكفير أهل القبلة وأهل الشهادتين وقتالهم، نذكر جملة منها :
1- قال النبي (صلى الله عليه وآله) : (لا تكفّروا أهل ملتكم وإن عملوا الكبائر).
2- وقال (صلى الله عليه وآله) : (لا تكفّروا أحداً من أهل القبلة بذنب وإن عملوا الكبائر). نقول: نعم ان الكبائر توجب العقاب لا الكفر .
3- وقال (صلى الله عليه وآله) : (بني الاسلام على خصال : شهادة ان لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاقرار بما جاء من عند الله , والجهاد ماض منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين ... فلا تكفّروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك) .
4- وقال (صلى الله عليه وآله) : ( بني الإسلام على ثلاث ... أهل لا إله إلا الله لا تكفّروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك) .
5- عن ابن عمر : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) .
6- وعن أبي ذر : أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : (لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو الكفر إلا أرتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) .
7- وقال (صلى الله عليه وآله) : (من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما).
8- وقال (صلى الله عليه وآله) : (إيّما رجل مسلم كفّر رجلاً مسلماً فإن كان كافراً وإلا كان هو الكافر) .
9- وقال (صلى الله عليه وآله) : ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله) .
10- وقال (صلى الله عليه وآله) : (كفّوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفّروهم بذنب، فمن أكفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب) .
هذه الأحاديث مبثوثة في (جامع الأصول : 1 و 10 و 11)، كما أنّها مجموعة بأسرها في (كنز العمال/ للمتقي الهندي : ج10). وفي البخاري (ص 1226 ج 6938 باب ما جاء في المتأولين) عن الزهري : أخبرني محمود بن الربيع قال سمعت عتبان بن مالك يقول : غدا عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رجل : أين مالك بن الدخشن ؟ فقال رجل منا : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : (الا تقولوه : يقول لا إله الا الله يبتغي بذلك وجه الله) قال : بلى، قال : (فإنّه لا يوافي عبد يوم القيامة به، إلا حرّم الله عليه النار) . وفي البخاري أيضاً : عن ابن ظبيان : سمعت أسامة بن زيد بن حارثة قال : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى الحرقة من جهينة، قال فصحبنا القوم فهزمناهم، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، قال : فلمّا غشّيناه قال : لا إله إلا الله، فكفّ عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، قال : فلما قدمنا بلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) قال : فقال لي : (يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله) ؟ قال : يا رسول الله إنما كان متعوذاً، قال : (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله) . قال : فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم (ص1215 ح6872 باب قوله تعالى : ومن أحياها...) .
وفيه أيضاً، عن الزهري قال: حدثنا عطاء بن يزيد : أنّ عبيد الله بن عدي حدّثه : أنّ المقداد بن عمرو الكندي، حليف بني زهرة، حدّثه ـ وكان شهد بدرا مع النبي (صلى الله عليه وآله) ـ أنّه قال : يا رسول الله إن لقيت كافرا فاقتتلنا، فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ بشجرة وقال : أسلمت لله، أقتله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (لا تقتله) قال : يا رسول الله، فإنه طرح احدى يدي ثم قال ذلك بعدما قطعها، أقتله ؟ قال : (لا تقتله فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال). (راجع صحيح البخاري ص 1214 ج6865 باب قوله تعالى : (ومن يقتل مؤمنا ...). وتجدر الملاحظة هنا إلى أن البخاري قد أجرى على الكافر الناطق بالشهادتين صفة الإيمان وأدرج الحديث المذكور في باب (ومن يقتل مؤمناً...)، فتنبه !! وفي البخاري (كتاب الزكاة ص 47) ومسلم (7 / 171 ح 1064) وأحمد في المسند (4 / 10 ح 11008) و عن أبي يعلي في مسنده (390 ـ 391 ح 1163) لما خاطب ذو الخويصرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقوله أعدل، ثارت ثورة من كان في المجلس منهم خالد بن الوليد قال : يا رسول الله ! ألا أضرب عنقه ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (فلعله يكون يصلّي) فقال : إنّه ربّ مصلّ يقول بلسانه ماليس في قلبه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (إنّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) (انتهى) .
وفي هذه الأحاديث نجد الدلالة واضحة في النهي عن تكفير أهل القبلة وأهل الشهادتين كذلك والنهي عن رمي الناس بالكفر أو الشرك لأدنى ذنب أو خلاف . ومن أقوال العلماء في النهي عن تكفير أهل القبلة والناطقين بالشهادتين : قال ابن حزم عندما تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفّر : ((وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يفسّق مسلم بقول قال في اعتقاد، أو فتيا، وإنّ كلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحق فإنّه مأجور على كل حال إن أصاب فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد .
قال: وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي . وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة (رضي الله عنهم) لا نعلم منهم خلافاً في ذلك أصلاً)).(الفصل بين الملل والنحل 3 / 247) . وفي (اليواقيت والجواهر/ للشعراني ص58) : ((قال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي : إن الاقدام على تكفير المؤمنين عسر جداً، وكل من كان في قلبه إيمان ليستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع مع قولهم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فإن التكفير أمر هائل عظيم الخطر)) (انتهى) . وفي المصدر ذاته : ((وكان أحمد بن زاهر السرخسي الأشعري (من أجلاّء أصحاب الإمام الاشعري) يقول : لما حضرت الشيخ أبا موسى الأشعري الوفاة بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتهم له، فقال : أشهدوا على أنّني لا أكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب، لأنّي رأيتهم كلّهم يشيرون إلى معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمّهم)).
وقال القاضي الايجي (المواقف 392 ـ 394) : ((جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفّر أحد من أهل القبلة)) .
وفي (شرح المقاصد/ للتفتازاني 5 / 227 ـ 228) قال : ((إنّ مخالف الحق من أهل القبلة ليس بكافر مالم يخالف ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد .
وقال : وفي المنتقى عن أبي حنيفة أنّه لم يكفّر واحداً من أهل القبلة وعليه أكثر الفقهاء)) .
وفي (رد المحتار/ لابن عابدين 4 : 237) قال : ((نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير، لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون، بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا)) (انتهى) .
بل اننا نجد أنه قد جاء عن ابن تيمية في أوائل (رسالة الاستغاثة/ وهي الرسالة 12ص من مجموعة الرسائل الكبرى) ما هذا لفظه : ((ثم اتفق أهل السنة والجماعة على أنّه (صلى الله عليه وآله) يشفع في أهل الكبائر، وإنّه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد)) (انتهى) . ولا تظن أن ابن تيمية يريد بأهل التوحيد أمراً غامضاً معقداً أكثر مما هو وارد في الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) السالفة الذكر من النطق بالشهادتين والاتيان بالفرائض وعدم جحدها . قال الامام الشافعي (كتاب الأم 7 / 266 ـ 297) : ((فأعلم رسول الله أنّه سبحانه فرض أن يقاتلهم حتى يظهروا أن لا إله إلا الله، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقّها)) .
وعن القاضي عياض (البحار للمجلسي 67 / 243) : ((اختصاص عصم النفس والمال بمن قال : لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة الى الايمان، أو أنّ المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحّد، وهم كانوا أوّل من دعي الى الإسلام وقوتل عليه، فأمّا غيرهم ممّن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، ولذلك جاء في الحديث الآخر : وأنّي رسول الله، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة)) (انتهى) . وبعد هذا لم نجد عند الوهابيين ما ينهضون به لتكفير المسلمين ومنهم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من دليل راجح سوى شبهات احتطبوها هنا وهناك من قشور فهم سقيم للشريعة المقدسة فانكبوا على المسلمين يكفّرونهم لمجرد التوسل بالأولياء أو لمجرد زيارة قبورهم أو الدعاء عند أضرحتهم الشريفة وأمثال هذه الأمور التي بيّن موارد جوازها علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلامية ـ عدا المخالفين في ذلك لأدلة الجواز الواردة في القرآن والسنة كالوهابيين مثلا ـ بما لا مزيد عليه .
ودمتم في رعاية الله