السلام عليكم
في الدين الإسلامي يحرم على الشخص أن يتزوج أخت زوجته ما دامت في ذمته، ويحل له ذلك بعد وفاتها أو طلاقها.
لماذا تزوج نبي يعقوب (عليه السلام) أخوات وهن على قيد الحياة؟
وشكراً
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
أولاً: حرمة الجمع بين الأختين وارد في القرآن الكريم كما في سورة النساء الآية (٢٣): {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً}.
كما كان يُفعل في زمن الجاهلة.
ثانياً: المذكور في بعض مصادرنا كمجمع البيان(1) انَّ يعقوب (عليه السلام) تزوَّج من راحيل أمِّ يوسف بعد وفاة أُختها المسمَّاة بـ (ليَّا) فقد كانت (ليَّا) هي الكبرى وراحيل والدة يوسف هي الصغرى.
وأما ما قيل من انَّ يعقوب (عليه السلام) قد تزوَّج من الأختين في عرضٍ واحد فهو مذكور في التوراة (الكتاب المقدَّس) العهد القديم(2)، وكذلك هو مذكورٌ في كتب التأريخ السنيَّة مثل كتاب تأريخ الطبري وكتاب الكامل في التأريخ لابن الأثير وكتاب البداية والنهاية لابن كثير والمعارف لابن قتيبة(3).
وهو مذكور كذلك في بعض كتب التفسير السنيَّة مثل تفسير أبي السعود وتفسير الآلوسي وتفسير القرطبي وتفسير السمرقندي(4) وغيرها.
وقد ذكر بعضُهم(5) في تبرير ذلك بأنَّ الجمع بين الأختين لم يكن محرَّماً في شريعتِهم ثمَّ نُسخ هذا الحكم في شريعةِ موسى (عليه السلام).
ولو صحَّ ما نقلوه من جمع يعقوب (عليه السلام) بين الأختين لكان ما ذكره بعضُهم من توجيه صحيحاً، إلا انَّه لا اعتداد بهذه النقولات لعدم صلاحيَّتها للإثبات التأريخي بل لا يبعد انَّها من الإسرائيليات التي تسرَّبت إلى التُراث الإسلاميِّ بواسطة من أسلم من اليهود.
والحمد لله رب العالمين
منقول
ثالثاً: للفائدة ننقل تفسير الآية من كتاب (تفسير الأمثل)، الآتي:
تحريم الزّواج بالمحارم:
في هذه الآية أشار سبحانه إلی النساء اللاتي يحرم نكاحهنّ والزواج بهنّ، ويمكن أن تنشأ هذه الحرمة من ثلاث طرق أو أسباب و هي:
١- الولادة التي يعبّر عنها بالارتباط النّسبي.
٢- الزّواج الذي يعبّر عنه بالارتباط السّببي.
٣- الرّضاع الذي يعبّر عنه بالارتباط الرّضاعي.
وقد أشار في البداية إلی النساء المحرمات بواسطة النّسب و هنّ سبع طوائف إذ يقول حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ.
ويجب التّنبيه إلی أنّ المراد من «الأمّ» ليس هي التي يتولد منها الإنسان دونما واسطة فقط، بل يشمل الجدّة من ناحية الأب ومن ناحية الأمّ وإن علون، كما أنّ المراد من البنت ليس هو البنت بلا واسطة، بل تشمل بنت البنت وبنت الابن وأولادهما وإن نزلن، وهكذا الحال في الطوائف الخمس الأخرى.
ومن الواضح جداً أنّ الإنسان يبغض النكاح والزواج بهذه الطوائف من النسوة، ولهذا تحرمه جميع الشعوب والجماعات (إلّا من شذ وهو قليل)، وحتی المجوس الذين كانوا يجوزون هذا النوع من النكاح في مصادرهم الأصلية ينكرونه ويشجبونه اليوم، وإن حاول البعض أن يردّ هذه المبغوضية إلی العادة والتقليد القديم، ولكن عمومية هذا القانون وشيوعه لدی جميع أفراد البشر وطوائفه وفي جميع القرون والأعصار تحكي- عادة- عن فطرية هذا القانون، لأن التقليد والعادة لا يمكن أن يكون أمراً عامّاً ودائمياً.
هذا مضافاً إلی أنّ هناك حقيقة ثابتة اليوم، وهي أنّ الزواج بين الأشخاص ذوي الفئة المشابهة من الدم ينطوي علی أخطار كثيرة، ويؤدي إلی انبعاث أمراض خفية وموروثة، وتشددها وتجددها (لأنّ هذا النوع من الزواج يولد هذه الأمراض، بل يساعدها علی التشدد والتجدد والانتقال) إلی درجة أنّ البعض لا يستحسن حتی الزواج بالأقرباء البعيدين (فضلاً عن المحارم المذكورة هنا) مثل الزواج الواقع بين أبناء وبنات العمومة ويرون أنّه يؤدي هو الآخر أيضاً إلی أخطار تصاعد الأمراض الوارثية. إلّا أنّ هذا النوع من الزواج إذا لم يسبب أية مشكلة لدی الأقرباء البعيدين (كما هو الغالب) فإنّه لا شك يسبب مضاعفات خطيرة لدی الأقرباء القريبين الذين تشتدّ عندهم ظاهرة وحدة الدم وتشابهه.
هذا مضافاً إلی ضعف الرغبة الجنسية والتجاذب الجنسي لدی المحارم عادة، لأنّ المحارم- في الأغلب- يكبرون معاً، ويشبّون معاً، ولهذا لا ينطوي الزواج فيما بينهم علی عنصر المفاجأة وصفة العلاقة الجديدة، لأنّهم تعودوا علی التعامل فيما بينهم، فلا يكون أحدهم جديداً علی الآخر، بل العلاقة لديهم علاقة عادية ورتيبة، ولا يمكن أن يكون بعض الموارد النادرة مقياساً لانتزاع القوانين الكلية العامّة أو سبباً لنقض مضاداتها، ونحن نعلم أن التجاذب الجنسي شرط أساسي لدوام العلاقة الزوجية واستمرار الرابطة العائلية، ولهذا إذا تمّ التزاوج بين المحارم فإن الرابطة الزوجية الناشئة من هذا الزواج ستكون رابطة ضعيفة مهزوزة وقصيرة العمر.
﴿وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ يشير اللّه سبحانه في هذه الآية إلی المحارم الرّضاعية والقرآن وإن اقتصر في هذا المقام علی الإشارة إلی طائفتين من المحارم الرضاعية، وهي الأم الرضاعية والأخت الرضاعية فقط، إلّا أنّ المحارم الرضاعية- كما يستفاد من روايات عديدة- لا تنحصر في من ذكر في هذه الآية، بل تحرم بالرّضاعة كل من يحرمن من النساء بسبب «النسب» كما يصرّح بذلك الحديث المشهور المروي عن رسول اللّه (صلّی اللّه عليه وآله وسلّم): «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» (من لا يحضره الفقيه، ج ٢، ص ١٥٥).
علی أن بيان مقدار الرّضاع الموجب للحرمة والشروط والكيفية المعتبرة فيه، وغير ذلك من التفاصيل والخصوصيات متروك للكتب الفقهية.
وفلسفة حرمة الزواج بالمحارم الرضاعية هي أن نشوء ونبات لحم المرتضع وعظمه من لبن امرأة معينة تجعله بمثابة ابنها الحقيقي، فالمرأة التي ترضع طفلاً مقداراً معيناً من اللبن ينشأ وينبت معه ومنه للطفل لحم وعظم، فإنّ هذا النوع من الرضاع يجعل الطفل شبيهاً بأبنائها وأولادها لصيرورته جزء من بدنها كما هم جزء من بدنها، فإذاً هم جميعاً (أي: الأخوة الرضاعيون والأخوة النسبيون) كأنّهم اخوة بالنسب.
ثمّ إنّ اللّه سبحانه يشير- في المرحلة الأخيرة- إلی الطائفة الثالثة من النسوة اللاتي يحرم الزواج بهنّ ويذكرهنّ ضمن عدّة عناوين:
١- ﴿وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ يعني: أن المرأة بمجرّد أن تتزوج برجل ويجري عقد النكاح بينهما تحرم أمها وأم أمها وإن علون علی ذلك الرجل.
٢- ﴿وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ﴾ يعني: أنّ مجرّد العقد علی امرأة لا يوجب حرمة نكاح بناتها من زوج آخر علی زوجها الثّاني، بل يشترط أن يدخل بها أيضاً مضافاً علی العقد عليها.
إنّ وجود هذا القيد في هذا المورد ﴿دَخَلْتُمْ بِهِنَ﴾ يؤيد كون حكم أمّ الزوجة الذي مرّ في الجملة السابقة ﴿وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ غير مشروط بهذا الشرط، وبعبارة أخری إن هذا القيد هنا يؤيد ويؤكّد إطلاق الحكم هناك، فتكون النتيجة أن بمجرّد العقد علی امرأة تحرم أمّ تلك المرأة علی الرجل وإن لم يدخل بتلك المرأة، لخلو ذلك الحكم من القيد المشروط هنا في مورد الرّبيبة.
ثمّ أنّ قيد ﴿فِي حُجُورِكُمْ﴾ وإن كان ظاهره يفهم منه أنّ بنت الزوجة من زوج آخر إذا لم ترب في حجر الزوج الثاني لا تحرم عليه، ولكن هذا القيد بدلالة الروايات وقطعية هذا الحكم -ليس قيداً احترازياً- بل هو في الحقيقة إشارة إلی نكتة التحريم، لأن أمثال هذه الفتيات اللاتي تقدم أمّهاتها علی زواج آخر، هنّ في الأغلب في سنين متدنية من العمر، ولذلك غالباً ما يتلقين نشأتهنّ وتربيتهنّ في حجر الزوج الجديد مثل بناته، فالآية تقول إن بنات نسائكم من غيركم كبناتكم أنفسكم، فهل يتزوج أحد بابنة نفسه؟! واختيار وصف الربائب التي هي جمع الرّبيبة (لتربية الزوج الثاني إيّاها فهي مربوبته) إنّما هو لأجل هذا.
ثمّ يضيف سبحانه لتأكيد هذا المطلب عقيب هذا القسم قائلاً: ﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: إذا لم تدخلوا بامّ الرّبيبة جاز لكم نكاح بناتهنّ.
٣- ﴿وَحَلائِلُ﴾ [الحلائل جمع الحليلة، وهي من مادة حل، وهي بمعنی المحللة، أي المرأة التي تحل للإنسان، أو من مادة حلول معنی المرأة التي تسكن مع الرجل في مكان واحد وتكون بينهما علاقة جنسية، لأن كل واحد منهما يحل مع الآخر في الفراش.] ﴿أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾ والمراد من حلائل الأبناء زوجاتهم، وأمّا التعبير بـ «من أصلابكم» فهو في الحقيقة لأجل أن هذه الآية تبطل عادة من العادات الخاطئة في الجاهلية، حيث كان المتعارف في ذلك العهد أن يتبنی الرجل شخصاً ثمّ يعطي للشخص المتبني كل أحكام الولد الحقيقي، ولهذا كانوا لا يتزوجون بزوجات هذا النوع من الأبناء كما لا يتزوجون بزوجة الولد الحقيقي تماماً، والتبني والأحكام المرتبة عليها لا أساس لها في نظر الإسلام.
٤- ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ يعني: أنّه يحرم الجمع بين الأختين في العقد، وعلی هذا يجوز الزواج بالأختين في وقتين مختلفين وبعد الانفصال عن الأخت السابقة.
وحيث أنّ الزواج بأختين في وقت واحد كان عادة جارية في الجاهلية، وكان ثمّة من ارتكبوا هذا العمل فإن القرآن عقب علی النهي المذكور بقوله: ﴿إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ يعني: إنّ هذا الحكم كالأحكام الأخری لا يشمل الحالات السابقة، فلا يؤاخذهم اللّه علی هذا الفعل وإن كان يجب عليهم أن يختاروا إحدی الأختين، ويفارقوا الأخری، بعد نزول هذا الحكم.
يبقی أن نعرف أنّ سرّ تحريم هذا النمط من الزواج (أي التزوج بأختين في وقت واحد) في الإسلام لعلّه أن بين الأختين بحكم ما بينهما من نسب ورابطة طبيعية علاقة حبّ ومودّة، فإذا أصبحتا متنافستين في ظل الانتماء إلی زوج واحد لم يمكنهما الحفاظ علی تلك المودّة والمحبّة والعلاقة الودية بطبيعة الحال، وبهذه الصورة يحدث هناك تضاد عاطفي في وجود كل من الأختين يضرّ بحياتهما، لأن كلّ واحدة منهما ستعاني حينئذ وبصورة دائمية من صراع حالتين نفسيتين متضادتين هما دافع الحب، وغريزة التنافس، وهو صراع نفسي مقيت ينطوي علی مضاعفات خطيرة لا تحمد عقباها.
ثمّ إن بعض المفسّرين احتمل أن تعود جملة إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إلی كل المحارم من النسوة اللاتي مرّ ذكرهنّ في مطلع الآية فيكون المعنی: إذا كان قد أقدم أحد في الجاهلية علی التزوج بإحدی النساء المحرم عليه نكاحهنّ لم يشمله حكم تحريم الزواج بهنّ هذا، وكان ما نتج من ذلك الزواج الذي حرم في ما بعد من الأولاد شرعيين، وإن وجب عليهم بعد نزول هذه الآية أن يتخلوا عن تلكم النساء، ويفارقوهنّ.
وتناسب خاتمة هذه الآية أعني قوله سبحانه و تعالی: إِنَّ اللَّـهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً هذا المعنی الأخير.
الهوامش
——————————————-
1- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج5 / ص363.
2- الكتاب المقدس -اصدار مجمع الكنائس الشرقية- ص46.
3- تاريخ الطبري -الطبري- ج1 / ص223، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج1 / ص126، البداية والنهاية -ابن كثير- ج1 / ص224، المعارف -ابن قتيبة- ص40.
4- تفسير أبي السعود -أبو السعود- ج4 / ص253، تفسير الآلوسي -الآلوسي- ج12 / ص183، تفسير القرطبي -القرطبي- ج9 / ص130، تفسير السمرقندي -أبو الليث السمرقندي- ج2 / ص180.
5- المعارف -ابن قتيبة- ص40، تفسير السمرقندي -أبو الليث السمرقندي- ج2 / ص181.