إنّ حادثة قلع باب خيبر من الأمور التي لا يرتاب فنها أحد، وقد شاعت وذاعت بين الناس وقد تناولت المصادر التأريخيَّة هذا الحدث، بشيء من الأسهاب لما له من مدخليَّة كبرى بانتصار المسلمين، ودور أمير المؤمنين (ع)في تلك الغزوة كان واضحاً، حيث قتل كبار قادة العدو ولذا ذكروا تفاصيل كثيرة في بيان تلك الواقعة:
((ثم كانت غزوة خيبر في ذي الحجة من سنة ست - وذكر الواقدي: أنها كانت أول سنة سبع من الهجرة (2) - وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضعاً وعشرين ليلة، وبخيبر أربعة عشر ألف يهوديّ في حصونهم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتتحها حصناً حصناً، وكان من أشدِّ حصونهم وأكثرها رجالاً القموص، فأخذ أبو بكر راية المهاجرين فقاتل بها ثم رجع منهزماً، ثم أخذها عمر بن الخطاب من الغد فرجع منهزماً يجبن الناس ويجبنونه، حتى ساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فقال:
(لأعطين الراية غداً رجلاً كرَّاراً غير فرَّار، يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، ولا يرجع حتى يفتح الله على يده).
فغدت قريش يقول بعضهم لبعض: أمَّا عليٌّ فقد كُفِيتُموه فإنَّه أرمد لا يبصر موضع قدمه. وقال علي عليه السلام لما سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم لا معطي لِمَا منعت، ولا مانع لما أعطيت).
فأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم واجتمع إليه الناس. قال سعد: جلست نصب عينيه ثم جثوت على ركبتي، ثم قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني، فقال: (ادعو لي علياً) فصاح الناس من كلّ جانب: إنَّه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه فقال: (أرسلوا إليه وادعوه).
فأُتِيَ به يُقَاد، فوضع رأسه على فخذه ثم تفل في عينيه، فقام وكأن عينيه جزعتان (3)، ثم أعطاه الراية ودعا له فخرج يهرول هرولة، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن.
قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا، وصاح سعد: يا أبا الحسن أربع يلحق بك الناس، فأقبل حتى ركزها قريبا من الحصن فخرج إليه مرحب في عادية اليهود (1) فبارزه فضرب رجله فقطعها وسقط، وحمل علي والمسلمون عليهم فانهزموا (2).
قال أبان: حدثني زرارة قال: قال الباقر عليه السلام: (انتهى إلى باب الحصن وقد أغلق في وجهه فاجتذبه اجتذابا وتترس به، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاما، واقتحم المسلمون والباب على ظهره. قال: فوالله ما لقي علي عليه السلام من الناس تحت الباب أشد مما لقي من الباب، ثم رمى بالباب رميا.
وخرج البشير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن عليا دخل الحصن، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج علي يتلقاه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: قد بلغني نبأك المشكور وصنيعك المذكور، قد رضي الله عنك ورضيت أنا عنك. فبكى علي عليه السلام، فقال له: ما يبكيك يا علي؟ فقال: فرحا بأن الله ورسوله عني راضيان…))، إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي، ج ١، ص ٢٠٧.