كيف يأمر الله بالفسق
واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها السؤال كيف يأمر الله بالفسق وكيف يعاقب عليه بعد الامر به ؟ افيدونا جزيتم خيرا
أشار صاحب تفسير الميزان إلى عدة وجوه في تفسير الأية المباركة (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) منها: ن المعلوم من كلامه تعالى انه لا يأمر بالمعصية أمرا تشريعيا فهو القائل: (قل ان الله لا يأمر بالفحشاء) الأعراف: 28 واما الامر التكويني فعدم تعلقه بالمعصية من حيث إنها معصية أوضح لجعله الفعل ضروريا يبطل معه تعلقه باختيار الانسان ولا معصية مع عدم الاختيار قال تعالى: (انما امره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون) يس: 82. فمتعلق الامر في قوله: (أمرنا) ان كان هو الطاعة كان الامر بحقيقة معناه وهو الامر التشريعي وكان هو الامر الذي توجه إليهم بلسان الرسول الذي يبلغهم أمر ربهم وينذرهم بعذابه لو خالفوا وهو الشأن الذي يختص بالرسول فإذا خالفوا وفسقوا عن أمر ربهم حق عليهم القول وهو انهم معذبون ان خالفوا فاهلكوا ودمروا تدميرا. وان كان متعلق الامر هو الفسق والمعصية كان الامر مرادا به الاكثار من إفاضة النعم عليهم وتوفيرها على سبيل الاملاء والاستدراج وتقريبهم بذلك من الفسق حتى يفسقوا فيحق عليهم القول وينزل عليهم العذاب. وهذان وجهان في معنى قوله: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) يجوز توجيهه بكل منهما لكن يبعد أول الوجهين اولا ان قولنا: امرته ففعل وأمرته ففسق ظاهره تعلق الامر بعين ما فرع عليه، وثانيا عدم ظهور وجه لتعلق الامر بالمترفين مع كون الفسق لجميع أهل القرية والا لم يهلكوا. قال في الكشاف: والامر مجاز لان حقيقة أمرهم بالفسق ان يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقى ان يكون مجازا، ووجه المجاز انه صب عليهم النعمة صبا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب ايلاء النعمة فيه، وانما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الاحسان والبر كما خلقهم أصحاء أقوياء وأقدرهم على الخير والشر وطلب منهم ايثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمرهم. وهو كلام حسن في تقريب ظهور قوله: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) في كون المأمور به هو الفسق واما كونه صريحا فيه بحيث لا يحتمل الا ذلك كما يدعيه فلا، فلم لا يجوز ان تكون الآية من قبيل قولنا: امرته فعصاني حيث تكون المعصية وهى منافية للامر قرينة على كون المأمور به هو الطاعة والفسق والمعصية واحد فان الفسق هو الخروج عن زي العبودية والطاعة فهو المعصية ويكون المعنى حينئذ: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا عن أمرنا وعصوه، أو يكون الامر في الآية مستعملا استعمال اللازم، والمعنى توجه أمرنا إلى مترفيها ففسقوا فيها عنه.