ما حكم اليهود والنصارى والذين لم تصلهم الحجة كاملة ؟
قال الله سبحانه وتعالى: (( وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) صدق الله العلي العظيم فهل يعني هذا انه عندما يأتي الانسان اليقين الحقيقي يترك عبادة الله !!
الأخ المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في تفسير الميزان 12 /195 قال: واما قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فان كان المراد به الامر بالعبادة كان كالمفسر للآية السابقة وان كان المراد الاخذ بالعبودية كما هو ظاهر السياق وخاصة سياق الآيات السابقة الآمرة بالصفح والاعراض ولازمهما الصبر كان بقرينة تقييده بقوله حتى يأتيك اليقين أمرا بانتهاج منهج التسليم والطاعة والقيام بلوازم العبودية . وعلى هذا فالمراد باتيان اليقين حلول الاجل ونزول الموت الذي يتبدل به الغيب من الشهادة ويعود به الخبر عيانا ويؤيد ذلك تفريع ما تقدم من قوله فاصفح الصفح الجميل على قوله وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وان الساعة لآتية فإنه بالحقيقة أمر بالعفو والصبر على ما يقولون لان لهم يوما ينتقم الله منهم ويجازيهم باعمالهم فيكون معنى الآية دم على العبودية واصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى مر ما يقولون حتى يدركك الموت وينزل عليك عالم اليقين فتشاهد ما يفعل الله بهم ربك . وفي التعبير بمثل قوله حتى يأتيك اليقين اشعار أيضا بذلك فان العناية فيه بان اليقين طالب له وسيدركه فليعبد ربه حتى يدركه ويصل إليه وهذا هو عالم الآخرة الذي هو عالم اليقين العام بما وراء الحجاب دون الاعتقاد اليقيني الذي ربما يحصل بالنظر أو بالعبادة . وبذلك يظهر فساد ما ربما قيل إن الآية تدل على ارتفاع التكليف بحصول اليقين وذلك لان المخاطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد دلت آيات كثيرة من كتاب الله انه من الموقنين وانه على بصيرة وانه على بينة من ربه وانه معصوم وانه مهدى بهداية الله سبحانه إلى غير ذلك مضافا إلى ما قدمناه من دلالة الآية على كون المراد باليقين هو الموت . وسنفرد لدوام التكليف بحثا عقليا بعد الفراغ عن البحث الروائي إن شاء الله تعالى وبعد البحث الروائي قال: ( بحث فلسفي في كيفية وجود التكليف ودوامه ) قد تقدم في خلال أبحاث النبوة وكيفية انتشاء الشرائع السماوية في هذا الكتاب ان كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية هو متوجه إليها ساع نحوها طالب لها بحركة وجودية تناسب وجوده لا يسكن عنها دون ان ينالها الا ان يمنعه عن ذلك مانع مزاحم فيبطل دون الوصول إلى غايته كالشجرة تقف عن الرشد والنمو قبل ان تبلغ غايتها لآفات تعرضها وتقدم أيضا ان الحرمان من بلوغ الغايات انما هو في افراد خاصة من الأنواع واما النوع بنوعيته فلا يتصور فيه ذلك . وان الانسان وهو نوع وجودي له غاية وجودية لا ينالها الا بالاجتماع المدني كما يشهد به تجهيز وجوده بما لا يستغنى به عن سائر أمثاله كالذكورة والأنوثة والعواطف والاحساسات وكثرة الحوائج وتراكمها . وان تحقق هذا الاجتماع وانعقاد المجتمع الانساني يحوج افراد المجتمع إلى احكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم ويرتفع بها اختلافاتهم الضرورية ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له ويحوز بها سعادته وكماله الوجودي هذه الأحكام والقوانين العملية في الحقيقة منبعثة عن الحوائج التي تهتف بها خصوصية وجود الانسان وخلقته الخاصة بما لها من التجهيزات البدنية والروحية كما أن خصوصية وجوده وخلقته مرتبطة بخصوصيات العلل والأسباب التي تكون وجود الانسان من الكون العام . وهذا معنى كون الدين فطريا أي انه مجموع احكام وقوانين يرشد إليها وجود الانسان بحسب التكوين وان شئت فقل سنن يستدعيها الكون العام فلو أقيمت أصلحت المجتمع وبلغت بالافراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب ولو تركت وابطلت أفسدت العالم الانساني وزاحمت الكون العام في نظامه . وان هذه الأحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع ويجمع بها شمله أو عبادية تبلغ بالانسان غاية كماله من المعرفة والصلاح في مجتمع صالح فإنها جميعا يجب ان يتلقاها الانسان من طريق نبوة الهية ووحى سماوي لا غير . وبهذه الأصول الماضية يتبين ان التكليف الإلهي يلازم الانسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية سواء كان في نفسه ناقصا لم يكمل وجودا بعد أو كاملا علما وعملا اما لو كان ناقصا فظاهر واما لو كان كاملا فلان معنى كماله أن يحصل له في جانبي العلم والعمل ملكات فاضلة يصدر عنها من الأعمال المعاملية ما يلائم المجتمع ويصلحه ويتمكن من كمال المعرفة وصدور الأعمال العبادية الملائمة للمعرفة كما تقتضيه العناية الإلهية الهادية للانسان إلى سعادته . ومن المعلوم ان تجويز ارتفاع التكليف عن الانسان الكامل ملازم لتجويز تخلفه عن الاحكام والقوانين وهو فيما يرجع إلى المعاملات يوجب فساد المجتمع والعناية الإلهية تأباه وفيما يرجع إلى العبادات يوجب تخلف الملكات عن آثارها فان الافعال مقدمات معدة لحصول الملكات ما لم تحصل وإذا حصلت عادت تلك الأفعال آثارا لها تصدر عنها صدورا لا تخلف فيه . ومن هنا يظهر فساد ما ربما يتوهم ان الغرض من التكليف تكميل الانسان وايصاله غاية وجوده فإذا كمل لم يكن لبقاء التكليف معنى . وجه الفساد إن تخلف الانسان عن التكليف الإلهي وان كان كاملا في المعاملات يفسد المجتمع وفيه ابطال العناية الإلهية بالنوع وفي العبادات يستلزم تخلف الملكات عن آثارها وهو غير جائز ولو جاز لكان فيه ابطال الملكة وفيه أيضا ابطال العناية نعم بين الانسان الكامل وغيره فرق في صدور الافعال وهو ان الكامل مصون عن المخالفة لمكان الملكة الراسخة بخلاف غير الكامل والله المستعان . ودمتم في رعاية الله