قال تعالئ (ادع إلى سبيل ربك بالحكمه والموعظه الحسنه وجدلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) بم امرا الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وما دلاله في ذلك الأمر؟؟
أهم الأوامر الأخلاقية الأساسية التي ينبغي التحصن بها عند مواجهة المخالفين على أساس منطقي، كما وتبين كيفية العقاب والعفو وأسلوب الصمود أمام مؤامرتهم وما شابه ذلك.
ويمكن تسمية ذلك بالأصول التكتيكية ومنهج المواجهة في الإسلام ضد المخالفين، كما وينبغي العمل به كقانون كلي شامل لكل زمان ومكان.
ويتلخص هذا البرنامج الرباني بعشرة أصول، تم ترتيبها وفقا لتسلسل الآيات مورد البحث:
1 - أدع إلى سبيل ربك بالحكمة:
" الحكمة ": بمعنى العلم والمنطق والاستدلال، وهي في الأصل بمعنى (المنع) وقد أطلقت على العلم والمنطق والاستدلال لقدرتها على منع الإنسان من الفساد والانحراف ... المزید
فأول خطوة على طريق الدعوة إلى الحق هي التمكن من الاستدلال وفق المنطق السليم، أو النفوذ إلى داخل فكر الناس ومحاولة تحريك وإيقاظ عقولهم، كخطوة أولى في هذا الطريق.
2 - والموعظة الحسنة:
وهى الخطوة الثانية في طريق الدعوة إلى الله، بالاستفادة من عملية تحريك الوجدان الإنساني، وذلك لما للموعظة الحسنة من أثر دقيق وفاعل على عاطفة الإنسان وأحاسيسه، وتوجيه مختلف طبقات الناس نحو الحق.
وفي الحقيقة فإن " الحكمة " تستثمر البعد العقلي للإنسان، و " الموعظة الحسنة " تتعامل مع البعد العاطفي له إن تقييد " الموعظة " بقيد " الحسنة " لعله إشارة إلى أن النصيحة والموعظة إنما تؤدي فعلها على الطرف المقابل إذا خليت من أية خشونة أو استعلاء وتحقير التي تثير فيه حس العناد واللجاجة وما شابه ذلك.
فكم من موعظة أعطت عكس ما كان يؤمل بها بسبب أسلوب طرحها الذي يشعر الطرف المقابل بالحقارة والإهانة كأن تكون الموعظة امام الآخرين ومقرونة بالتحقير، أو يستشم منها رائحة الاستعلاء في الواعظ، فتأخذ الطرف المقابل العزة بالإثم ولا يتجاوب مع تلك الموعظة.
وهكذا يترتب الأثر الإيجابي العميق للموعظة إذا كانت " حسنة ".
3 - وجادلهم بالتي هي أحسن.
الخطوة الثالثة تختص بتخلية أذهان الطرف المخالف من الشبهات العالقة فيه والأفكار المغلوطة ليكون مستعدا لتلقي الحق عند المناظرة.
وبديهي أن تكون المجادلة والمناظرة ذات جدوى إذا كانت بالتي هي أحسن، أي أن يحكمها الحق والعدل والصحة والأمانة والصدق، وتكون خالية من أية إهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة، وبعبارة شاملة: أن تحافظ على كل الأبعاد الإنسانية السليمة عند المناظرة.
وفي ذيل الآية الأولى، يقول القرآن: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
فالآية تشير إلى أن وظيفتكم هي الدعوة إلى طريق الحق بالطرق الثلاثة المتقدمة، أما مسألة من الذي سيهتدي ومن سيبقى على ضلاله، فعلم ذلك عند الله وحده سبحانه.
وثمة احتمال آخر في مقصود هذه الجملة وهو بيان دليل للتوجيهات الثلاث المتقدمة، أي: إنما أمر سبحانه بهذه الأوامر الثلاثة لأنه يعلم الكيفية التي تؤثر بالضالين لأجل توجيههم وهدايتهم.…