السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هل من الواجب إطاعة المرجع في كل توجهاته وآراءه غير الفقهية؟
فعلى سبيل المثال ، انا من مقلدي سماحة السيد السيستاني دام ظله، وأعلم أن الإلتزام بآراءه الفقهية واجب عَلَيّ، ولكن هل يجب عَلَيَّ الإلتزام بآراءه السياسية أو العلمية (مثلاً)؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
المرجعية الدينية مصطلح يطلق على القيادة الدينية عند الشيعة الإمامية في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.والمرجع هو عالم مجتهد يتولى أمور المؤمنين ويتصدى لرعاية مصالحهم الدينية والدنيوية كالقضاء وإقامة الحدود وغيرها نيابة عن الإمام المعصوم في زمن الغيبة. ولايتصدى لهذا المقام إلا من قضى عمره في خدمة العلم حتى نال المراتب العالية منه، وقطع شوطا طويلا في الساحات المعرفية المختلفة.
ويعتقد الشيعة أن المرجعية في عصر الغيبة تكون للفقهاء ولا يجوز لأحد غيرهم تولي ذلك. بمعني أن على الشيعة مراجعة الفقهاء في المسائل الدينية والقضاء و إقامة الحدود و غير ذلك. وذلك ما يستفاد من نصوص كثيرة من أهل البيت عليه السلام.
يقول العلامة محمد رضا المظفر :عقيدتنا في المجتهد وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط، أنه نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشراك بالله كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت عليه السلام.
فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعا في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصاته لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه، إلا بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيزات إلا بأمره وحكمه.
ويرجع إليه أيضا في الأموال التي هي من حقوق الإمام ومختصاته. وهذه المنزلة أو الرئاسة العامة أعطاها الإمام عليه السلام للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائبا عنه في حال الغيبة، ولذلك يسمى (نائب الإمام).
ويتفق فقهاء المذهب الشيعي على أن منصب المرجع منصب خبير في الشريعة، له حق الإفتاء والقضاء والأمور الحسبية، ويضيف بعضهم حق القيادة السياسية أو ولاية الفقيه. وبهذا يوجد داخل المذهب الشيعي اتجاهان فقهيان يعطي أحدهما للمرجع الولاية على الأمة، ويحصر الآخر ولايته في الإفتاء والقضاء وبعض الأمور الإجتماعية.
وينبغي التنبيه على أن الفقهاء القائلين بولاية الفقيه والنافين لها، متفقون على أن من مهام المرجعية وواجباتها: التوعية الدينية، وتبليغ الأحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد بحث فقهاؤنا هذه مسألة ولاية الفقيه في باب الاجتهاد والتقليد من الفقه الإستدلالي وفي مواضع أخرى من الفقه.
قال المرجع المحقق النائيني(قدس سره): « لا إشكال في ثبوت منصب القضاء والإفتاء للفقيه في عصر الغيبة، وهكذا ما يكون من توابع القضاء كأخذ المدعى به من المحكوم عليه، وحبس الغريم المماطل، والتصرف في بعض الأمور الحسبية، كحفظ مال الغائب والصغير ونحو ذلك. وإنما الإشكال في ثبوت الولاية ».
وقال السيد الخوئي(قدس سره)في كتاب الاجتهاد والتقليد/419: «وقد ذكرنا في الكلام على ولاية الفقيه من كتاب المكاسب أن الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند أو الدلالة، وتفصيل ذلك موكول إلى محله، نعم يستفاد من الأخبار المعتبرة أن للفقيه ولاية في موردين وهما الفتوى والقضاء، وأما ولايته في سائر الموارد فلم يدلنا عليها رواية تامة الدلالة والسند».
وفي صراط النجاة من فتاوى المرجعين السيد الخوئي والميرزا التبريزي(قدس سره) يقول السيد الخوئي: أما الولاية على الأمور الحسبية كحفظ أموال الغائب واليتيم، إذا لم يكن من يتصدى لحفظها كالولي أو نحوه، فهي ثابتة للفقيه الجامع للشرائط، وكذا الموقوفات التي ليس لها متولٍّ من قبل الواقف، والمرافعات فإن فصل الخصومة فيها بيد الفقيه، وأمثال ذلك، وأما الزائد على ذلك فالمشهور بين الفقهاء عدم الثبوت، والله العالم.
ويقول الميرزا التبريزي: ذهب بعض فقهائنا إلى أن الفقيه العادل الجامع للشرائط نائب من قبل الإمام عليه السلام في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل. والذي نقول به هو أن الولاية على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ولم يعين له مكلفاً خاصاً، ومنها بل أهمها إدارة نظام البلاد وتهيئة المعدات والإستعدادات للدفاع عنها، فإنها ثابتة للفقيه الجامع للشرائط، يرجع في تفصيله إلى كتابنا ( إرشاد الطالب ) وكذا للفقيه القضاء في المرافعات وفصل الخصومات. ».
يقول في صراط النجاة :الأمور الحسبية هي الأمور التي لابد من حصولها في الخارج، ولم يعين من يتوجه إليه التكليف بالخصوص، كما لو مات شخص ولم ينصب قيماً على الطفل أو المجنون، وكذا الحال في مال الغائب، والأوقاف والوصايا التي لاوصي لها وأمثال ذلك. فالقدر المتيقن للتصدي لها هو الفقيه الجامع للشرائط أو المأذون من قبله. هذا فيما كانت القاعدة في ذلك عدم جواز التصرف، كالأموال والأنفس والأعراض. وأما فيما كانت القاعدة جواز التصرف كالصلاة على الميت الذي لاولي له فإنه لا يحتاج إلى إذن الفقيه ولذا نلتزم بكونه واجباً كفائياً».
وقد أفتى النافون لولاية الفقيه بأنها مسألة فقهية محضة، تخص مقلدي المرجع القائل بها، ولا تشمل غيرهم.ففي صراط النجاة «: الفتوى عبارة عن الحكم الكلي الفرعي المستنبط من أدلته، وأما الحكم الولائي فهو لمن كانت له الولاية على الأمر والنهي في الأمور المباحة، والله العالم.
وقال السيد الخميني(قدس سره): «المستفاد من المقبولة كما ذكرناه هو أن الحكومة مطلقاً للفقيه، وقد جعلهم الإمام حكاماً على الناس، ولا يخفى أن جعل القاضي من شؤون الحاكم والسلطان في الإسلام، فجعل الحكومة للفقهاء مستلزم لجواز نصب القضاة، فالحكام على الناس شأنهم نصب الأمراء والقضاة وغيرهما مما تحتاج إليه الأمة.فالقول بأن الأخبار في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس ساقط.. وتخصيصها بالقضاء لا وجه له بعد عموم اللفظ ومطابقة الإعتبار، والإنصراف لو كان فهو بَدْوي، ينشأ من توهم كون مورد المقبولة هو القضاء ».
ويتصور البعض أن هذين الإتجاهين يستوجبان الصراع بين الشيعة، لأن من يقولون بولاية الفقيه يرون أن الفقيه المتصدي له ولاية على جميع المسلمين، ويجب على المراجع ومقلديهم طاعته، ويجب دفع الخمس اليه دون غيره.
بل يضيفون إن ولاية الفقيه متفرعة عن ولاية النبي صلی الله عليه وآله وسلم والأئمة (عليهم السلام) ، فهي لذلك مسألة عقائدية، وليست فقهية محضة، كما يقول أصحاب الإتجاه الثاني.
لكن الفقهاء توصلوا عملياً الى التعايش الأخوي بين أصحاب الإتجاهين، فكل منهما يعذر الآخر في اجتهاده، والولي الفقيه يطاع في البلد الذي يحكم فيه.